قَدْ يَكُونُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ قَوْلَ أَشْهَبَ فَالْمُصَنِّفُ إمَّا مَاشٍ عَلَى مَا لِأَشْهَبَ وَإِمَّا عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَيُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَوَابُهُ أَيْ الْجَوَابُ الصَّرِيحُ وَلَا يُقَالُ هَذَا لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الشَّيْءُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْفَرْدِ الْكَامِلِ وَالْجَوَابُ الْكَامِلُ فِي الطَّلَاقِ هُوَ الصَّرِيحُ (إلَّا) الْعِتْقَ (لِأَجَلٍ) فَلَا يُسَاوِي الطَّلَاقَ لِصِحَّةِ الْعِتْقِ لِأَجَلٍ يَبْلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا فَلَا يُنَجَّزُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَيُنَجَّزَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهِ (وَ) إلَّا إذَا قَالَ لِأَمَتَيْهِ (إحْدَاكُمَا) حُرَّةٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ (فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) فِي عِتْقِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَإِمْسَاكِ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَيُطَلَّقَانِ مَعًا عَلَيْهِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ أَوْ نَسِيَهَا (وَ) إلَّا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ (إنْ) أَوْ إذَا أَوْ مَتَى (حَمَلْتِ) مِنِّي (فَأَنْت حُرَّةٌ) (فَلَهُ وَطْؤُهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً) حَتَّى تَحْمِلَ، فَإِنْ حَمَلَتْ عَتَقَتْ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ حَمَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَلَهُ وَطْؤُهَا مَرَّةً، فَإِنْ وَطِئَهَا وَلَوْ قَبْلَ يَمِينِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ حَنِثَ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ وَلَوْ عَزَلَ
(وَإِنْ) (جَعَلَ) الْمَالِكُ (عِتْقَهُ) أَيْ عِتْقَ عَبْدِهِ (لِاثْنَيْنِ) ، فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ لَهُمَا (لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا) بِعِتْقِهِ فَلَوْ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ عِتْقٌ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ مَعًا وَكَذَا الطَّلَاقُ وَمَعْنَى التَّفْوِيضِ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا: أَعْتِقَا عَبْدِي أَوْ جَعَلْت لَكُمَا عِتْقَهُ أَوْ إنْ شِئْتُمَا فَأَعْتِقَاهُ أَوْ فَوَّضْت لَكُمَا أَمْرَ عِتْقِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُفِيدُ عَدَمَ اسْتِقْلَالِ أَحَدِهِمَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ بِأَنْ خَاطَبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ، فَإِنْ خَاطَبَ كُلًّا بِمَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ بِأَنْ قَالَ لِكُلٍّ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ: أَعْتِقْ عَبْدِي أَوْ جَعَلْت لَك عِتْقَهُ إذَا وَصَلْت إلَيْهِ أَوْ اذْهَبْ فَأَعْتِقْهُ فَلِكُلٍّ الِاسْتِقْلَالُ وَهُوَ مَعْنَى الْإِرْسَالِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ) كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ لَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِتْقَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِعِتْقِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَنْ أَمَرَ رَجُلَيْنِ بِعِتْقِ عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ لَهُمَا لَمْ يَعْتِقْ الْعَبْدُ حَتَّى يَجْتَمِعَا، وَإِنْ جَعَلَهُمَا رَسُولَيْنِ عَتَقَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ انْتَهَى. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَمَرَ جَعَلَ بِدَلِيلِ التَّفْصِيلِ بَعْدَهُ فَلِذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِجَعْلِ
(وَإِنْ) (قَالَ) لِأَمَتَيْهِ (إنْ دَخَلْتُمَا) الدَّارَ مَثَلًا فَأَنْتُمَا حُرَّتَانِ (فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ) مِنْهُمَا فَقَطْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا) أَيْ
ــ
[حاشية الدسوقي]
أَيْ يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ اخْتَرْت نَفْسِي، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعِتْقَ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاخْتِيَارِهِ لِنَفْسِهِ إلَّا إرَادَةَ الْعِتْقِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ قَدْ يَكُونُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ كَالْبَيْعِ) أَيْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ اخْتَرْت نَفْسِي بِمَعْنَى اخْتَرْت مُفَارَقَتَك بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ (قَوْلُهُ: الْجَوَابُ الصَّرِيحُ) أَيْ كَقَوْلِهِ أَعْتَقْت نَفْسِي أَوْ قَبِلْت عِتْقِي (قَوْلُهُ: حَتَّى يَأْتِيَ الْأَجَلُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ وَمِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ بِذَلِكَ لِأَجْلِ (قَوْلُهُ: فَيُنَجَّزُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهِ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَنْجِيزِهِ يُشْبِهُ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَهُوَ النِّكَاحُ لِأَجَلٍ (قَوْلُهُ: وَلَا نِيَّةَ لَهُ) أَيْ بِعِتْقِ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا (قَوْلُهُ: فَلَهُ الِاخْتِيَارُ) أَيْ فِي عِتْقِ وَاحِدَةٍ وَإِمْسَاكِ الْأُخْرَى، فَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ عَتَقَتْ الثَّانِيَةُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الِاخْتِيَارِ سُجِنَ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الِاخْتِيَارِ أَعْتَقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ أَدْنَاهُمَا (قَوْلُهُ: فَإِذَا قَالَ) أَيْ لِزَوْجَتَيْهِ (قَوْلُهُ: فَيُطَلَّقَانِ مَعًا عَلَيْهِ) أَيْ الْآنَ وَلَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ وَاحِدَةٍ وَخَيَّرَهُ الْمَدَنِيُّونَ كَالْعِتْقِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمِصْرِيِّينَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ أَنَّ الطَّلَاقَ فَرْعُ النِّكَاحِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِ رَجُلٍ بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْعِتْقُ فَرْعُ الْمِلْكِ وَهُوَ يَجُوزُ فِيهِ الِاخْتِيَارُ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَمَةً بِمِائَةٍ عَلَى أَنْ يَخْتَارَهَا مِنْ إمَاءٍ (قَوْلُهُ: أَوْ نَسِيَهَا) أَيْ فَإِذَا نَوَى وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً وَنَسِيَهَا، فَإِنَّهُمَا يُطَلَّقَانِ مَعًا حَالًا وَكَذَلِكَ يَعْتِقَانِ فَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمِصْرِيِّينَ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ حَمَلَتْ إلَخْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ حَامِلٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا وَهِيَ حَامِلٌ إنْ حَمَلْتِ فَأَنْت حُرَّةٌ لَمْ تَعْتِقْ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ، وَأَمَّا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْحَامِلِ إنْ حَمَلْت فَأَنْت طَالِقٌ فَفِي بَهْرَامَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُنَجَّزُ طَلَاقُهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الطَّلَاقَ كَالْعِتْقِ أَيْ فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِحَمْلٍ مُسْتَأْنَفٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ حَمَلْت فَأَنْت طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا مَرَّةً إذَا كَانَ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ وَطْءٌ لَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ وَمَتَى وَطِئَهَا نُجِّزَ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا كَمَا أَنَّهُ يُنَجَّزُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ وَطِئَهَا قَبْلَ يَمِينِهِ فِي الطُّهْرِ الَّذِي حَلَفَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَلَا يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا (قَوْلُهُ: فَلَهُ) أَيْ فَيَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا مَرَّةً خِلَافًا لِمَا فِي عبق مِنْ حُرْمَةِ وَطْئِهَا (قَوْلُهُ: حَنِثَ وَتَطْلُقُ عَلَيْهِ) أَيْ يُنَجَّزُ طَلَاقُهَا عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ حَمْلِهَا وَلَا يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى عِصْمَةٍ مَشْكُوكٍ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَزَلَ) أَيْ خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الطَّلَاقِ مَعَ الْعَزْلِ
(قَوْلُهُ: بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعِتْقِ سَوَاءٌ كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ أَوْ فِي غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْهَبَا إلَيْهِ فِي مَكَانِهِ وَيُبْلِغَاهُ أَنَّهُمَا أَعْتَقَاهُ (قَوْلُهُ:) وَكَذَا الطَّلَاقُ أَيْ إذَا جَعَلَهُ الزَّوْجُ لِاثْنَيْنِ تَفْوِيضًا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَلَا يَقَعُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا مَعًا عَلَيْهِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مِثْلُ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا فَلَوْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلِ الْمُوَافَقَةِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: بِأَنْ خَاطَبَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ) كَمَا لَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَى انْفِرَادِهِ جَعَلْتُ لَك وَلِفُلَانٍ عِتْقَ عَبْدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute