للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَمْرَانِ (الدِّينُ) أَيْ التَّدَيُّنُ أَيْ كَوْنُهُ ذَا دِينٍ أَيْ غَيْرَ فَاسِقٍ لَا بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ وَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ تَرْكُهَا، إذْ لَيْسَ لَهُمَا تَرْكُهُ وَتَأْخُذُ كَافِرًا إجْمَاعًا (وَالْحَالُ) أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي تُوجِبُ لَهَا الْخِيَارَ فِي الزَّوْجِ لَا الْحَالُ بِمَعْنَى الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ وَإِنَّمَا تُنْدَبُ فَقَطْ (وَلَهَا وَلِلْوَلِيِّ) أَيْ لَهُمَا مَعًا (تَرْكُهَا) وَتَزْوِيجُهَا مِنْ فَاسِقٍ سِكِّيرٍ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَإِلَّا رَدَّهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَضِيَتْ لِحَقِّ اللَّهِ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ، وَكَذَا تَزْوِيجُهَا مِنْ مَعِيبٍ لَكِنْ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْخِيَارِ أَنَّ الثَّانِيَ أَيْ السَّلَامَةَ مِنْ الْعَيْبِ حَقٌّ لِلْمَرْأَةِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ كَلَامٌ.

(وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ رَضِيَ) بِغَيْرِ كُفْءٍ (فَطَلَّقَ) غَيْرُ الْكُفْءِ بَعْدَ تَزْوِيجِهَا (امْتِنَاعٌ) اسْمُ لَيْسَ أَيْ لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعٌ مِنْ تَزْوِيجِهَا لَهُ ثَانِيًا حَيْثُ طَلَبَهَا وَرَضِيَتْ بِهِ (بِلَا) عَيْبٍ (حَادِثٍ) غَيْرَ الْأَوَّلِ يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ لِأَنَّ رِضَاهُ أَوَّلًا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الِامْتِنَاعِ وَيُعَدُّ عَاضِلًا إنْ امْتَنَعَ فَإِنْ حَدَثَ عَيْبٌ بِأَنَّ زَادَ فِسْقُهُ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ.

(وَلِلْأُمِّ التَّكَلُّمُ فِي) إرَادَةِ (تَزْوِيجِ الْأَبِ) ابْنَتَهُ (الْمُوسِرَةَ الْمَرْغُوبَ فِيهَا مِنْ) ابْنِ أَخٍ لَهُ (فَقِيرٌ) أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ تَرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَنْظُرَ فِيمَا أَرَادَهُ الْأَبُ هَلْ هُوَ صَوَابٌ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَتَتْ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ إلَى مَالِكٍ فَقَالَتْ: إنَّ لِي ابْنَةً فِي حِجْرِي مُوسِرَةً مَرْغُوبًا فِيهَا، فَأَرَادَ أَبُوهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ ابْنِ أَخٍ لَهُ فَقِيرٍ أَفَتَرَى لِي فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمًا؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى لَك مُتَكَلَّمًا. انْتَهَى.

فَقَوْلُهُ: إنِّي لَأَرَى لَك بِالْإِثْبَاتِ (وَرُوِيَتْ) أَيْضًا (بِالنَّفْيِ) أَيْ لَا أَرَى لَك مُتَكَلَّمًا (ابْنِ الْقَاسِمِ) قَالَ

ــ

[حاشية الدسوقي]

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْصَافَ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا فِي الْكَفَاءَةِ سِتَّةٌ أَشَارَ لَهَا بَعْضٌ قَوْلُهُ:

نَسَبٌ وَدِينٌ صَنْعَةٌ حُرِّيَّةٌ ... فَقْدُ الْعُيُوبِ وَفِي الْيَسَارِ تَرَدُّدٌ

فَإِنْ سَاوَاهَا الرَّجُلُ فِي السِّتَّةِ فَلَا خِلَافَ فِي كَفَاءَتِهِ وَإِلَّا فَلَا وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِقَوْلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ: إنَّهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الدِّينِ وَالْحَالِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ بَاقِي الْأَوْصَافِ فَمَتَى سَاوَاهَا الرَّجُلُ فِيهِمَا فَقَطْ كَانَ كُفُؤًا.

