للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ (وَلَمْ) أَيْ: وَلَا (يُعَذَّبْ) مَيِّتٌ (بِنِيَاحِ أَهْلِهِ) عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] (إلَّا إذَا أَوْصَاهُمْ بِفِعْلِهِ) كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ

إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ

وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ إنَّ «الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَك أَنْ تَقُولَ ذَنْبُ الْمَيِّتِ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَشَاهِدُهُ خَبَرُ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً» وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيَعُدُّونَهَا فَخْرًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ الْعَفْوَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَبْكُوا عَلَيْهِ فَإِذَا بَكَوْا وَنَدَبُوا عُذِّبَ بِذَنْبِهِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ.

(بَابُ الزَّكَاةِ) .

هِيَ لُغَةً: التَّطْهِيرُ وَالْإِصْلَاحُ وَالنَّمَاءُ وَالْمَدْحُ وَمِنْهُ {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] وَشَرْعًا: اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ سُمِّيَ بِهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ وَيُصْلِحُ وَيُنَمِّي وَيَمْدَحُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ وَيَقِيهِ مِنْ الْآفَاتِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ.» وَهِيَ كَمَا عُرِفَ نَوْعَانِ زَكَاةُ بَدَنٍ وَهِيَ الْفِطْرَةُ وَسَتَأْتِي وَزَكَاةُ مَالٍ وَهِيَ ضَرْبَانِ زَكَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَسَتَأْتِي، وَزَكَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ زَكَاةُ النَّعَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْقُوتِ وَاخْتُصَّتْ مِنْ الْحَيَوَانِ بِالنَّعَمِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلنَّمَاءِ غَالِبًا لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَمِنْ الْجَوَاهِرِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِالْتِحَاقِهِمَا بِالنَّامِيَاتِ بِتَهْيِئَتِهِمَا لِلْإِخْرَاجِ دُونَ غَيْرِهِمَا غَالِبًا وَمِنْ النَّبَاتِ بِالْقُوتِ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ مِنْهُ شَيْئًا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ وَلِكَوْنِ أَكْثَرِ أَمْوَالِ الْعَرَبِ النَّعَمَ بَدَأَ بِهَا النَّاظِمُ كَغَيْرِهِ مُقَدِّمًا مِنْهَا الْإِبِلَ لِلتَّأَسِّي بِكِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الْآتِي وَلِكَوْنِهَا أَشْرَفَ فَقَالَ (فِي دُونِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إبِلْ) بِنَصْبِهِ تَمْيِيزًا وَالْوَقْفُ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ (إبْلٌ) بِرَفْعِهِ مُبْتَدَأٌ وَإِسْكَانُ بَائِهِ تَخْفِيفًا وَلَوْ عَبَّرَ فِيهِمَا بِالْبَعِيرِ كَانَ أَوْلَى فَإِنَّ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: أَيْ وَلَا يُعَذَّبُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الِاسْتِقْبَالِ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي يَصْلُحُ شَرْحًا لِمَا قَبْلَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَدْ يُسْتَشْكَلُ إذْ كَيْفَ يُعَذَّبُ الْكَافِرُ وَمَنْ ذَكَرَهُ مَعَهُ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ وَلَمْ يَأْمُرُوا بِهِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُمْ لَمْ يُوصُوا وَإِلَّا كَانَ هُوَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ. (قَوْلُهُ: وَنَدَبُوا عُذِّبَ) أَيْ: فَصَدَقَ أَنَّ الْبُكَاءَ سَبَبٌ فِي التَّعْذِيبِ عَلَى الْجَرَائِمِ بِرّ

[بَابُ الزَّكَاةِ]

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ أَيْ: إخْرَاجَهُ. (قَوْلُهُ: الْمُخْرَجَ عَنْهُ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ هَلْ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْأَفْعَالِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ إلَخْ مَا مَوْقِعُهُ مِمَّا قَبْلَهُ وَهَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لَهُ أَوْ زَائِدٌ عَلَيْهِ وَكَانَ الْمَعْنَى أَنَّ إخْرَاجَهُ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ الْمَدْحَ (قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ فِي الْعُبَابِ فَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا لَا حَيْثُ اُخْتُلِفَ فِيهِ كَمَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَرِكَازٍ وَتِجَارَةٍ وَفِطْرَةٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا) أَيْ: الْإِبِلِ أَشْرَفُ. (قَوْلُهُ: إبِلٌ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ

ــ

[حاشية الشربيني]

بَابُ الزَّكَاةِ) .

(قَوْلُهُ التَّطْهِيرُ) فَالزَّكَاةُ اسْمُ مَصْدَرِ زَكَّى وَحِينَئِذٍ فَالْمُوَافِقُ لَهُ التَّنْمِيَةُ فَيَكُونُ النَّمَاءُ بِمَعْنَى التَّنْمِيَةِ أَيْ: نَمَاءً أَيْ: تَنْمِيَةً. (قَوْلُهُ: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] هَذِهِ الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الزَّكَاةِ شَرْعًا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمْ، وَكَذَا مُتَعَلِّقُهَا وَأَجْنَاسُهَا فَكَانَتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ غَيْرُ مُتَّضِحَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] فَإِنَّهُ مِنْ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَانَ مَعْلُومًا لَهُمْ فَكَانَتْ دَلَالَةُ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ مُتَّضِحَةً وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعُمُومُ. اهـ. سم عَلَى التُّحْفَةِ وَرَدَّ مَا قَالَهُ حَجَرٌ فَانْظُرْهُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْحَيَوَانِ) أَيْ: مِنْ بَيْنِ الْحَيَوَانِ وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِالنَّعَمِ) فَلَا تَجِبُ فِي مُتَوَلِّدٍ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا بِخِلَافِ مَا تَوَلَّدَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ إبِلٍ، أَوْ بَقَرٍ، أَوْ غَنَمٍ وَآخَرَ مِنْهَا وَيُزَكَّى زَكَاةَ أَخَفِّهِمَا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ فَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ إبِلٍ وَبَقَرٍ يُزَكَّى زَكَاةَ الْبَقَرِ قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْرَجِ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَتَانِ اعْتِبَارًا بِالْمَعْزِ بَلْ يَكْفِي مَالَهُ سَنَةٌ اعْتِبَارًا بِالضَّأْنِ لَكِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْهَدْيِ إجْزَاءَ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مِنْ النَّعَمِ وَيُعْتَبَرُ أَكْبَرُهُمَا سِنًّا فَيُعْتَبَرُ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ ضَأْنٍ وَمَعْزٍ مَا لَهُ سَنَتَانِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْفَى ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَإِنَّ الْأَصْلَ هُنَا عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْإِخْرَاجِ قَطْعًا وَالْأَصْلُ عَدَمُ إجْزَاءِ مَا ذُكِرَ فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ لَكِنْ جَزَمَ حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ بِاعْتِبَارِ السِّنِّ الْأَكْثَرِ.

وَكَذَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، ثُمَّ بَحَثَ مَا قَالَهُ سم (قَوْلُهُ: إبِلٌ) فِي الْإِمْدَادِ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ عِنْدَ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَتُجْزِئُ بِنْتُ الْمَخَاضِ فِي أَقَلَّ مَا نَصَّهُ، وَتُجْزِئُ هِيَ أَوْ بَدَلُهَا عِنْدَ فَقْدِهَا مِنْ ابْنِ لَبُونٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أَجْزَأَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيمَا دُونَهَا أَوْلَى وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي أَنَّهُ تُشْتَرَطُ أُنُوثَتُهُ إنْ كَانَ فِي إبِلِهِ أُنْثَى أَيْ: وَلَوْ فَوْقَ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي إبِلِهِ أُنْثَى لَمْ يَجُزْ الذَّكَرُ إلَّا إذَا وَجَبَ؛ لِأَنَّ الذَّكَرَ هُنَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>