خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِإِفْرَادِهَا إلَّا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ فَمُنْفَرِدَةٌ اتِّفَاقًا فَلَوْ أَوْتَرَهُ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ لَمْ يُجْزِهِ كَالنِّصْفِ فِيمَا يَظْهَرُ (مُرَجَّعٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ خَبَرٌ ثَانٍ أَيْ، وَهُوَ مُرَجَّعُ (الشَّهَادَتَيْنِ بِأَرْفَعَ) أَيْ أَعْلَى (مِنْ صَوْتِهِ) بِهِمَا (أَوَّلًا) عَقِبَ التَّكْبِيرِ الْمُرْتَفِعِ لِخَفْضِهِ صَوْتَهُ بِهِمَا دُونَ التَّكْبِيرِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِسْمَاعِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ وَيَكُونُ صَوْتُهُ فِي التَّرْجِيعِ مُسَاوِيًا لِصَوْتِهِ فِي التَّكْبِيرِ (مَجْزُومٌ) نَدْبًا أَيْ مَوْقُوفُ الْجُمَلِ سَاكِنُهَا لِأَجْلِ امْتِدَادِ الصَّوْتِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ رِوَايَةٍ إسْنَادُ صُدُورِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِوَايَةٍ إسْنَادُ صُدُورِهَا لِعُمَرَ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْ عُمَرَ لَيْسَ تَشْرِيعًا بَلْ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ فَبِدْعَةٌ حَسَنَةٌ أَوَّلُ حُدُوثِهَا زَمَنَ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ أَوَّلًا تُزَادُ بَعْدَ أَذَانِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَطْ ثُمَّ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ زِيدَتْ عَقِبَ كُلِّ أَذَانٍ إلَّا الْمَغْرِبَ كَمَا أَنَّ مَا يُفْعَلُ لَيْلًا مِنْ الِاسْتِغْفَارَاتِ وَالتَّسَابِيحِ وَالتَّوَسُّلَاتِ فَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الْبِشْبِيشِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالتُّحْفَةِ السَّنِيَّةِ فِي أَجْوِبَةِ الْأَسْئِلَةِ الْمَرْضِيَّةِ أَنَّ أَوَّلَ مَا زِيدَتْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ كُلِّ أَذَانٍ عَلَى الْمَنَارَةِ زَمَنَ السُّلْطَانِ الْمَنْصُورِ حَاجِّيُّ بْنُ الْأَشْرَفِ شَعْبَانُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ النَّاصِرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ قَلَاوُونَ وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَكَانَ قَدْ حَدَثَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ يُوسُفَ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ أَنْ يُقَالَ قَبْلَ أَذَانِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِمِصْرَ وَالشَّامِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَزِيدَ فِيهِ بِأَمْرِ الْمُحْتَسِبِ صَلَاحِ الدِّينِ الْبُرُلُّسِيُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ جُعِلَ ذَلِكَ عَقِبَ كُلِّ أَذَانٍ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ.
(تَنْبِيهٌ) كَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَزِيدُ (حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ) بَعْدَ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ الْآنَ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِإِفْرَادِهَا) أَيْ وَهُوَ ابْنُ وَهْبٍ (قَوْلُهُ: إلَّا الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُثَنًّى وَالْمُرَادُ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَوْتَرَهُ كُلَّهُ أَوْ جُلَّهُ) أَيْ وَلَوْ غَلَطًا وَقَوْلُهُ: لَمْ يُجْزِهِ أَيْ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ إنْ كَانَ الْأَذَانُ سُنَّةً أَوْ فِي تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ إنْ كَانَ الْأَذَانُ وَاجِبًا أَوْ فِي تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ إنْ كَانَ الْأَذَانُ مَنْدُوبًا (قَوْلُهُ: كَالنِّصْفِ فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ أَوْتَرَ أَقَلَّهُ فَلَا يَضُرُّ وَمَا ذُكِرَ فِي إيتَارِ الْأَذَانِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي شَفْعِ الْإِقَامَةِ فَإِذَا شَفَعَهَا كُلَّهَا أَوْ غَالِبَهَا أَوْ نِصْفَهَا فَلَا تُجْزِي وَإِنْ شَفَعَ أَقَلَّهَا أَجْزَأَتْ (قَوْلُهُ: مُرَجَّعٌ الشَّهَادَتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُرَجِّعَ الشَّهَادَتَيْنِ بِأَعْلَى مِنْ صَوْتِهِ بِهِمَا أَوَّلًا وَيَكُونَ صَوْتُهُ فِي التَّرْجِيعِ مُسَاوِيًا لِصَوْتِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَلَا يَبْطُلُ الْأَذَانُ بِتَرْكِ التَّرْجِيعِ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مُرَجَّعُ الشَّهَادَاتِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُرَجِّعُ بَعْدَ جَمْعٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُرَجَّعٌ الشَّهَادَتَيْنِ فَيَصْدُقُ بِتَكْرِيرِ مَرَّتَيْ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُ يَذْكُرُ أَوَّلًا أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ ثُمَّ يُعِيدُهَا بِأَرْفَعِ مِنْ صَوْتِهِ بِهَا أَوَّلًا فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِ شَهَادَاتٍ (قَوْلُهُ: أَيْ أَعْلَى) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ أَرْفَعَ مَأْخُوذٌ مِنْ الِارْتِفَاعِ وَهُوَ الْعُلُوُّ لَا مِنْ الرِّفْعَةِ وَهِيَ الرِّقَّةُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي خَفْضَ صَوْتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَرْفَعُ أَوَّلًا صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ لِمُنْتَهَاهُ ثُمَّ يَخْفِضُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ دُونَ التَّكْبِيرِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ النَّاسَ ثُمَّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِهِمَا بِحَيْثُ يُسَاوِي رَفْعَهُ بِالتَّكْبِيرِ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: لِخَفْضِهِ صَوْتَهُ بِهِمَا) أَيْ أَوَّلًا (قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ الْإِسْمَاعِ) أَيْ إنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا أَوَّلًا قَبْلَ التَّرْجِيعِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِسُنَّةِ التَّرْجِيعِ بَلْ يَكُونُ مَا أَتَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ تَرْجِيعٌ مُتَمِّمًا لِلْأَذَانِ وَفَاتَتْهُ سُنَّةُ التَّرْجِيعِ (قَوْلُهُ: سَاكِنُهَا) تَفْسِيرُ لِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يَقُولُ إنَّ الْجَزْمَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ مَعَ أَنَّ أَوَاخِرَ الْجُمَلِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ أَفْعَالًا حَتَّى تُجْزَمَ قَالَ الْمَازِرِيُّ اخْتَارَ شُيُوخُ صِقِلِّيَّةَ جَزْمَهُ وَشُيُوخُ الْقَرَوِيِّينَ إعْرَابَهُ وَالْجَمِيعُ جَائِزٌ اهـ فَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَالْمَنْدُوبِ قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ أَلْفَاظِهِ حَتَّى اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَخِيرُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ نَطَقَ بِهِ غَيْرَ مَوْقُوفٍ وَحِينَئِذٍ فَجَزْمُ مَا عَدَا التَّكْبِيرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ صِفَاتِهِ الْوَاجِبَةِ أَيْ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّتُهُ وَمَا فِي عبق تَبَعًا لح مِنْ أَنَّ جَزْمَهُ لَيْسَ مِنْ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ مُعْتَمِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute