عَلَى حَدِّ {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] (خَافَتَا) بِالصَّوْمِ (عَلَى وَلَدَيْهِمَا) فَيَجُوزُ فِطْرُهُمَا إنْ خَافَتَا عَلَيْهِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ وَيَجِبُ إنْ خَافَتَا هَلَاكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَأَمَّا خَوْفُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُوَ دَاخِلٌ عُمُومَ قَوْلِهِ وَبِمَرَضٍ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ مَرَضٌ وَالرَّضَاعُ فِي حُكْمِهِ وَلِذَا كَانَتْ الْحَامِلُ لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْمُرْضِعِ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الِاسْتِئْجَارُ وَجَبَ صَوْمُهَا (وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ) إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نَفَقَتِهِ حَيْثُ سَقَطَ رَضَاعُهُ عَنْ أُمِّهِ بِلُزُومِ الصَّوْمِ لَهَا وَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَوُجِدَ مَالُ الْأَبَوَيْنِ (هَلْ) تَكُونُ فِي (مَالِ الْأَبِ) وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ (أَوْ) فِي (مَالِهَا تَأْوِيلَانِ) مَحَلُّهُمَا حَيْثُ يَجِبُ الرَّضَاعُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَفِي مَالِ الْأَبِ اتِّفَاقًا
(وَ) وَجَبَ (الْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ) فَمَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَكَانَ ثَلَاثِينَ وَقَضَاهُ بِالْهِلَالِ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ صَامَ يَوْمًا آخَرَ (بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ) فَلَا يَقْضِي فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ شَامِلًا لِرَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ (غَيْرَ رَمَضَانَ) فَلَا يَقْضِي مُسَافِرٌ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ الْمَاضِي فِيهِ إذْ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
وَحَاصِلُ الْوُجُوبِ أَنَّ أَوْ إذَا وَقَعَتْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَانَتْ لِنَفْيِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ وَالْأَحَدُ الدَّائِرُ لَا يَتَحَقَّقُ نَفْيُهُ إلَّا بِنَفْيِ الْجَمِيعِ.
(قَوْلُهُ عَلَى حَدٍّ) أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ أَيْ فَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ وَلَا تُطِعْ إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ بَعْدَ النَّفْيِ كَمَا فِي الْمُصَنِّفُ أَوْ بَعْدَ النَّهْيِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ الْأَحَدِ الدَّائِرِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ (قَوْلُهُ خَافَتَا عَلَى وَلِيدَيْهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ الْمُجَوِّزِ لِلْفِطْرِ وَالْمُوجِبِ لَهُ وَمَفْهُومُ خَافَتَا إلَخْ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُمَا الْفِطْرُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ لَكِنَّ اللَّخْمِيَّ قَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ لَهُمَا وَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاسْتَظْهَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَعَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِسَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهُ لِلْمُرْضِعِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ لَا يَجُوزُ لَهَا فِيهِ الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ، وَهُوَ مَا إذَا قَدَرَتْ عَلَى الصَّوْمِ وَلَمْ يُجْهِدْهَا الْإِرْضَاعُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِوَلَدِهَا ضَرَرٌ بِسَبَبِهِ وَحَالٌ يَجُوزُ لَهَا فِيهَا الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ، وَهِيَ مَا إذَا جَهَدَهَا الْإِرْضَاعُ وَلَمْ تَخَفْ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ خَافَتْ عَلَيْهِ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ زِيَادَةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِرْضَاعُ وَحَالٌ يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهَا الْفِطْرُ وَالْإِطْعَامُ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِرْضَاعُ وَخَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا شِدَّةَ الْأَذَى اُنْظُرْ بْن (قَوْلُهُ وَلِذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ الْحَمْلِ مَرَضًا حَقِيقَةً وَالرَّضَاعِ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ وَلَيْسَ مَرَضًا حَقِيقَةً.