(قَوْلُهُ: الْحَسَبِ) هُوَ مَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاخِرِ الْآبَاءِ كَالْكَرَمِ وَالْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ، وَقَوْلُهُ: النَّسَبِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَعْلُومَ الْأَبِ لَا كَوْنِ أَحَدِهِمَا لَقِيطًا أَوْ مَوْلًى إذًا لَا نَسَبَ لَهُ مَعْلُومٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُنْدَبُ) أَيْ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِمَا فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَهُمَا مَعًا) أَيْ فَإِنْ تَرَكَتْهَا امْرَأَةٌ بِأَنْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَلَمْ يَرْضَ الْوَلِيُّ بِتَرْكِهَا فَلِلْأَوْلِيَاءِ الْفَسْخُ مَا لَمْ يَدْخُلْ فَإِنْ دَخَلَ فَلَا فَسْخَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ تَرَكَتْهَا فَحَقُّ الْوَلِيِّ بَاقٍ وَالْعَكْسُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ فَاسِقٍ) أَيْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فِي الْكَفَاءَةِ فَإِذَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا مِنْهَا وَزَوَّجَهَا مِنْ فَاسِقٍ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ

وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ ظَاهِرَ مَا نَقَلَهُ ح وَغَيْرُهُ وَاسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ ابْنُ رَحَّالٍ مَنْعُ تَزْوِيجِهَا مِنْ الْفَاسِقِ ابْتِدَاءً، وَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلَا لِلْوَلِيِّ الرِّضَا بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ مُخَالَطَةَ الْفَاسِقِ مَمْنُوعَةٌ وَهَجْرُهُ وَاجِبٌ شَرْعًا فَكَيْفَ بِخُلْطَةِ النِّكَاحِ فَإِذَا وَقَعَ وَنَزَلَ وَتَزَوَّجَهَا فَفِي الْعَقْدِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لُزُومُ فَسْخِهِ لِفَسَادِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَابْنُ سَلْمُونٍ الثَّانِي أَنَّهُ صَحِيحٌ وَشَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ الثَّالِثُ لِأَصْبَغَ إنْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ رَدَّهُ الْإِمَامُ، وَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ وَظَاهِرُ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ عَوْدُ ضَمِيرِ تَرَكَهَا لِلْحَالِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ اهـ بْن وَاَلَّذِي قَرَّرَهُ شَيْخُنَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ كَمَا شَهَرَهُ الْفَاكِهَانِيُّ.

(قَوْلُهُ: حِفْظًا) أَيْ لِوُجُوبِ حِفْظِ النُّفُوسِ

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا رَضِيَ بِغَيْرِ كُفْءٍ وَزَوَّجَهَا مِنْهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَأَرَادَ عَوْدَهَا فَرَضِيَتْ الزَّوْجَةُ وَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ حَيْثُ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ وَيُعَدُّ عَاضِلًا أَمَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ فَهِيَ زَوْجَةٌ فَلَا كَلَامَ لَهَا وَلَا لِوَلِيِّهَا

(قَوْلُهُ: مِنْ فَقِيرٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ابْنُ أَخٍ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ وَأَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ أَخٍ الْوَاقِعَ فِي الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ مُخْرَجٌ عَلَى سُؤَالِ سَائِلٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَمَا أَنَّهُ أَسْقَطَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَلِلْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُهُ: فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ أَيْ وَغَيْرِ الْأَبِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَخَاصٌّ بِهَا مُطَلَّقَةٌ أَمْ لَا وَمِثْلُ الْفَقِيرِ مَنْ يَغُرُّ بِهَا عَنْ أُمِّهَا مَسَافَةَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ إلَّا لِكَخَصِيٍّ أَيْ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يُجْبِرَ بِنْتَهُ عَلَى التَّزْوِيجِ بِخَصِيٍّ وَنَحْوَهُ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ، وَأَمَّا الْفَقْرُ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ فَلَهُ جَبْرُهَا وَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ حَتَّى الْأُمِّ فَكَيْفَ يُحْكَمُ هُنَا لَهَا بِالتَّكَلُّمِ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ مُعْتَبَرٌ فِي الْكَفَاءَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ بِنَاءِ مَشْهُورٍ عَلَى ضَعِيفٍ اهـ عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ أَوْ غَيْرِ ابْنِ الْأَخِ.

(قَوْلُهُ: هَلْ هُوَ صَوَابٌ) أَيْ فَيُمَكِّنُهُ مِمَّا أَرَادَ أَوْ غَيْرُ صَوَابٍ فَيَمْنَعُهُ مِمَّا أَرَادَهُ.

(قَوْلُهُ: بِالْإِثْبَاتِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ نَعَمْ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَرِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ أَصَحُّ وَلِذَا قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى رِوَايَةِ النَّفْيِ كَمَا أَنَّهُ قَدَّمَ قَوْلَ مَالِكٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إشْعَارًا بِتَرْجِيحِهِ عَلَيْهِ اهـ. لَكِنَّ قَضِيَّةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْإِشْكَالِ أَنَّ الرَّاجِحَ كَلَامُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّهُ لَا تَكَلُّمَ لَهَا إلَّا لِضَرَرٍ اهـ شَيْخُنَا عَدَوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَرُوِيَتْ أَيْضًا بِالنَّفْيِ) أَيْ قَالَ نَعَمْ إنِّي لَا أَرَى لَك مُتَكَلَّمًا وَفِيهِ أَنَّ النَّفْيَ لَمْ يَسْتَقِمْ مَعَ قَوْلِهِ نَعَمْ وَيَخْتَلُّ الْمَعْنَى وَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>