للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَفْسَخُ) أَيْ: حَيْثُ يَفْسَخُ الْقَصَّارُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِإِفْلَاسِ الْمُكْتَرِي، حَتَّى يَتَقَدَّمَ بِحَقِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ مِمَّا زَادَ عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ بِالْقِصَارَةِ، فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ عَشَرَةً وَالْأَجْرِ دِرْهَمًا، وَبِيعَ الثَّوْبُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، قُدِّمَ الْقِصَارُ بِدِرْهَمٍ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجْرُ خَمْسَةً وَبِيعَ الثَّوْبُ بِأَحَدَ عَشَرَ، قُدِّمَ بِدِرْهَمٍ وَضَارَبَ بِأَرْبَعَةٍ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ الْقَصَّارُ، (فَلْيُضَارِبْ غُرْمَا) هـ بِجَمِيعِ حَقِّهِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَخَمْسَةٌ فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا يُضَارِبُ بِهِ إذَا فَسَخَ وَلَمْ تُرَدَّ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ، لَا يُقَالُ: قَضِيَّةُ كَوْنِ الْقِصَارَةِ عَيْنًا أَنَّ الزَّائِدَ بِهَا لَهُ كَزِيَادَةِ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةِ، وَأَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْأَجْرِ يُقْنَعُ بِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ نَاقِصًا قَنَعَ بِهِ أَوْ ضَارَبَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْقِصَارَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ وَالْأَخْذِ وَالرَّدِّ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ، بَلْ صِفَةٌ تَابِعَةٌ لِلثَّوْبِ وَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْ الْغَاصِبَ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ لَهَا بِهَا كَمَا جَعَلْنَاهُ شَرِيكًا لَهُ إذَا صَبَغَهُ، وَإِنَّمَا شُبِّهَتْ بِالْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِهَا مُتَقَوِّمَةٌ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ، فَلَا تَضِيعُ عَلَى الْمُفْلِسِ كَالْأَعْيَانِ.

، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَجِيرِ، فَلَيْسَتْ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، بَلْ مَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الصَّنْعَةُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فَجُعِلَ الْحَاصِلُ بِهَا لِاخْتِصَاصِهِ بِهَا مُتَعَلِّقَ حَقِّهِ، كَالْمَرْهُونِ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ، فَلَا يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْصُورِ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ بِنُقْصَانٍ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَرْهُونِ.

(بَابُ الْحَجْرِ) هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَاصْطِلَاحًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ

وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: ٦] الْآيَةَ، قَوْلُهُ: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ، وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ، وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ،، وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ،، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ،، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ،، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَهَا مَحَالُّ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَبَعْضُهَا يَأْتِي. وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ حَجْرُ الْجُنُونِ، وَالصِّبَا، وَالسَّفَهِ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهِ فَقَالَ: (يُحْجَرُ مَنْ جُنَّ) أَيْ يُمْنَعُ الْمَجْنُونُ مِمَّا يُذْكَرُ (إلَى أَنْ يَفْرُغَا جُنُونُهُ، وَالطِّفْلُ حَتَّى يَبْلُغَا وَذَاكَ) أَيْ الْبُلُوغُ يَحْصُلُ إمَّا (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَهْ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا مِنْ السِّنِينَ الْقَمَرِيَّةِ تَحْدِيدًا لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ «عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْتُ» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ خُرُوجِ جَمِيعِ الطِّفْلِ، وَلَفْظَةٌ اسْتِكْمَالِ زَادَهَا النَّاظِمُ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ حُصُولِ الْبُلُوغِ بِالطَّعْنِ فِي الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ (أَوْ حُلُمٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ، وَاللَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: ٥٩] ،، وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ:

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ إذَا فَسَخَ وَلَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ) اُنْظُرْ إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ لِمَ جَازَ الْفَسْخُ؟ وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إلَّا الْمُضَارَبَةُ فَسَخَ أَوْ لَا، (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَرْهُونِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَقِبَ هَذَا: فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِحَقِّهِ، فَإِنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُضَارِبُ بِالْأُجْرَةِ. سَوَاءٌ فَسَخَ أَمْ لَا، قُلْت إذَا لَمْ يَفْسَخْ، فَهُوَ مُقَصِّرٌ فَسَقَطَ حَقُّهُ إمَّا مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ أَوْ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ. وَبَقِيَ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا فِي حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ اهـ.

قُلْت قَوْلُهُ: إمَّا مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ إلَخْ هَلْ هُوَ إشَارَةٌ إلَى تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ؟ أَوْ إلَى حَالَيْنِ، لِذَلِكَ قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ الثَّانِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ، إنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ: أَنَّهُ لَا حَبْسَ لَهُ حِينَئِذٍ أَوْ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ، وَيَبْقَى الْحَبْسُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ الْحَبْسَ بِشَرْطِ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(بَابُ الْحَجْرِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

بِفِعْلِ الْأَجِيرِ لَمْ تَسْقُطْ أُجْرَتُهُ، وَإِلَّا سَقَطَتْ اهـ. شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ حَيْثُ يَفْسَخُ الْقَصَّارُ إلَخْ) أَيْ لِيَرْجِعَ إلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ كَمَا تَقَرَّرَ. اهـ. . شَرْحُ الْإِرْشَادِ. (قَوْلُهُ إذَا فَسَخَ وَلَمْ تَزِدْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ كَمَا يُضَارِبُ بِهِ إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَسْخَ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.

[بَابُ الْحَجْرِ]

(قَوْلُهُ: مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ) الْأَوْلَى: الْمَنْعُ مِنْ تَصَرُّفٍ خَاصٍّ بِسَبَبٍ خَاصٍّ كَمَا قَالَ حَجَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمَجْنُونِ دُونَ الصَّبِيِّ، وَالسَّفِيهِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ مِنْهُ بَعْضُ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ إذْ يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ التَّدْبِيرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَمِنْ الصَّبِيِّ الْإِذْنُ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ وَأَيْضًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ غَيْرِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ أَيْضًا كَعَدَمِ صِحَّةِ قَوْلِ الصَّبِيِّ غَيْرِ مَا مَرَّ، وَالْجُنُونُ مُطْلَقًا بِأَنَّ ذَلِكَ لِسَلْبِ عِبَارَتِهِمَا وَهُوَ مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْحَجْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا دَيْنَ فَإِنْ كَانَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ حُجِرَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَالِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّبَرُّعَاتِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِتَقْدِيمِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يُوَفِّ مَالُهُ بِدَيْنِهِ فَلَا يُزَاحِمُ الْمُتَقَدِّمُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الدُّيُونِ وَطَلَبِ أَرْبَابِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ. اهـ. سم عَنْ حَجَرٍ وع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ) هُوَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ قُبَيْلَ آخِرِهَا عَلَى الْأَرْجَحِ وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>