لُزُومًا (مِنْ الْمَفَاهِيمِ) جَمْعُ مَفْهُومٍ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ (مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) أَيْ أَنَّهُ يُنَزِّلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ إلَّا لِنُكْتَةٍ كَمَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْمَفَاهِيمِ فَلَا يُعْتَبَرُ لُزُومًا بَلْ تَارَةً وَتَارَةً، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ لُزُومًا لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمَنْطُوقِ وَكَثْرَتِهِ فِي كَلَامِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ لَفَاتَهُ الِاخْتِصَارُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ قِسْمَانِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ مَا وَافَقَ الْمَنْطُوقَ فِي حُكْمِهِ كَضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] وَكَإِحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠]
فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الضَّرْبِ وَالْإِحْرَاقِ مُوَافِقٌ لِلتَّأْفِيفِ وَالْأَكْلِ فِي الْحُرْمَةِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ مَفْهُومٌ بِالْأُولَى وَالثَّانِي بِالْمُسَاوَاةِ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ مَا خَالَفَ الْمَنْطُوقَ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يُعَبَّرُ بِخِلَافَ الثَّانِيَةُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ. الثَّالِثَةُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقْوَالِ وَفِي الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يَقْتَصِرُ عَلَى الرَّاجِحِ وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَرْجَحِ. الرَّابِعَةُ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى تَرْجِيحٍ لِقَوْلِ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا وَفِي هَذِهِ يُعَبَّرُ بِقَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالٍ (قَوْلُهُ: لُزُومًا) أَيْ دَائِمًا وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِخِلَافِ غَيْرِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ الْمَفَاهِيمِ فَتَارَةً يَعْتَبِرُهُ وَيُنَزِّلُهُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَتَارَةً لَا يَعْتَبِرُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَفَاهِيمِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ مَفْعُولُ اعْتَبَرَ أَوْ أَنَّ الظَّرْفَ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَبَرَ (قَوْلُهُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ) أَيْ مَعْنَى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ: لَا فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) فِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَإِضَافَةُ مَحَلٍّ لِلنُّطْقِ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْقِ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ مَعْنَى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرَ مَظْرُوفٍ فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بَلْ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ.
وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الْمَفْهُومَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَذَلِكَ كَضَرْبِ الْأَبَوَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ وَهُوَ لَا تَضْرِبْهُمَا (قَوْلُهُ: مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَفَاهِيمِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي الشَّرْحِ، وَأَمَّا الْمَفَاهِيمُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ فِيمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَهِيَ مَفْهُومُ الْحَصْرِ وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهَا مِنْ بَابٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ قَدْ قِيلَ فِيهَا أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ وَقَوْلُهُ: يُنَزِّلُهُ أَيْ مَفْهُومَ الشَّرْطِ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ وَهَذَا بَيَانٌ لِمَعْنَى اعْتِبَارِهِ لِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اعْتِبَارِهِ لَهُ أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ شَرْطًا فَلَا يَذْكُرُ مَفْهُومُهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَيَصِيرُ ذِكْرُهُ كَالتَّكْرَارِ
(قَوْلُهُ: مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى مَعْنًى وَفِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَإِضَافَةُ مَحَلٍّ لِلنُّطْقِ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالنُّطْقِ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَظْرُوفًا فِي مَحَلٍّ هُوَ الْمَنْطُوقُ بِهِ أَيْ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَظْرُوفًا فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَظْرُوفًا فِي اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ وَمُتَحَقِّقًا فِيهِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ وَذَلِكَ كَالتَّأْفِيفِ فَإِنَّهُ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمَنْطُوقُ بِهِ وَمَظْرُوفٌ فِيهِ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ، وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَنْطُوقُ عَلَى حُرْمَتِهِ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّصْرِيحِ بِهِ) أَيْ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ أَنَّهُ يُنَزِّلُهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: لِنُكْتَةٍ أَيْ كَالْمُبَالَغَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْعِلَّةِ وَهِيَ الْإِيذَاءُ وَالْإِتْلَافُ لِمَالِ الْيَتِيمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ الْإِيذَاءُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الضَّرْبِ فَيَكُونُ مِثْلَ التَّأْفِيفِ فِي الْحُرْمَةِ بِجَامِعِ الْإِيذَاءِ وَالْعِلَّةُ فِي حُرْمَةِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ إتْلَافُهُ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَرْقِهِ فَيَكُونُ حَرْقُهُ حَرَامًا قِيَاسًا عَلَى أَكْلِهِ بِجَامِعِ الْإِتْلَافِ فِي كُلٍّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ ضَرْبُ الْأَبَوَيْنِ (قَوْلُهُ: مَفْهُومٌ بِالْأَوْلَى) أَيْ مَفْهُومٌ حُكْمُهُ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَنْطُوقِ وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَيْ إحْرَاقُ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَوْلُهُ: بِالْمُسَاوَاةِ أَيْ مَفْهُومُ حُكْمِهِ بِالْمُسَاوَاةِ لِلْمَنْطُوقِ وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute