بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَهُنَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ وَإِنَّمَا أَخَذَ حَقَّهُ لِجَحْدِ غَرِيمِهِ أَوْ مَطْلِهِ فَصَدَّقَهُ رَبُّ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ.
(مُخْرَجٍ مِنْ حِرْزٍ) وَلَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ السَّارِقِ فِيهِ بَلْ لَوْ أَدْخَلَ نَحْوَ عَصًا وَجَرَّ النِّصَابَ بِهِ قُطِعَ وَالْحِرْزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ (بِأَنْ لَا يُعَدَّ الْوَاضِعُ فِيهِ مُضَيِّعًا) عُرْفًا (وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ هُوَ) فَالْمَدَارُ عَلَى إخْرَاجِ النِّصَابِ دَخَلَ هُوَ فِي الْحِرْزِ أَمْ لَا خَرَجَ مِنْهُ إذَا دَخَلَ أَمْ لَا (أَوْ) (ابْتَلَعَ) فِي الْحِرْزِ (دُرًّا) أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يَفْسُدُ بِالِابْتِلَاعِ وَكَانَ فِيهِ النِّصَابُ ثُمَّ خَرَجَ فَيُقْطَعُ بِخِلَافِ مَا يُفْسِدُهُ الِابْتِلَاعُ كَالطَّعَامِ وَالْعَنْبَرِ فَلَا يُقْطَعُ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ أَحْرَقَ شَيْئًا فِي الْحِرْزِ أَوْ أَتْلَفَهُ وَيُؤَدَّبُ فَلَوْ أَكَلَهُ خَارِجَ الْحِرْزِ أَوْ أَحْرَقَهُ قُطِعَ (أَوْ) (ادَّهَنَ) فِي الْحِرْزِ (بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ) بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْحِرْزِ إذَا سَلَتَ كَمِسْكٍ وَزَبَادٍ وَعِطْرٍ (نِصَابٌ) أَيْ قِيمَةُ نِصَابٍ (أَوْ) كَانَ خَارِجَ الْحِرْزِ وَ (أَشَارَ إلَى شَاةٍ) مَثَلًا (بِالْعَلَفِ فَخَرَجَتْ) فَأَخَذَهَا قُطِعَ.
(أَوْ) سَرَقَ (اللَّحْدَ) فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ الْإِغْيَاءِ وَالْمُرَادُ بِاللَّحْدِ غِشَاءُ الْقَبْرِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
الْآخِذِ إنَّمَا أَخَذَ مَالَهُ الَّذِي كُنْت جَاحِدًا لَهُ أَوْ مُمَاطِلًا لَهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ: مِنْ أَفْرَادِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَوْ كَذَّبَهُ أَيْ حَتَّى يَقْصُرَ الثُّبُوتَ هُنَا عَلَى الثُّبُوتِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يُعَمَّمُ فِيهِ بِحَيْثُ يُجْعَلُ شَامِلًا لِلثُّبُوتِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَالِ حَتَّى يَلْزَمَ مُخَالَفَةٌ هُنَا مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْقَطْعِ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ) أَيْ بَلْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ سَرَقَ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: مُخْرَجٍ مِنْ حِرْزٍ) أَيْ وَاحِدٍ فَلَوْ أُخْرِجَ النِّصَابُ مِنْ حِرْزَيْنِ لَمْ يُقْطَعْ سَوَاءٌ كَانَ الْحِرْزَانِ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ أَوْ لِأَكْثَرَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النِّصَابَ مَتَى كَانَ مُخْرَجًا مِنْ حِرْزٍ وَاحِدٍ قُطِعَ مُخْرِجُهُ وَلَوْ تَعَدَّدَ مَالِكُهُ، وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْ حِرْزَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا قَطْعَ فِيهِ وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَالِكُ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ آخِذَ النِّصَابِ مِنْ مَجْمُوعِ غَرَائِرَ بِسَوْقٍ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ غِرَارَةٍ حِرْزٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِيهَا وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْإِمَامُ مَالِكٌ وَخَالَفَهُ الْفُقَهَاءُ ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْهِ وَأَوَّلُ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ رَبِيعَةُ اهـ مِنْ ح.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ دُخُولُ السَّارِقِ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ النِّصَابِ خَارِجَ الْحِرْزِ فَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَتَلِفَ بِنَارٍ أَوْ أَتْلَفَهُ حَيَوَانٌ أَوْ كَانَ زُجَاجًا فَانْكَسَرَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ.
(قَوْلُهُ: وَفَسَّرَهُ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِأَنْ لَا يُعَدَّ إلَخْ لِلتَّصْوِيرِ أَيْ مُصَوَّرٌ بِمَا لَا يُعَدُّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ هُوَ) أَيْ السَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ وَأَبْرَزَ الضَّمِيرَ لِجَرَيَانِ هَذِهِ الْحَالِ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ مُخْرَجٍ مِنْ أَوْصَافِ الْمَسْرُوقِ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ، حَالٌ مِنْ ضَمِيرِهِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ مِنْ أَوْصَافِ السَّارِقِ وَقَدْ جَرَتْ عَلَى الْمَسْرُوقِ فَلِذَلِكَ أَبْرَزَ الضَّمِيرَ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ اللَّبْسِ عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ.
(قَوْلُهُ: فَالْمَدَارُ) أَيْ فِي الْقَطْعِ عَلَى إخْرَاجِ النِّصَابِ مِنْ الْحِرْزِ حَتَّى أَنَّ السَّارِقَ لَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ مِنْ الْحِرْزِ ثُمَّ عَادَ بِهِ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كَمَا فِي الْبَدْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ التَّبْصِرَةِ أَنَّ رَبَّ الدَّارِ إذَا قَتَلَ السَّارِقَ وَهُوَ يُخَلِّصُ مَتَاعَهُ مِنْهُ فَهَدَرٌ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ، فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ الْبَيْتِ وَبُعْدِهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ لَهُ مِنْ رَبِّ الدَّارِ (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ كَدِينَارٍ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤَدَّبُ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الضَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَكَلَ إلَخْ) أَيْ فَلَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ الْكَائِنَ مِنْ الطَّعَامِ مِنْ الْحِرْزِ وَأَكَلَهُ أَوْ حَرَقَهُ خَارِجَهُ قُطِعَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّهَنَ فِي الْحِرْزِ) أَيْ أَوْ دَهَنَهُ غَيْرُهُ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ.
(قَوْلُهُ إذَا سَلَتَ) مِثْلُ السُّلْتِ الْغُسْلُ فَيَطْفُو مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ فَإِذَا ادَّهَنَ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ بَعْدَ غَسْلِهِ خَارِجَ الْحِرْزِ مَا قِيمَتُهُ نِصَابٌ قُطِعَ. (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ) أَيْ السَّارِقُ خَارِجَ الْحِرْزِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ أَشَارَ إلَى شَاةٍ) أَيْ وَاقِفَةٍ فِي الْحِرْزِ. (قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ فَالْمُرَادُ الدَّابَّةُ مُطْلَقًا وَفِي ابْنِ مَرْزُوقٍ أَنَّ إخْرَاجَ الْبَازِ بِغَيْرِ عَلَفٍ كَإِخْرَاجِ الشَّاةِ بِهِ اهـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ إخْرَاجَ الدَّابَّةِ بِغَيْرِ الْعَلَفِ كَإِخْرَاجِهَا بِهِ كَنِدَاءِ بَعْضِ الْبَقَرِ بِاسْمِهِ فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَوْ أَشَارَ لِحَيَوَانٍ فَخَرَجَ لَكَانَ أَحْسَنَ.
(قَوْلُهُ: فَأَخَذَهَا) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا فَلَا يُقْطَعُ فَأَخَذَهَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فِي الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ كَالْإِخْرَاجِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ نَقْلًا عَنْ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُخَرَّجٌ مِنْ حِرْزٍ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ هُوَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ التَّعْوِيلُ فِي الْقَطْعِ عَلَى خُرُوجِ النِّصَابِ مِنْ الْحِرْزِ أَخَذَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِاللَّحْدِ غِشَاءُ الْقَبْرِ إلَخْ) بِهَذَا الْمُرَادِ يَنْدَفِعُ مَا فِي الْمَوَّاقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبَحْثِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ اللَّحْدِ أَيْ أَوْ سَرَقَ مَا فِي اللَّحْدِ وَاَلَّذِي فِيهِ هُوَ الْكَفَنُ؛ لِأَنَّ اللَّحْدَ هُوَ الْقَبْرُ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مَا هُنَا مُكَرَّرًا مَعَ مَا يَأْتِي، لَكِنْ بَحَثَ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّهُ يُتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ تَسْمِيَةِ غِشَاءِ الْقَبْرِ لَحْدًا وَأَشَارَ الشَّارِحُ لِجَوَابِهِ بِقَوْلِهِ سَمَّاهُ لَحْدًا مَجَازًا إلَخْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَجَازَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَمَاعُ الشَّخْصِ بَلْ يَكْفِي فِيهِ سَمَاعُ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ وَنَصَّ ابْنُ مَرْزُوقٍ هَكَذَا رَأَيْت هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِيمَا رَأَيْت مِنْ النُّسَخِ وَلَا أَتَحَقَّقُ مَعْنَاهَا؛ لِأَنَّ اللَّحْدَ بِفَتْحِ اللَّامِ ضِدُّ الشَّقِّ، فَإِنْ أَرَادَ حَقِيقَتَهُ وَأَنَّهُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَانَ مُكَرَّرًا مَعَ مَا يَأْتِي، وَإِنْ أَرَادَ اللَّبِنَ الَّتِي تُنْصَبُ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَصِحُّ لَكِنْ يُتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ لُغَةً وَعَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَمَا رَأَيْت فِي ذَلِكَ نَصًّا، إلَّا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ النَّوَادِرِ الْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا فِيهِ كَالْبَيْتِ اهـ أَيْ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهِ اللَّبِنُ الَّتِي تُنْصَبُ