وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ (وَلَا دَمَ) عَلَيْهِ (إنْ أَخَّرَهُ) أَيْ التَّحَلُّلَ أَوْ تَحَلَّلَ وَأَخَّرَ الْحَلْقَ لِبَلَدِهِ إذْ الْقَصْدُ بِهِ التَّحَلُّلُ لَا النُّسُكُ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُحْصَرُ مُطْلَقًا لَا خُصُوصَ الْمُحْصَرِ عَنْ عَرَفَةَ وَالْبَيْتِ مَعًا فَقَطْ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ (طَرِيقٌ مَخُوفٌ) عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُونَةِ فَيَلْزَمُهُ سُلُوكُهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ إدْرَاكُ الْحَجِّ، وَلَمْ تَعْظُمْ مَشَقَّتُهَا (وَكُرِهَ) لِمَنْ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَهُوَ الَّذِي تَمَكَّنَ مِنْ الْبَيْتِ، وَفَاتَهُ الْوُقُوفُ بِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ (إبْقَاءُ إحْرَامِهِ) بِالْحَجِّ لِقَابِلٍ مِنْ غَيْرِ تَحَلُّلٍ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا) فَالْوَجْهُ أَنْ يُؤَخِّرَ هَذَا إلَى مَنْ حُصِرَ عَنْ عَرَفَةَ وَأَمَّا مَنْ يَتَحَلَّلُ بِلَا فِعْلِ عُمْرَةٍ، وَهُوَ الْمَحْصُورُ عَنْهُمَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ التَّحَلُّلَ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا أَمْ لَا (وَلَا يَتَحَلَّلُ) بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (إنْ) اسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ مُرْتَكِبًا لِلْمَكْرُوهِ حَتَّى (دَخَلَ وَقْتُهُ) أَيْ الْإِحْرَامِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ لِيَسَارَةِ مَا بَقِيَ (، وَإِلَّا) بِأَنْ خَالَفَ، وَتَحَلَّلَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (يَمْضِي) تَحَلُّلُهُ (، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ) فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ بِتَمَتُّعِهِ، وَأَوَّلُهَا يَمْضِي وَبِئْسَمَا صَنَعَ، وَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، وَهَذَا مِنْ حَجٍّ إلَى حَجٍّ أَيْ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ كَلَا عُمْرَةٍ إذْ شَرْطُهَا الْإِحْرَامُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا وَثَانِيهَا لَا يَمْضِي، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ كَالْإِنْشَاءِ.
(وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُحْصَرِ الَّذِي تَحَلَّلَ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِهِ أَوْ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ (الْفَرْضُ) الْمُتَعَلِّقُ بِذِمَّتِهِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
سَاقَهُ بَعْضُهُمْ تَطَوُّعًا فَأُمِرُوا بِذَبْحِهِ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا يَقُولُ أَشْهَبُ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ) أَيْ فَلَوْ نَحَرَ الْهَدْيَ وَحَلَقَ، وَلَمْ يَنْوِ التَّحَلُّلَ لَمْ يَتَحَلَّلْ كَمَا نَقَلَهُ ح عَلَى الطِّرَازِ (قَوْلُهُ: بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ) أَيْ وَحْدَهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ انْضِمَامُ حَلْقٍ أَوْ هَدْيٍ لَهَا خِلَافًا لِظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحَلْقُ وَالنَّحْرُ سُنَّةٌ، وَلَيْسَا شَرْطًا فَقَصَدَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بَلْ هِيَ كَافِيَةٌ التَّوَرُّكَ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِنَحْرِ هَدْيِهِ وَحَلْقِ رَأْسَهُ لِلْمُصَاحَبَةِ، وَفِي كَلَامِهِ حَذْفٌ، وَالْأَصْلُ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِالنِّيَّةِ مَعَ نَحْرِ هَدْيِهِ أَيْ الْمُصَاحَبَةُ هَدْيُهُ وَحَلْقُ رَأْسِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيُفِيدُ أَنَّ النِّيَّةَ كَافِيَةٌ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْقَصْدُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْحَلْقَ لَمَّا لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا بَلْ تَحَلُّلًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا دَمَ فِي تَأْخِيرِهِ لِرُجُوعِهِ لِبَلَدِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ طَرِيقٌ مَخُوفٌ) أَيْ لَا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ سُلُوكُ طَرِيقٍ يُدْرِكُ مِنْهَا الْحَجَّ حَيْثُ كَانَتْ مَخُوفَةً يَخَافُ السَّالِكُ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الْكَثِيرِ أَوْ الْقَلِيلِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ يَنْكُثُ بَلْ سُلُوكُهَا حَرَامٌ (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِمَنْ يَتَحَلَّلُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ، وَكُرِهَ إبْقَاءُ إحْرَامِهِ إنْ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ دَخَلَهَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ لِخَطَرِ عَدُوٍّ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ بِحَقٍّ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ فِتْنَةٍ، وَكَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْبَيْتِ فَهَؤُلَاءِ يَتَحَلَّلُونَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ، وَيُكْرَهُ لَهُمْ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِحْرَامِ لِقَابِلٍ إنْ قَارَبُوا مَكَّةَ وَدَخَلُوهَا، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، وَلَمْ يُقَارِبُوهَا كَانَ لَهُمْ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ، وَأَمَّا الْمَحْصُورُ عَنْ الْبَيْتِ وَالْوُقُوفِ مَعًا فَالْأَفْضَلُ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالنِّيَّةِ قَارَبَ مَكَّةَ أَوْ لَا دَخَلَهَا أَوْ لَا، وَيُكْرَهُ لَهُ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ مُطْلَقًا، وَوَجْهُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَتَحَلَّلُ إلَّا بِعُمْرَةٍ خُيِّرَ فِي حَالَةِ الْبُعْدِ لِتَعَارُضِ مَشَقَّةِ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَمَشَقَّةِ الْوُصُولِ لِلْبَيْتِ، وَكُرِهَ الْبَقَاءُ مَعَ الْقُرْبِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيْتِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مُقَارَبَةِ النِّسَاءِ وَالصَّيْدِ فَإِحْلَالُهُ أَوْلَى لَهُ وَأَسْلَمُ، وَإِذَا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْعُتْبِيَّةِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَحَلَّلُ) أَيْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَلَّلَ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ حُصِرَ عَنْ الْبَيْتِ وَالْوُقُوفِ مَعًا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالنِّيَّةِ، وَلَهُ الْبَقَاءُ لِقَابِلٍ فَلَوْ اسْتَمَرَّ عَلَى إحْرَامِهِ مُرْتَكِبًا لِلْمَكْرُوهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْإِحْرَامِ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، وَزَالَ الْمَانِعُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْعُمْرَةِ لِيَسَارَةِ مَا بَقِيَ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْبَيْتِ وَبَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُهُ سَوَاءٌ بَعُدَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِفِعْلِ عُمْرَةٍ لِيَسَارَةِ مَا بَقِيَ فَهَذَا أَيْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَتَحَلَّلُ إنْ دَخَلَ وَقْتُهُ يَجْرِي فِيمَنْ يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ، وَفِيمَنْ يَتَحَلَّلُ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: مُتَمَتِّعٌ) تَمَتُّعُهُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْعُمْرَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْإِحْلَالُ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي آلَ إلَيْهَا الْأَمْرُ فِي التَّحَلُّلِ كَإِنْشَاءِ عُمْرَةٍ ابْتِدَاءً بِنِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى الْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ إنْشَاء الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لَغْوٌ فِي قَوْلِهِ وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ، فَلِذَا قِيلَ لَا يَمْضِي تَحَلُّلُهُ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَمَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ كَالِابْتِدَاءِ أَيْ أَنَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي آلَ إلَيْهَا الْأَمْرُ فِي التَّحَلُّلِ، وَهِيَ مُرَادُهُ بِالدَّوَامِ لَيْسَتْ كَإِنْشَاءِ عُمْرَةٍ ابْتِدَاءً بِنِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ عَلَى الْحَجِّ، وَإِلَّا كَانَتْ لَاغِيَةً لِمَا سَبَقَ، وَلَغَا عُمْرَةٌ عَلَيْهِ فَلِذَا قِيلَ إنَّ تَحَلُّلَهُ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ يَمْضِي. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ: فِيهَا ثَلَاثًا إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهَا ثَلَاثًا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ) أَيْ خِلَافًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي مُصْعَبٍ وَابْنِ سَحْنُونٍ قَالُوا؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَقْدُورَهُ وَبَذَلَ وُسْعَهُ، وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِلُزُومِ الْإِسْقَاطِ إذَا حَصَلَ الْحَصْرُ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute