للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ تَنْزِيهًا لَهُمْ وَقِيلَ: عَلَى مَنْ لَمْ يُخْلِفْ وَفَاءً قَالَ السُّبْكِيُّ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَارِجٌ مِنْ الْخَبَرِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَيْسَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِاَللَّهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ، وَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَلَيْهِمْ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِهِ، بَلْ بِهِمْ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ، وَإِنْ ثَبَتَ دَيْنٌ فَهُوَ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا اسْتَدَانَ الْإِمَامُ لِمَصَالِحِهِمْ كَانَ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا فِيمَا اسْتَدَانَهُ لِلْجِهَاتِ الْعَامَّةِ دُونَ مَا اسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ، وَالْوَكِيلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْعُهْدَةُ.

فَالْجَوَابُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْوِلَايَةِ الَّتِي لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَرْكَانُ الرَّهْنِ أَرْبَعَةٌ: صِيغَةٌ وَعَاقِدٌ وَمَرْهُونٌ وَمَرْهُونٌ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَقَالَ: (صِحَّةُ رَهْنِ الْعَيْنِ) تَحْصُلُ (بِالْإِيجَابِ مِنْ مَالِكِ بَيْعٍ) أَيْ: أَهْلٍ لَهُ، بِأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا رَشِيدًا مُخْتَارًا (وَقَبُولِ الْمُرْتَهِنْ) الْمُتَّصِفِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ كَأَصْلِهِ خِلَافَهُ، (أَوْ الْتِمَاسٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا مَعَ جَوَابِ الْآخَرِ فَقَوْلُ الرَّاهِنِ: ارْتَهِنْ هَذَا مِنِّي بِكَذَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِيجَابِ، وَقَوْلُ الْمُرْتَهِنِ: ارْهَنْ هَذَا عِنْدِي بِكَذَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَبُولِ قِيَاسًا لِذَلِكَ عَلَى الْبَيْعِ، هَذَا إذَا لَمْ يُشْرَطْ الرَّهْنُ فِي بَيْعٍ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ كَبِعْتُكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَرْهَنَنِي بِهِ دَارَك مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْت وَرَهَنْت فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الِاكْتِفَاءُ بِمَا جَرَى، وَعِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ كَمَا فِيهَا أَيْضًا عَدَمُهُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بَعْدَهُ: ارْتَهَنْت أَوْ قَبِلْت، وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ فِي الْمُعَاطَاةِ أَيْضًا ثُمَّ الرَّهْنُ نَوْعُ تَبَرُّعٍ، فَإِنْ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ وُقُوعُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالِاحْتِيَاطِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ.

(وَالْوَلِيُّ رَهَنَا، كَذَا مُكَاتَبٌ وَعَبْدٌ أُذِنَا) أَيْ: وَرَهَنَ جَوَازًا كُلٌّ مِنْ الْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَاضِيًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، مَالَ مَحْجُورِهِ وَالْمُكَاتَبُ مَالَ نَفْسِهِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَالَ سَيِّدِهِ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ، كَصَاحِبِ الْمَالِ، (حَيْثُ يُسَاوِي مُشْتَرَاهُ الثَّمَنَا وَالرَّهْنَ) ، كَأَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ بِمِائَةٍ نَسِيئَةً وَيَرْهَنَ بِهَا مَا يُسَاوِي مِائَةً، إذْ الْغِبْطَةُ ظَاهِرَةٌ بِتَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْمَرْهُونِ، وَإِنْ تَلِفَ كَانَ فِيمَا اشْتَرَاهُ جَابِرٌ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ إلَّا بِرَهْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ امْتَنَعَ الشِّرَاءُ، إذْ قَدْ يَتْلَفُ الْمَرْهُونُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَبْعُدُ تَلَفُهُ عَادَةً كَالْعَقَارِ فَالْمَذْهَبُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ كَيْفَ كَانَ، وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْعُجَابِ بِالْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ مُنْقَاسٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، (أَوْ) رَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ (نَهْبٌ أَوْ إِنْفَاقٌ عَنَا) أَيْ: عَنَّ بِمَعْنَى عَرَضَ فَأَبْدَلَ مِنْ النُّونِ أَلِفًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إذَا عَرَضَ خَوْفُ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ كَحَرِيقٍ أَنْ يَشْتَرِيَ عَقَارًا نَسِيئَةً، وَيَرْهَنَ

ــ

[حاشية العبادي]

يَتَوَقَّفُوا فِي قَبُولِهِ مَعَ تَعَلُّقِ غَرَضِهِ بِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُمْ مَجَّانًا سم

(قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَخْلُفْ وَفَاءً) وَقِيلَ: عَلَى مَنْ عَصَى بِالِاسْتِدَانَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أَخَذَ الشَّعِيرَ لِأَهْلِهِ) أَيْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَلْزَمُهُ لَهُمْ شَرْعًا فَانْدَفَعَ مَا قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ أَخَذَ لِنَفَقَتِهِمْ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ. (قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) لَعَلَّ مِنْهُ أَنَّ نَفَقَةَ عِيَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ، فَقَدْ اُفْتُرِضَ لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ؟ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَفْهَمَتْ عِبَارَتُهُ كَأَصْلِهِ) حَيْثُ قَدَّمَا الْقَيْدَ أَعْنِي مِنْ مَالِكِ بَيْعٍ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ بِرّ. (قَوْلُهُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر

(قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبِ مَالَ نَفْسِهِ) ، وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَمَعَ الْإِذْنِ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُكَاتَبِ وَلَا يَتَّجِهُ اشْتِرَاطُ مَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ إذْ الْغِبْطَةُ ظَاهِرَةٌ إلَخْ) هَلْ يَجِبُ الْإِشْهَادُ عَلَى الرَّهْنِ وَيَمْتَنِعُ بِدُونِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، كَمَا وَجَبَ الْإِشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ نَسِيئَةً فِي مَسَائِلِ الِارْتِهَانِ الْآتِيَةِ؟ الْمُتَّجِهُ الْوُجُوبُ م ر. لَكِنَّ قَوْلَهُ الْآتِيَ فِي شَرْحِ مِمَّنْ عَلَى الْإِيدَاعِ لَا يُسْتَأْمَنُ أَوْ يَجْحَدُهُ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ. (قَوْلُهُ فَالْمَذْهَبُ كَذَلِكَ إلَخْ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ أَوْ رَهَنَ كُلٌّ مِنْهُمْ إلَخْ) الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَشُرُوحِهِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ وَالْمُكَاتَبِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ وَإِصْلَاحِ الضِّيَاعِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعِرَاقِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِرّ وَعِبَارَةُ الْإِرْشَادِ صِحَّةُ رَهْنٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، أَوْ اسْتِيجَابٍ مِنْ أَهْلِ بَيْعٍ لَا وَلِيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمَأْذُونٍ، إلَّا مِنْ أَمِينٍ آمِنٍ إنْ اشْتَرَى مُسَاوِيَ ثَمَنٍ وَرَهْنٍ أَوْ بِشَرْطِهِ فِي اشْتِرَاءِ عَقَارٍ لِنَهْبٍ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لِنَفَقَةٍ وَإِصْلَاحِ ضَيْعَةٍ وَإِيفَاءِ حَقٍّ إنْ اُرْتُقِبَ أَوْ غَلَاءٍ أَوْ غَلَّةٍ أَوْ حُلُولِ دَيْنٍ اهـ

وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ الثَّالِثَةُ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الِاقْتِرَاضِ لِمَنْفَعَةٍ أَوْ لِوَفَاءِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ لِإِصْلَاحِ ضِيَاعِهِ، ارْتِقَابًا لِارْتِفَاعِ غَلَّاتِهِ أَوْ لِحُلُولِ دَيْنِهِ أَوْ لِنَفَاقِ أَعْيَانِ مَالِهِ فَيَقْتَرِضُ، وَقَوْلُهُ عَنَّا أَيْ عَرَضَ وَأَحْوَجَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ لَا تُتَصَوَّرُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ نَهْبٌ) عَطَفَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَلَى جُمْلَةِ يُسَاوِي (قَوْلُهُ عَقَارًا نَسِيئَةً) الظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّسِيئَةِ لَيْسَ لِلِاشْتِرَاطِ، بَلْ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ، بِأَنَّهُ بَاعَ وَصَبَرَ وَطَلَبَ رَهْنًا

ــ

[حاشية الشربيني]

بَعْدَ افْتِكَاكِ الرَّهْنِ ق ل. (قَوْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً) أَيْ وَقَصَّرَ بِأَنْ أَيْسَرَ وَلَمْ يُوفِ، وَإِلَّا فَلَا يُحْبَسُ رُوحُهُ اهـ. م ر.

(قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ نَفَقَةِ أَزْوَاجِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ. مَرْصَفِيٌّ. وَقَدْ دَفَعَهُ الْمُحَشِّي بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا جَرَى) لِتَضَمُّنِ الشَّرْطِ الِاسْتِيجَابَ اهـ. ق ل

(قَوْلُهُ أَوْ قَاضِيًا إلَخْ) ، كَذَا فِي شَرْحِ م ر. لَكِنْ اعْتَمَدَ زي جَوَازَ الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ لِلْحَاكِمِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا غِبْطَةٍ، كَمَا فِي الْقَرْضِ. (قَوْلُهُ أَوْ إنْفَاقٌ عَنَا إلَى قَوْلِهِ أَوْ إنْفَاقِ عَيْنِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>