لَكِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ إنْ أَسْقَطَ مِنْ فَلَا يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ خَاصَّةٌ بِالطَّلْعِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا أُسْقِطَ مِنْ وَالْإِشَارَةَ مَعًا نُكِّرَ أَوْ عُرِّفَ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ (لَا) يَحْنَثُ بِالْفَرْعِ إنْ حَلَفَ (لَا آكُلُ الطَّلْعَ) مُعَرَّفًا (أَوْ) لَا آكُلُ (طَلْعًا) مُنَكَّرًا، وَكَذَا مِنْ الطَّلْعِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ، وَأَمَّا حِنْثُهُ بِالْأَصْلِ فِي الْخَمْسِ فَظَاهِرٌ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى خَمْسَ مَسَائِلَ يَحْنَثُ فِيهَا بِمَا تَوَلَّدَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِمِنْ وَالْإِشَارَةِ لَقُرْبِهَا مِنْ أَصْلِهَا قُرْبًا قَوِيًّا إلَّا لِنِيَّةٍ فِيهَا فَقَالَ (إلَّا نَبِيذَ زَبِيبٍ) أَيْ حَلَفَ لَا آكُلُ زَبِيبًا أَوْ الزَّبِيبَ فَيَحْنَثُ بِشُرْبِ نَبِيذِهِ (وَ) إلَّا (مَرَقَةَ لَحْمٍ) فِي حَلِفِهِ لَا أَكَلْت اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا (أَوْ شَحْمَهُ) عَطْفٌ عَلَى مَرَقَةٍ أَيْ حَلِفٍ لَا آكُلُ اللَّحْمَ أَوْ لَحْمًا فَيَحْنَثُ بِشَحْمِهِ، وَأَعَادَ هَذِهِ لِجَمْعِ النَّظَائِرِ (وَ) إلَّا (خُبْزَ قَمْحٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ الْقَمْحَ أَوْ قَمْحًا، وَكَذَا لَا آكُلُ مِنْهُ (وَ) إلَّا (عَصِيرَ عِنَبٍ) فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ الْعِنَبَ أَوْ عِنَبًا، وَهَذِهِ تُفْهَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ النَّبِيذِ (وَ) حَنِثَ (بِمَا أَنْبَتَتْ الْحِنْطَةُ) الْمُعَيَّنَةُ فِي حَلِفِهِ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ (إنْ نَوَى) بِيَمِينِهِ (الْمَنَّ) أَيْ قَطَعَهُ كَأَنْ قَالَ لَهُ لَوْلَا أَنَا أُطْعِمُك لَمُتّ جُوعًا، وَكَذَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا إنْ بِيعَتْ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمِنَّةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَأَمَّا إنْ نَوَى قَطْعَ الْمِنَّةِ مُطْلَقًا فَيَحْنَثُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَصَلَهُ مِنْهُ وَدَلَّتْ بِسَاطُ يَمِينِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا فَأَكَلَهَا أَوْ أَكَلَ مِمَّا نَبَتَ مِنْهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَحْنَثْ (لَا) إنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِهَا (لِرَدَاءَةٍ) فِيهَا فَلَا حِنْثَ بِمَا أَنْبَتَتْ جَيِّدًا، وَلَا بِمَا اشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ أُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِهَا (أَوْ) حَلَفَ عَلَيْهَا (لِسُوءِ صَنْعَةِ طَعَامٍ) فَجَوَّدَ لَهُ فَلَا حِنْثَ.
(وَ) حَنِثَ (بِالْحَمَّامِ) أَيْ بِدُخُولِهِ (فِي) حَلِفِهِ عَلَى تَرْكِ دُخُولِ (الْبَيْتِ) أَوْ لَا دَخَلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِالْحَمَّامِ أَوْ الْخَانِ إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفِ مِصْرٍ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَمَّامِ اسْمَ الْبَيْتِ
(أَوْ) حَلَفَ لَا أَدْخُلُ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي (دَارِ جَارِهِ) ؛ لِأَنَّ لِلْجَارِ عَلَى جَارِهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ فَأَشْبَهَتْ دَارُهُ دَارِهِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْجَارَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ جَارِهِ غَالِبًا فَكَأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عُرْفًا وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا عَدَمُ الْحِنْثِ.
(أَوْ) حَلَفَ لَا أَسْكُنُ بَيْتًا أَوْ لَا أَدْخُلُهُ حَنِثَ بِسُكْنَى أَوْ دُخُولِ (بَيْتِ شَعْرٍ) بَدْوِيًّا كَانَ أَوْ حَضَرِيًّا إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ (كَحَبْسٍ) أَيْ كَمَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ فِي حَبْسٍ (أُكْرِهَ عَلَيْهِ) فِي حَلِفِهِ لَا دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتًا أَوْ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي بَيْتٍ فَحُبِسَ عِنْدَهُ كُرْهًا (بِحَقٍّ) أَيْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ كَالطُّلُوعِ فَلَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ سَابِقًا إنْ لَمْ يُكْرَهُ بِبِرٍّ (لَا) إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ (بِمَسْجِدٍ) عَامٍّ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَطْلُوبًا بِدُخُولِهِ شَرْعًا صَارَ كَأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْحَالِفِ
ــ
[حاشية الدسوقي]
يَحْنَثُ بِكُلِّ فَرْعٍ لِلطَّلْعِ، وَكُلُّ فَرْعٍ لِلَّبَنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاشِئًا عَنْ تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ تِلْكَ الشَّاةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَنْظُورُ لَهُ الْفَرْعِيَّةَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا لِلطَّلْعِ وَاللَّبَنِ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا لِلنَّخْلَةِ وَالشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ فَرْعُ الشَّاةِ وَالنَّخْلَةِ فَرْعًا لِلطَّلْعِ وَاللَّبَنِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الرَّاجِحَ) أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ تَبَعًا؛ لِابْنِ بَشِيرٍ الْقَائِلِ بِالْحِنْثِ فِي الْفَرْعِ، وَقَدْ شَهَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَاعْتَرَضَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ مَنْ ذَكَرَهُ إلَّا ابْنَ بَشِيرٍ (قَوْلُهُ: فِي الْخَمْسِ) أَيْ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مِنْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ حَذَفَ مِنْ أَوْ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَوْ حَذَفَهُمَا مَعًا، وَعَرَّفَ الْأَصْلَ أَوْ نَكَّرَهُ (قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ) أَيْ لِكَوْنِهِ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ مِنْهُ ثُمَّ أَكَلَ.
(قَوْلُهُ: وَأَعَادَ هَذِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَبِالشَّحْمِ فِي اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ لَهُ إلَخْ) أَيْ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ حِنْطَتِهِ هَذِهِ فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَمِمَّا أَنْبَتَتْهُ وَبِالْأَكْلِ مِمَّا اشْتَرَاهُ بِثَمَنِهَا (قَوْلُهُ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمِنَّةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ) أَيْ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَصْدُ بِالْيَمِينِ قَطْعُ الْمِنَّةِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَيْ كَالْمِنَّةِ عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ مِنْ حِنْطَتِهِ (قَوْلُهُ: فَيَحْنَثُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَصَلَهُ مِنْهُ) سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ شَرَابًا أَوْ لِبَاسًا أَوْ شَيْئًا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ مَعَاشِهِ كَدَابَّةٍ لِحَرْثٍ عَلَيْهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا مَنَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَحَلَفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَبِمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَبِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ ثَمَنِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا أَعْطَى لَهُ مِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ نَوَى ذَلِكَ عِنْدَ يَمِينِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا نَوَى عِنْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَوْ نَوَى قَطْعَ مِنَّتِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ مَا وَصَلَ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: لَا يُطْلِقُونَ عَلَى الْحَمَّامِ اسْمَ الْبَيْتِ) أَيْ، وَلَا عَلَى الْحَانُوتِ وَالْخَانِ، وَمَحَلُّ الْقَهْوَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَلَا الْخَانِ، وَلَا الْحَانُوتِ، وَلَا مَحَلِّ الْقَهْوَةِ فِي حَلِفِهِ لَا أَدْخُلُ بَيْتًا، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرَ يُقَالُ لَهُ بَيْتٌ لُغَةً لِتَقَدُّمِ الْمَدْلُولِ الْعُرْفِيِّ عَلَى الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: فِي دَارِ جَارِهِ) أَيْ جَارِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَانَ جَارًا لِلْحَالِفِ أَيْضًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا) أَيْ الْفَرْعِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْآنَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِبَيْتِ جَارِك أَنَّهُ بَيْتُك، وَإِنَّمَا يُقَالُ بَيْتُك لِمَا تَمْلِكُ ذَاتَه أَوْ مَنْفَعَتَهُ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنَاهَا الْعُرْفُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ) الْعُرْفُ الْآنَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْحِنْثِ فِيهِ إذْ لَا يُقَالُ لِلشَّعْرِ فِي الْعُرْفِ الْآنَ أَنَّهُ بَيْتٌ، وَإِنْ كَانَ يُقَالُ لَهُ لُغَةً وَالْمَدْلُولُ الْعُرْفِيُّ يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: إلَّا لِنِيَّةٍ أَوْ بِسَاطٍ) أَيْ كَأَنْ يَسْمَعَ بِقَوْمٍ انْهَدَمَ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنُ فَحَلَفَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا فَلَا يَحْنَثُ بِسُكْنَى بَيْتِ الشَّعْرِ (قَوْلُهُ: فِي حَبْسٍ) أَيْ بِسَبَبِ حَبْسٍ، وَقَوْلُهُ بِحَقٍّ أَيْ وَأَمَّا لَوْ حُبِسَ عِنْدَهُ ظُلْمًا فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: عَامٌّ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ الْمَحْجُورِ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا حِنْثَ) أَيْ عَلَيْهِ