بَعْدَ أَنْ نُكِئَ سَابِقًا، وَقَدْ كَانَ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَالَ بِنَفْسِهِ وَيَسْتَمِرُّ الْعَفْوُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ، فَإِنْ بَرِئَ غَسَلَهُ وَمَحَلُّهُ إنْ دَامَ سَيَلَانُهُ أَوْ لَمْ يَنْضَبِطْ أَوْ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً، فَإِنْ انْضَبَطَ وَفَارَقَ يَوْمًا وَأَتَى آخَرَ فَلَا عَفْوَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدُّمَّلِ الْوَاحِدِ، وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ فَيُعْفَى مُطْلَقًا وَلَوْ عَصَرَهَا أَوْ قَشَّرَهَا لِاضْطِرَارِهِ لِذَلِكَ كَالْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ
(وَنُدِبَ) غَسْلُ جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ إلَّا كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ لِإِفْسَادِهِ (إنْ تَفَاحَشَ) بِأَنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ حَتَّى صَارَ يُسْتَقْبَحُ النَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ يَسْتَحِي أَنْ يَجْلِسَ بِهِ بَيْنَ الْأَقْرَانِ أَيْ وَكَانَ سَبَبُ الْعَفْوِ قَائِمًا، فَإِنْ انْقَطَعَ وَجَبَ الْغَسْلُ (كَ) نَدْبِ غَسْلِ (دَمِ) أَيْ خُرْءِ (الْبَرَاغِيثِ) إنْ تَفَاحَشَ وَأَمَّا دَمُهَا الْحَقِيقِيُّ فَدَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَدُونَ دِرْهَمٍ وَأَمَّا خُرْءُ الْقُمَّلِ وَالْبَقِّ وَنَحْوِهِمَا فَيُنْدَبُ وَلَوْ لَمْ يَتَفَاحَشْ (إلَّا) أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْمُتَفَاحِشِ (فِي صَلَاةٍ) فَلَا يُنْدَبُ الْغَسْلُ بَلْ يَحْرُمُ لِوُجُوبِ التَّمَادِي فِيهَا، فَإِنْ أَرَادَ صَلَاةً أُخْرَى نُدِبَ (وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ بِلَا نِيَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ يَطْهُرُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ (بِغَسْلِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِلَا نِيَّةٍ مُتَعَلِّقًا بِغَسْلِهِ أَيْ يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ بِغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ لِنِيَّةٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ (إنْ عُرِفَ) مَحَلُّهُ
ــ
[حاشية الدسوقي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ اُضْطُرَّ عُفِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدَّمِ الْخَارِجِ وَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ وَأَشَارَ بِهَذَا لِمَا فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ مِنْ أَنَّ الدُّمَّلَ الْوَاحِدَةَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى نَكْئِهَا وَشَقَّ عَلَيْهِ تَرْكُهَا، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَمَّا سَالَ مِنْهَا مُطْلَقًا اهـ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى الْوَاحِدَةِ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهَّمِ فَالْمُتَعَدِّدَةُ أَوْلَى كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ قَالَ فِي المج وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ الِاضْطِرَارِ لِنَكْئِهَا وَضْعَ الدَّوَاءِ عَلَيْهَا فَتَسِيلُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَالَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نَكَاهُ بَعْدَمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمِدَّةِ فَخَرَجَتْ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَيْءٌ سَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَنَّهُ نَكَاهُ قَبْلَ اجْتِمَاعِ شَيْءٍ مِنْ الْمِدَّةِ فِيهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلَّمَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَيْءٌ سَالَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ السَّائِلِ الَّذِي سَالَ بِنَفْسِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ بَرِئَ غَسَلَهُ) أَيْ غَسَلَ مَا كَانَ أَصَابَهُ مِنْهُ قَبْلَ الْبُرْءِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ) أَيْ مَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ أَثَرِ الدُّمَّلِ الَّذِي لَمْ يُنْكَ بَلْ نَصَلَ بِنَفْسِهِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِلَّا فَكَلَامُهُمْ مُطْلَقٌ (قَوْلُهُ: إنْ دَامَ سَيَلَانُهُ) أَيْ وَلَمْ يَنْقَطِعْ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَنْضَبِطْ) أَيْ أَوْ انْقَطَعَ السَّيَلَانُ وَلَكِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ انْقِطَاعُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَأْتِي إلَخْ) أَيْ أَوْ انْضَبَطَ انْقِطَاعُهُ وَلَكِنْ صَارَ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ وَلَوْ مَرَّةً أَمَّا لَوْ انْضَبَطَ وَلَمْ يَنْزِلْ كُلَّ يَوْمٍ فَلَا يُعْفَى إلَّا عَنْ الدِّرْهَمِ فَقَطْ، فَإِنْ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَتَلَهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا يُمْكِنُ فَتْلُهُ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَطَعَ إنْ رَجَا كَفَّهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَغَسَلَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ كَفَّهَا تَمَادَى (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ) أَيْ كَالدُّمَّلَيْنِ فَأَكْثَرَ كَمَا قَرَّرَ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ غَسْلُ جَمِيعِ مَا سَبَقَ إلَخْ) أَيْ لَا خُصُوصَ أَثَرِ الدُّمَّلِ وَالْجُرْحِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ: إنْ تَفَاحَشَ) هَذَا قَيْدٌ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَفَاحَشَ.
وَأَمَّا دُونَ الدِّرْهَمِ مِنْ الدَّمِ فَيُنْدَبُ غَسْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَفَاحَشْ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا فِي الْحَاشِيَةِ قَالَ فِي المج وَعَلَيْهِ يُقَالُ: إنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَقْيِيدِ غَيْرِهِ بِالتَّفَاحُشِ، فَإِنَّ الْعَفْوَ تَخْفِيفٌ فَقَطْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَحِي إلَخْ) هَذَا يَرْجِعُ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَكَانَ سَبَبُ الْعَفْوِ) أَيْ وَهُوَ مَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ وَقَوْلُهُ قَائِمًا أَيْ مَوْجُودًا (قَوْلُهُ: خُرْءِ بَرَاغِيثَ) أَيْ مِنْ ثَوْبٍ تَفَاحَشَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي زَمَنِ هَيَجَانِهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا) أَيْ كَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ (قَوْلُهُ: فَيُنْدَبُ) أَيْ غَسْلُهُ مِنْ الثَّوْبِ وَلَوْ لَمْ يَتَفَاحَشْ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ سَالِمٌ السَّنْهُورِيُّ؛ لِأَنَّ خُرْأَهَا نَادِرٌ فَلَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ، فَإِنَّهُ يَكْثُرُ خُرْؤُهُ عَادَةً، فَلَوْ حَكَمْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا حَصَلَتْ الْمَشَقَّةُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْحُلَلِ حَيْثُ قَالَ إنَّ خُرْءَ الْقُمَّلِ وَالْبَقِّ وَنَحْوِهِمَا مِثْلُ خُرْءِ الْبَرَاغِيثِ لَا يُنْدَبُ غَسْلُهُ مِنْ الثَّوْبِ إلَّا إذَا تَفَاحَشَ وَإِنْ اعْتَمَدَهُ عج كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْمُتَفَاحِشِ) مِنْ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْفُوَّاتِ السَّابِقَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ حَذْفَ قَوْلِهِ إلَّا فِي صَلَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ قَطْعُ الصَّلَاةِ لِمَنْدُوبٍ (قَوْلُهُ: وَيَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَسِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ النَّجَاسَةِ أَيْ يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا أَمْ لَا بِغَسْلِهِ وَلَا يُطْلَبُ بِالتَّثْلِيثِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيَّةُ لِحَدِيثِ الْقَائِمِ مِنْ النَّوْمِ وَأَوْجَبَ ابْنُ حَنْبَلٍ التَّسْبِيعَ فِي كُلِّ نَجَاسَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ إلَّا الْأَرْضَ فَوَاحِدَةٌ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ اُنْظُرْ ح (قَوْلُهُ: أَيْ بِسَبَبِهِ) أَفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ بِلَا نِيَّةٍ وَقَوْلِهِ بِغَسْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ إلَّا أَنَّ الْجَارَّ الْأَوَّلَ بِمَعْنَى مَعَ وَالثَّانِي لِلسَّبَبِيَّةِ فَلَمْ يَلْزَمْ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ مُتَّحِدَيْ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: مُتَعَلِّقًا بِغَسْلِهِ) أَيْ وَقَوْلُهُ بِغَسْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِيَطْهُرُ وَالْمَعْنَى يَطْهُرُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ بِغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ لِنِيَّةٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ تَعَبُّدٌ لَا مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نِيَّةٌ كَمَا هُوَ شَأْنُ التَّعَبُّدِ؛ لِأَنَّ التَّعَبُّدَ إذَا كَانَ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ كَمَا هُنَا لَا تُطْلَبُ فِيهِ نِيَّةٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْغَيْرِ بِخِلَافِ التَّعَبُّدِ الَّذِي لِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ فَيَفْتَقِرُ لَهَا وَذَلِكَ كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ عُرِفَ مَحَلُّهُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute