للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّابِئَةُ مِنْ النَّصَارَى وَالسَّامِرَةُ مِنْ الْيَهُودِ يُقَرُّونَ بِهَا إنْ وَافَقُوهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ أَيْ: بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ

(وَلَوْ) عُقِدَتْ الْجِزْيَةُ لِمَنْ زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ، ثُمَّ (أَسْلَمَ اثْنَانِ) مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ (وَجَادَ الْحَالُ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَحَسُنَ حَالُهُمَا بِحَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (وَشَهِدَا بِكُفْرِهِ) أَيْ: بِكَذِبِهِ فِيمَا زَعَمَهُ (يُغْتَالُ) وَلَا يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ لِتَدْلِيسِهِ وَالْأَمَانُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ عِنْدَ ظَنِّ الْكَافِرِ صِحَّتَهُ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (لَا إنْ تَوَثَّنَ) كِتَابِيٌّ عُقِدَ لَهُ الْجِزْيَةُ فَلَا يُغْتَالُ بَلْ يُلْحَقُ بِمَأْمَنِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ عَلَقَةُ كَوْنِهِ كِتَابِيًّا، فَلَا تَزُولُ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ وَمَنْ يُخَافُ شَرُّهُ كَجَاسُوسٍ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْأَمَانِ

. (الْقَرَارَ) أَيْ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ يَحْصُلُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْقَرَارِ بِدَارِنَا (مُطْلَقًا) مِنْ غَيْر تَأْقِيتٍ (أَوْ مَا يَشَاءُ) الْمَعْقُودُ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ هَذَا بِمَا قَالُوهُ فِي الْهُدْنَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَادَنْتُكُمْ مَا شِئْتُمْ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا مَعَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُ عَقْدَ الْهُدْنَةِ عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يُحْتَمَلُ تَأْبِيدُهُ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا (لَا) إنْ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مَا أَشَاءُ (أَنَا) أَوْ مَا شَاءَ زَيْدٌ (أَوْ) مَا شَاءَ (ذُو الْبَقَا) أَيْ: اللَّهُ تَعَالَى لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّأْقِيتِ مَعَ الْجَهْلِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ لَا فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُ النَّظْمِ أَوْ ذُو الْبَقَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ (أَوْ أَقَّتُوا) عَقْدَ الْجِزْيَةِ فَلَا يَصِحُّ كَالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْهُ (لَا إنْ بَغَى) أَيْ: طَلَبَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ (إقَامَةْ) لِلْكَافِرِ (فِي مَكَّةَ) أَوْ (الْمَدِينَةِ) أَوْ (الْيَمَامَةْ أَوْ فِي قُرَاهُنَّ) أَوْ مَا تَخَلَّلَ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ وَغَيْرِهَا أَوْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةُ هِيَ الْحِجَازُ (فَلَا يُمَكَّنْ) أَيْ: فَلَا يُقَرُّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِجِزْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِشَرَفِهَا وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْحِجَازُ الْمُشْتَمِلَةُ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ مِنْ الْحِجَازِ وَأَقَرَّهُمْ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ حِجَازًا؛ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ

وَلَا يَمْنَعُ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إقَامَةٍ بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ وَقُرَى الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ (كَوَجَّ وَالطَّائِفِ) لِمَكَّةَ وَكَخَيْبَرِ لِلْمَدِينَةِ، وَوَجٌّ وَادِي الطَّائِفِ وَتَعْبِيرُهُ بِوَجٍّ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْوَجِّ (دُونَ الْيَمَنِ) فَيُقَرُّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحِجَازِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَمْ يُخْرِجْ عُمَرُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ الْيَمَنِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِخْرَاجِ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْحِجَازِ لِنَقْضِهِمْ الْعَهْدَ بِأَكْلِهِمْ الرِّبَا الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمْ تَرْكُهُ (وَمِنْ دُخُولِ حَرَمِ اللَّهِ) الْمَكِّيِّ (مُنِعْ) أَيْ: الْكَافِرُ ذِمِّيًّا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا فَلَا يَدْخُلُهُ لِمَصْلَحَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: ٢٨] وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: ٢٨] أَيْ: فَقْرًا بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْحَرَمِ وَانْقِطَاعِ مَا كَانَ لَكُمْ مِنْ قُدُومِهِمْ مِنْ الْمَكَاسِبِ {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: ٢٨] وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَلَبَ إنَّمَا يُجْلَبُ إلَى الْبَلَدِ لَا إلَى الْمَسْجِدِ نَفْسِهِ (وَلِرَسُولِهِمْ) أَيْ: لِسَمَاعِ كَلَامِهِ (نَدَبْنَا مُسْتَمِعْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ أَيْ: بَعَثْنَا إلَيْهِ مُسْتَمِعًا يَسْتَمِعُ كَلَامَهُ وَيُبَلِّغُهُ لِلْإِمَامِ، فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهِ إلَّا شِفَاهًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ فَلَوْ دَخَلَهُ كَافِرٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلَوْ بَذَلَ مَالًا لِيَدْخُلَهُ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ فَإِنْ أُجِيبُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فَإِنْ دَخَلَ أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْعِوَضُ

ــ

[حاشية العبادي]

لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمْ

(قَوْلُهُ: بِقِتَالٍ) وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ فِي الْعَقْدِ قِتَالَهُ إنْ بَانَ كَذِبُهُ وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) هَذَا التَّعْلِيلُ بِمُفْرَدِهِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ فَارِقًا وَأَمَّا جَوَابُ الشَّارِحِ فَقَدْ يُعَارَضُ بِنَظِيرِهِ بِأَنْ يُقَالَ يُقَالُ مَوْضُوعُ الْجِزْيَةِ التَّأْبِيدُ وَتَفْوِيضُهَا إلَى مَشِيئَةِ الْكَافِرِ يُخْرِجُهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا إلَى مَا يَحْتَمِلُ التَّأْقِيتَ وَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ تَأْبِيدَ عَقْدِ الْهُدْنَةِ لَا سَبِيلَ إلَى تَمَكُّنِ الْكَافِرِ مِنْهُ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا بِخِلَافِ نَقْضِ الْجِزْيَةِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّ الْكَافِرَ يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَكَانَ الشَّرْطُ الْمُحْتَمِلُ لِذَلِكَ مُفْتَقِرًا فِي الْجِزْيَةِ بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْبِيدِ فِي الْهُدْنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِرّ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ مُنْتَفٍ هُنَا) لِصِحَّةِ التَّأْبِيدِ هُنَا (قَوْلُهُ: مَعَ الْجَهْلِ) لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيلِ لِكِفَايَةِ التَّأْقِيتِ فِي الْفَسَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ أَقَّتُوا وَيُجَابُ بِأَنَّ ذِكْرَهُ زِيَادَةٌ فِي اقْتِضَاءِ الْفَسَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا جَرَى فِي الْمُهَادَنَةِ إلَخْ) اُنْظُرْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِرّ (قَوْلُهُ: يَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ بِالْوَحْيِ) قَدْ يُقَالُ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا حِينَ الْعَقْدِ وَالْعِبْرَةُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ بِحَالِ الْعَقْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: أَوْ أَقَّتُوا) أَيْ: صَرِيحًا وَإِلَّا فَفِيمَا قَبْلَهُ تَأْقِيتٌ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ (قَوْلُهُ: وَنَجْرَانَ) مَعَ أَنَّهُ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ: وَوَجٍّ إلَخْ) كَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ عَلَمٌ لِذَلِكَ الْوَادِي وَحِينَئِذٍ تَتَّضِحُ الْأَوْلَوِيَّةُ (قَوْلُهُ: حَرَمِ اللَّهِ مُنِعَ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَيُمْنَعُ الْمُرُورُ بِحَرَمِ مَكَّةَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَى الْبَلَدِ) لَكِنْ الْبَلَدُ بَعْضُ الْحَرَمِ

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>