غَيْرِهِنَّ مُشَافَهَةً وَأَفْضَلُهُنَّ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَفِي أَفْضَلِهِمَا خِلَافٌ صَحِيحُ ابْنِ الْعِمَادِ تَفْضِيلُ خَدِيجَةَ لِمَا ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ قَالَتْ لَهُ قَدْ رَزَقَك اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا لَا وَاَللَّهِ مَا رَزَقَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا آمَنَتْ بِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَأَعْطَتْنِي مَالَهَا حِينَ حَرَمَنِي النَّاسُ» وَسُئِلَ ابْنُ دَاوُد أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ عَائِشَةُ أَقْرَأَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّلَامَ مِنْ جِبْرِيلَ وَخَدِيجَةُ أَقْرَأَهَا جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ فَهِيَ أَفْضَلُ قِيلَ لَهُ فَمَنْ أَفْضَلُ خَدِيجَةُ أَمْ فَاطِمَةُ فَقَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي» وَلَا أَعْدِلُ بِبَضْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ أَحَدًا، وَيَشْهَدُ لَهُ «قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إلَّا مَرْيَمَ» وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ عَائِشَةَ بِمَا احْتَجَّتْ بِهِ مِنْ أَنَّهَا فِي الْآخِرَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدَّرَجَةِ وَفَاطِمَةُ مَعَ عَلِيٍّ فِيهَا وَسُئِلَ السُّبْكِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ ثُمَّ أُمُّهَا خَدِيجَةُ ثُمَّ عَائِشَةُ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ: وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ «خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ثُمَّ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ ثُمَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» فَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ خَدِيجَةَ إنَّمَا فَضَلَتْ فَاطِمَةَ بِاعْتِبَارِ الْأُمُومَةِ لَا بِاعْتِبَارِ السِّيَادَةِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ أَنَّ مَرْيَمَ أَفْضَلُ مِنْ خَدِيجَةَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلِاخْتِلَافِ فِي نُبُوَّتِهَا. وَخَصَائِصُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ وَفِيهَا كُتُبٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَعْضِهَا
(فَصْلٌ فِي الْعَقْدِ) لِلنِّكَاحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ (يُنْدَبُ لِلْمُحْتَاجِ) إلَى النِّكَاحِ أَيْ التَّائِقِ لَهُ وَلَوْ خَصِيًّا (ذِي التَّأَهُّبِ) لَهُ بِأَنْ كَانَ وَاجِدَ الْأُهْبَةِ أَيْ مُؤْنَةٍ مِنْ الْمَهْرِ وَكِسْوَةِ فَصْلِ التَّمْكِينِ وَنَفَقَةِ يَوْمِهِ (أَنْ يَنْكِحَ) سَوَاءٌ كَانَ مُتَعَبِّدًا أَمْ لَا تَحْصِينًا لِلدِّينِ وَلِخَبَرِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» بِالْمَدِّ أَيْ قَاطِعٌ لِلشَّهْوَةِ، وَالْبَاءَةُ بِالْمَدِّ لُغَةً الْجِمَاعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذَلِكَ وَقِيلَ مُؤَنُ النِّكَاحِ وَالْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ رَدَّا إلَى مَعْنَى الثَّانِي إذْ التَّقْدِيرُ عِنْدَهُ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَدَمِ شَهْوَتِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِهَا وَإِنْ فَقَدْ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ أُهْبَتَهُ نُدِبَ لَهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ وَبَالَغَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ كُرِهَ لَهُ النِّكَاحُ وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ لِخَبَرِ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ» قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: فَإِنْ لَمْ تَنْكَسِرْ بِهِ لَمْ يَكْسِرْهَا بِكَافُورٍ وَنَحْوِهِ بَلْ يَنْكِحُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاخْتِصَاءِ وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيّ يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ لِقَطْعِ شَهْوَتِهِ أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَإِنْ فَقَدْ أُهْبَتَهُ أَوْ وَجَدَهَا وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ كُرِهَ لَهُ النِّكَاحُ لِانْتِفَاءِ حَاجَتِهِ إلَيْهِ فِيهِمَا مَعَ الْتِزَامِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْأُولَى وَخَطَرَ الْقِيَامُ بِوَاجِبِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ وَجَدَهَا وَلَا عِلَّةَ بِهِ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ لَكِنْ تَخْلِيَتُهُ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ
ــ
[حاشية العبادي]
فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ خَصَّصَ بِفَرْضِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلَّا لِضَرُورَةِ خُرُوجِهِنَّ لِلْبِرَازِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي» ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَال أَنَّ أَوْلَادَهُ الذُّكُورَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَضْعَةٌ مِنْهُ مَعَ تَفْضِيلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ مَا عَدَا فَاطِمَةَ مِنْ بَنَاتِهِ بَضْعَةٌ مِنْهُ مَعَ تَفْضِيلِ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ عَلَيْهِنَّ
(فَصْلٌ فِي الْعَقْدِ)
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خَصِيًّا) اُنْظُرْ الْمَمْسُوحَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكْسِرْهَا بِكَافُورٍ وَنَحْوِهِ) مُعَالَجَتُهَا بِنَحْوِ الْكَافُورِ إنْ كَانَ يُؤَدِّي إلَى ضَعْفِهَا كَرِهَ أَوْ إلَى قَطْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ حَرُمَ م ر
[حاشية الشربيني]
الْحِجَابِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ خُصِّصْنَ بِفَرْضِ الْحِجَابِ عَلَيْهِنَّ بِلَا خِلَافٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا إظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلَّا لِضَرُورَةِ خُرُوجِهِنَّ لِلْبِرَازِ. اهـ.
[فَصْلٌ فِي الْعَقْدِ لِلنِّكَاحِ وَمُقَدِّمَاتِهِ]
(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ) أَيْ فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ فَلْيَتَمَسَّكْ بِالصَّوْمِ وَهُوَ أَمْرُ إرْشَادٍ وَإِنْ قَصَدَ فَاعِلُهُ الِامْتِثَالَ أُثِيبَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. ع ش وق ل (قَوْلُهُ: لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ) وَأَمَّا قُدْرَتُهُ عَلَى الْجِمَاعِ فَمَعْلُومَةٌ كَمَا سَيَقُولُ مِنْ الِاحْتِيَاجِ لِلصَّوْمِ فَثَبَتَ الْمُدَّعِي وَهُوَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ النِّكَاحُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْجِمَاعِ وَمُؤَنِ النِّكَاحِ (قَوْلُهُ: وَبَالَغَ إلَخْ) وَرَدَ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْخَبَرِ عَدَمُ طَلَبِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْفِعْلِ بَلْ وَمِنْ طَلَبِ الْفِعْلِ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: بَلْ يَنْكِحُ) وَيُكَلَّفُ اقْتِرَاضَ الْمَهْرِ إنْ لَمْ تَرْضَ بِذِمَّتِهِ ع ش (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَحْتَالَ إلَخْ) هُوَ حَرَامٌ إنْ قَطَعَ النَّسْلَ وَمَكْرُوهٌ إنْ فَتَرَ الشَّهْوَةَ وَقَطَعَ الْحَبَلَ مِنْ الْمَرْأَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَأَمَّا إلْقَاءُ مَا فِي الرَّحِمِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فَحَرَامٌ أَوْ قَبْلَهُ جَازَ بِإِذْنِ وَالِدِهِ وَإِلَّا حَرُمَ. اهـ. شَيْخُنَا ذ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَاجُ) أَيْ التَّائِقُ كَمَا سَلَفَ فَيَخْرُجُ الْمُحْتَاجُ لِلْخِدْمَةِ الْوَاجِدُ لِلْأُهْبَةِ مَعَ الْعِلَّةِ وَقَالَ حَجَرٌ فِي حَوَاشِي الْإِرْشَادِ يُسَنُّ لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ تَرْكِهِ وَقِيلَ تَرْكُهُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ لِلْخَطَرِ فِي الْقِيَامِ بِوَاجِبِهِ (قَوْلُهُ: أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute