للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْعَاجِزِ وَالْخَائِفِ عَدَمُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَكَّةَ فَمَنْ بِغَيْرِهَا أَوْلَى وَيَأْتِي هُنَا فَالْآيِسُ أَوَّلَهُ وَالرَّاجِي آخِرَهُ وَالْمُتَرَدِّدُ وَسَطَهُ (وَإِلَّا) يَكُنْ بِمَكَّةَ بَلْ بِغَيْرِهَا أَيْ وَبِغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَجَامِعِ عَمْرٍو بِالْفُسْطَاطِ (فَالْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ (جِهَتُهَا) أَيْ اسْتِقْبَالُ جِهَتِهَا أَيْ الْجِهَةُ الَّتِي هِيَ فِيهَا لَا سَمْتُهَا خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ وَالْمُرَادُ بِسَمْتِ عَيْنِهَا عِنْدَهُ أَنْ يَقْدِرَ الْمُصَلِّي الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ لَهَا إذْ الْجِسْمُ الصَّغِيرُ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ اتَّسَعَتْ جِهَتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ فَإِذَا تَخَيَّلْنَا الْكَعْبَةَ مَرْكَزًا خَرَجَ مِنْهُ خُطُوطٌ مُجْتَمِعَةُ الْأَطْرَافِ فِيهِ فَكُلَّمَا بَعُدَتْ اتَّسَعَتْ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ بَلْ جَمِيعُ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَفَرُّقِهَا تَقْدِرُ ذَلِكَ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ لَوْ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَعَلَى مُقَابِلِهِ يُعِيدُ أَبَدًا (اجْتِهَادًا) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ وَأَمَّا بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِجَامِعِ عَمْرٍو فَيَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ مِحْرَابِهِمَا وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُمَا وَلَوْ يَسِيرًا بَطَلَتْ (كَأَنْ نُقِضَتْ) الْكَعْبَةُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَلَمْ تُعْرَفْ الْبُقْعَةُ حَمَاهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

لِذَاتِ الْبَيْتِ بِالْفِعْلِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْتَصُّ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ (قَوْلُهُ: فَالْآيِسُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ جَزَمَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَ إتْيَانِ مَنْ يُحَوِّلُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِي إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْ ظَنَّ إتْيَانَ مَنْ يُحَوِّلُهُ لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ (قَوْلُهُ: وَالْمُتَرَدِّدُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مِنْ شَكَّ هَلْ يَأْتِيهِ أَحَدٌ يُحَوِّلُهُ لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ جِهَتُهَا) أَيْ إنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جِهَتِهَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا الِاسْتِظْهَارَ لِابْنِ رُشْدٍ وَلَمْ أَجِدْهُ لَهُ لَا فِي الْبَيَانِ وَلَا فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنَّمَا وَجَدْته لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَأَجَابَ تت بِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَفَهِمَ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ وَفِي خش أَنَّ الِاسْتِظْهَارَ وَقَعَ لِابْنِ رُشْدٍ فِي قَوَاعِدِهِ الْكُبْرَى فَانْظُرْهُ اهـ بْن (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِابْنِ الْقَصَّارِ) أَيْ الْقَائِلِ إنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ سَمْتِهَا (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِسَمْتِ عَيْنِهَا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمُرَادُ بِاسْتِقْبَالِ سَمْتِهَا أَيْ عَيْنِهَا عِنْدَهُ أَنْ يَقْدِرَ إلَخْ أَيْ لِأَنَّ سَمْتَهَا هُوَ عَيْنُهَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِضَافَةِ وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ عَلَى ابْنُ الْقَصَّارِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ مَكَّةَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مُقَابَلَةَ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَأَيْضًا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ فَإِنَّ الْكَعْبَةَ طُولُهَا مِنْ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهَا عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَالْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ابْنَ الْقَصَّارِ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ السَّمْتِ لَيْسَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ السَّمْتُ الْحَقِيقِيُّ كَالِاجْتِهَادِ لِمَنْ بِمَكَّةَ بَلْ مُرَادُهُ السَّمْتُ التَّقْدِيرِيُّ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: أَنْ يَقْدِرَ الْمُصَلِّي الْمُقَابَلَةَ وَالْمُحَاذَاةَ لَهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ وَإِنْ كَثُرُوا فَكُلُّهُمْ يُحَاذِي بِنَاءَ الْكَعْبَةِ فِي الْوَاقِعِ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّفِّ الطَّوِيلِ يُقَدَّرُ أَنَّهُ مُسَامِتٌ وَمُقَابِلٌ لِلْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسَامِتًا لَهَا فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُسَامِتِينَ لَهَا وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي اعْتِقَادُ أَنَّ الْقِبْلَةَ فِي الْجِهَةِ الَّتِي أَمَامَهُ وَلَوْ لَمْ يُقَدَّرْ أَنَّهُ مُسَامِتٌ وَمُقَابِلٌ لَهَا (قَوْلُهُ: إذْ الْجِسْمُ الصَّغِيرُ إلَخْ) الْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْكَلَامِ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يَلْزَمُ إلَخْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مُفَادَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْجِسْمَ الصَّغِيرَ إذَا بَعُدَ تَحْصُلُ لَهُ مُسَامَتَةُ الْجُمْلَةِ الْكُبْرَى وَحِينَئِذٍ فَالْوَاجِبُ إنَّمَا هُوَ مُسَامَتُهُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ مُسَامَتَةً حَقِيقِيَّةً وَلَا يَكْفِي تَقْدِيرُ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُحَاذَاةِ فَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ تُنْتِجُ خِلَافَ الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ: كَغَرَضِ الرُّمَاةِ) أَيْ وَهُوَ مَا يَرْمُونَهُ بِالسِّهَامِ (قَوْلُهُ: مُجْتَمِعَةَ الْأَطْرَافِ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْمَرْكَزِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ (قَوْلُهُ: فَكُلَّمَا بَعُدَتْ) أَيْ الْخُطُوطُ عَنْ الْمَرْكَزِ وَقَوْلُهُ: اتَّسَعَتْ أَيْ الْجِهَةُ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْوَاجِبُ اسْتِقْبَالُ جِهَتِهَا بِالِاجْتِهَادِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى مُقَابِلِهِ أَيْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ الْوَاجِبُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا بِالِاجْتِهَادِ قَالَ بْن الْحَقِّ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ لَا ثَمَرَةَ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَازِرِيُّ وَأَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَإِنَّمَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ غَيْرُ صَوَابٍ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ قِبْلَةُ اجْتِهَادٍ وَالْأَبَدِيَّةُ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ فِي الْخَطَأِ فِي قِبْلَةِ الْقَطْعِ وَكَأَنَّ عبق التَّابِعَ لَهُ الشَّارِحُ أَخَذَ ذَلِكَ مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ عَنْ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَلَوْ انْحَرَفَ عَنْهُمَا وَلَوْ يَسِيرًا بَطَلَتْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>