للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمَالُ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِمْ فِدَاءٌ لَا يَمْلِكُونَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُهُ كَعَوْدٍ أَيْ: كَمَا يَحْرُمُ عَوْدُهُ إلَيْهِمْ وَإِنْ شَرَطَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ شَرَطَا مَعْمُولٌ لِالْتَزَمَ وَلَوْ عَبَّرَ كَالْحَاوِي بِقَوْلِهِ وَإِنْ شَرَطَ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ الْتَزَمَ كَفَى

(فَصْلٌ فِي) .

بَيَانِ (الْجِزْيَةِ) تُطْلَقُ الْجِزْيَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَعَلَى الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ بِهِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجَازَاةِ لِكَفِّنَا عَنْهُمْ وَقِيلَ مِنْ الْجَزَاءِ بِمَعْنَى الْقَضَاءِ. قَالَ تَعَالَى {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] أَيْ: لَا تَقْضِي وَجَمْعُهَا جِزًى كَفِرْيَةٍ وَفِرًى، وَالْعُقُودُ الَّتِي تُفِيدُ الْكَافِرَ الْأَمْنُ ثَلَاثَةٌ: أَمَانٌ وَهُدْنَةٌ، وَجِزْيَةٌ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ إنْ تَعَلَّقَ بِمَحْصُورٍ فَهُوَ الْأَمَانُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوْ بِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَأَهْلِ إقْلِيمٍ أَوْ بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْهُدْنَةُ وَسَتَأْتِي أَوْ لَا إلَى غَايَةٍ فَهُوَ الْجِزْيَةُ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالْإِمَامِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ كَمَا مَرَّ كَذَا. قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ تَأْمِينَ الْإِمَامِ غَيْرَ مَحْصُورِينَ لَا يُسَمَّى أَمَانًا، وَأَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تَصِحُّ فِي مَحْصُورِينَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَالْأَصْلُ فِي الْجِزْيَةِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [التوبة: ٢٩] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] «وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِنْ أَهْلِ أَيْلَةَ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي أَخْذِهَا مَعُونَةً لَنَا، وَإِهَانَةً لَهُمْ وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ

وَلَهَا خَمْسَةُ أَرْكَانٍ صِيغَةٌ، وَعَاقِدٌ، وَمَعْقُودٌ لَهُ وَمَالٌ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَمَكَانٌ قَابِلٌ لِلتَّقْرِيرِ فِيهِ وَقَدْ أَخَذَ النَّاظِمُ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ (وَعَقْدُ جِزْيَةٍ) يَحْصُلُ (بِإِذْنٍ قَدْ صَدَرْ مِنْ نَائِبٍ) عَنْ الْإِمَامِ فِيهِ (أَوْ) مِنْ (الْإِمَامِ لِذَكَرْ حُرٍّ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) فِي الْقَرَارِ بِدَارِنَا فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لَكِنْ لَوْ عَقَدُوهَا أَلْحَقَ الْمَعْقُودُ لَهُ بِمَأْمَنِهِ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ أَقَامَ سَنَةً فَأَكْثَرَ وَلَا مِنْ الْإِمَامِ لِامْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ بَذْلَهَا لِحَقْنِ الدَّمِ وَهُوَ حَاصِلٌ لِهَؤُلَاءِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ لَا تَأْخُذُوا الْجِزْيَةَ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَرُوِيَ لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَأَلْحَقَ بِالْمَرْأَةِ الْخُنْثَى فَلَوْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ؟ وَجْهَانِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَخْذُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ يَنْبَغِي تَصْحِيحُ عَكْسِهِ كَمَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا وَبَقِيَ مُدَّةً، ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ لَا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا لِمَا مَضَى عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى عَقَدَ لَهُ الْجِزْيَةَ وَقَدْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ فَعَمِلْنَا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ (قَدْ حَكَى بِبَعْضِ كُتْبِ أُنْزِلَتْ تَمَسُّكَا) أَيْ: لِذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَلَوْ صُحُفَ إبْرَاهِيمَ، وَزَبُورَ دَاوُد - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِتَقْيِيدِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ (مِثْلِ الْمَجُوسِ) لِزَعْمِهِمْ ذَلِكَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ فَرُفِعَ وَتَقَدَّمَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَكَى إلَى آخِرِهِ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكَوَاكِبِ (مَا) أَيْ: زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ وَمَا (عَلِمْنَا) أَنَّ (جَدَّهُ) الْأَعْلَى (اخْتَارَ) ذَلِكَ الدِّينَ (حِينَ نَسْخِهِ أَيْ: بَعْدَهُ) بِأَنْ جَهِلْنَا ذَلِكَ أَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ قَبْلَ نَسْخِهِ أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ تَبْدِيلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ الْمُبْدَلَ مِنْهُ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ بَعْدَ نَسْخِهِ كَمَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ

ــ

[حاشية العبادي]

فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ) (قَوْلُهُ: مِنْ نَائِبٍ) شَامِلٌ لِلْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَأَحَدِ الرَّعِيَّةِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَاجُ هَذَا الْعَقْدُ لِلنَّظَرِ وَآحَادُ الرَّعِيَّةِ لَا تَصْلُحُ لَهُ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْإِمَامِ حَاصِلٌ مَعَ الْإِنَابَةِ فِي الْعَقْدِ م ر (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْآحَادِ) أَيْ: مِنْ غَيْرِ إنَابَةٍ لَهُ مِنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى عَقَدَ لَهُ الْجِزْيَةَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُعْقَدَ لَهُ الْجِزْيَةُ حَالَ خُنُوثَتِهِ وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيِّ لَعَلَّ صُورَتَهَا ذَلِكَ قِيلَ وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا أُجْرَةٌ وَهِيَ تَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَقْدٌ بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَوْ عُقِدَتْ لَهُ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ بِذُكُورَتِهِ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي اللُّزُومِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. اهـ.

وَلَك أَنْ تَقُولَ لَوْ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَقَعْ عَقْدٌ لَوَجَبَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرْبِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ وَفِي عَقِبِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْآحَادِ وَعَلَى مَنْ بَلَغَ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْ لَهُ وَفِي التَّأْمِينِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَمَّا فَرْقُ هَذَا الْقَائِلِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخُنْثَى وَالْحَرْبِيِّ بِأَنَّ الْخُنْثَى مُلْتَزِمٌ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ لَهُ الِالْتِزَامُ؟ فَإِنْ قِيلَ بِالْعَقْدِ لَهُ تَبَعًا لِلذَّكَرِ الْمُحَقَّقِ وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ كَعَقَدْت لَكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الذَّكَرِ مِنْكُمْ كَذَا قُلْنَا فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْعَقْدِ مَا يَشْمَلُ ذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ بِتَأْمِينِهِ قُلْنَا مُجَرَّدُ التَّأْمِينِ لَا يُوجِبُ الْجِزْيَةَ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ: بَلْ لَا يَصِحُّ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافٌ فِي اللُّزُومِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ اعْتِبَارَ نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي اللُّزُومِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ اعْتِبَارِ نَفْسِ الْأَمْرِ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ الِاخْتِلَافُ فِيهِ جَرَى فِي نَفْسِ الْبَيْعِ كَمَا قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ، وَلَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. اهـ.

فَتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ) مَعَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: زَعَمَ التَّمَسُّكَ) بِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَالَ فِي الرَّوْضِ وَلَوْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ ظَفِرْنَا بِقَوْمٍ وَادَّعَوْا أَوْ بَعْضُهُمْ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ صَدَّقْنَا الْمُدَّعِينَ وَعَقَدَ لَهُمْ. اهـ.

قَالَ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ دِينَهُمْ

ــ

[حاشية الشربيني]

كَهُوَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ شَرْحُ الْإِرْشَادِ

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْجِزْيَةِ]

(قَوْلُهُ: بِدَارِنَا) لَيْسَ بِشَرْطٍ فَقَدْ نُقِرُّهُمْ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. اهـ.

شَرْحُ م ر عَلَى ج

<<  <  ج: ص:  >  >>