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهَا الِاسْتِئْجَارُ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَفْهُومِ قَوْلِهِ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ أَوْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ) أَيْ أُجْرَةُ إرْضَاعِهِ إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى إرْضَاعِهِ وَخَافَتْ عَلَيْهِ وَأَجَرَتْ لَهُ مُرْضِعَةً تُرْضِعُهُ وَهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَمْ يُمْكِنْهَا اسْتِئْجَارٌ أَيْ فَإِنْ أَمْكَنَهَا ذَلِكَ وَجَبَ الصَّوْمُ وَاسْتَأْجَرَتْ وَالْأُجْرَةُ فِي مَالِ الْوَلَدِ إلَخْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ إرْضَاعَهُ (قَوْلُهُ تَأْوِيلَانِ) الْأَوَّلُ لِلَّخْمِيِّ وَالثَّانِي لِسَنَدٍ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُعَبِّرَ بِتَرَدُّدٍ أَوْ بِقَوْلَيْنِ إذْ لَيْسَ هَذَا خِلَافًا فِي فَهْمِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ شَيْخُنَا وَالرَّاجِحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَإِنَّ عَدِمَ مَالَ الْأَبِ فَمِنْ مَالِ الْأُمِّ (قَوْلُهُ حَيْثُ يَجِبُ الرَّضَاعُ عَلَيْهَا) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ غَيْرَ عَلِيَّةِ الْقَدْرِ وَكَانَتْ غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا اتِّفَاقًا وَكَانَتْ فِي مَالِ الْأَبِ
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلٍ وَجَبَ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ وَوَجَبَ إنْ خَافَ هَلَاكًا إلَخْ وَالشَّرْطُ فِي الْعَطْفِ عَلَى ضَمِيرِ الرَّفْعِ الْمُسْتَتِرِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْفَصْلُ (قَوْلُهُ بِالْعَدَدِ) أَيْ سَوَاءٌ صَامَ الْقَضَاءَ بِالْهِلَالِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ الْقَضَاءُ بِالْعَدَدِ إنْ صَامَ بِالْعَدَدِ وَلَمْ يَصُمْ بِالْهِلَالِ، وَإِنْ صَامَ بِالْهِلَالِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ سَوَاءً وَافَقَتْ عِدَّةُ أَيَّامِهِ عِدَّةَ رَمَضَانَ أَوْ نَقَصَ عَدَدُ الْقَضَاءِ عَنْهُ (قَوْلُهُ أُبِيحَ صَوْمُهُ) أَيْ بِزَمَنٍ أُبِيحَ الصَّوْمُ فِيهِ فَخَرَجَ الزَّمَانُ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّوْمُ كَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَتَالِيَيْ يَوْمِ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهَا قَضَاءً وَخَرَجَ أَيْضًا الزَّمَانُ الَّذِي يُكْرَهُ صَوْمُهُ كَرَابِعِ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ قَضَاءً وَخَرَجَ أَيْضًا الزَّمَانُ الَّذِي وَجَبَ صَوْمُهُ كَرَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَاضِرِ وَكَذَلِكَ الْأَيَّامُ الْمَعْنِيَّةُ الَّتِي نَذَرَ صَوْمُهَا فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهَا قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ الْمَاضِي وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ شَامِلًا لِرَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسَافِرِ أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا لَأَغْنَاهُ عَنْ قَوْلِهِ غَيْرَ رَمَضَانَ وَلَا يُنْتَقَضُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِزَمَنٍ أُبِيحَ صَوْمُهُ بِيَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّ صَوْمَهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ مَعَ أَنَّهُ يُصَامُ قَضَاءً كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ صَوْمُهُ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مُبَاحٌ وَالْحُرْمَةُ أَوْ الْكَرَاهَةُ إنَّمَا عَرَضَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ قَصْدُ الِاحْتِيَاطِ اهـ خش (قَوْلُهُ وَلَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ) أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْقَضَاءِ فِي ثَانِي الْعِيدِ وَثَالِثِهِ فَبِاتِّفَاقٍ لِلنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِمَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ، وَأَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ الْقَضَاءِ فِي رَابِعِ الْعِيدِ، وَهُوَ ثَالِثُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَى الْمَشْهُورِ لِكَرَاهَةِ صَوْمِهِ تَطَوُّعًا وَعَدَمِ إبَاحَتِهِ (قَوْلُهُ فَلَا يَقْضِي إلَخْ) أَيْ فَلَوْ قَضَى الْمُسَافِرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ الْمَاضِي فِي هَذَا الْحَاضِرِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْحَاضِرُ إذَا صَامَ رَمَضَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute