للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفْهِمُ جَوَازَهَا لِلْمَحْبُوسِ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ حُضُورِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا كَمَا بَيَّنَ الْإِمَامُ، وَالْمَأْمُومُ وَلَوْ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ وَغُسِّلَ فِي يَوْمِهِ بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَلَا عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ أَحْمَدَ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يُصَلِّي عَلَى قَبْرِ غَيْرِهِمْ أَبَدًا وَاحْتَجَّ لَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» وَبِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «الْأَنْبِيَاءُ لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَعْدَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّوَرِ» وَبِأَنَّا لَمْ نَكُنْ أَهْلًا لِلْفَرْضِ وَقْتَ مَوْتِهِمْ وَفِي دَلَالَةِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُدَّعِي نَظَرٌ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ - عَقِبَ بَعْضِهَا - خَبَرًا مَرْفُوعًا «مَرَرْتُ بِمُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَأَرَادَ بِذَلِكَ رَدَّ مَا رَوَاهُ أَوَّلًا قَالَ: وَمِمَّا يَقْدَحُ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ خَبَرُ: «صَلَاتُكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» وَخَبَرُ «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ» اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ السُّبْكِيّ وَابْنِهِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ

وَلَا يُصَلِّي عَلَى الْغَائِبِ وَالدَّفِينِ إلَّا مَنْ كَانَ (مُمَيِّزًا إذْ مَاتَ) أَيْ: وَقْتَ مَوْتِ كُلٍّ مِنْهُمَا، كَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا وَقْتَئِذٍ (قُلْتُ، وَالْأَصَحْ) فِي الْمُحَرَّرِ وَكَتَبَ النَّوَوِيُّ:، وَالْأَشْهَرُ فِي الرَّافِعِيِّ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمَا إلَّا (مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ؛ لِفَرْضِهَا صَلَحْ) إذْ غَيْرُهُ مُتَطَوِّعٌ وَهَذِهِ لَا يُتَطَوَّعُ بِهَا فَيَخْرُجُ الْمُمَيِّزُ كَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَقَضِيَّتُهُ مَنْعُ الْكَافِرِ، وَالْحَائِضِ يَوْمَئِذٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ بَلْ وَلَا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ يَوْمَئِذٍ وَرَأَى الْإِمَامُ إلْحَاقَهُمَا بِالْمُحْدِثِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيطِ اهـ وَقَدْ يُشْكِلُ تَرْجِيحُ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ بِالِاكْتِفَاءِ بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ بِحَضْرَةِ الْمُكَلَّفِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَاعْتِبَارُ الْمَوْتِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ، أَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ. وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ ثَمَّ غَيْرُهُ فَتَرَكَ الْجَمِيعُ فَإِنَّهُمْ يَأْثَمُونَ، بَلْ لَوْ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ الْغُسْلِ، أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَانَ كَذَلِكَ. اهـ.

(فُرُوعٌ) إذَا حَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا، كَمَا لَوْ صَلُّوا كُلُّهُمْ دُفْعَةً وَاحِدَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالسَّاقِطُ بِالْأَوْلَى عَنْ الْبَاقِينَ حَرَجُ الْفَرْضِ لَا هُوَ، وَقَدْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ الشَّيْءِ غَيْرَ فَرْضٍ وَبِالدُّخُولِ فِيهِ يَصِيرُ فَرْضًا كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَاحِدِ خِصَالِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ. اهـ. وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُ إذَا سَقَطَ الْحَرَجُ سَقَطَ الْفَرْضُ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ السُّبْكِيُّ فَقَالَ: فَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ تَتَجَدَّدُ مَصْلَحَتُهُ بِتَكَرُّرِ الْفَاعِلِينَ كَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَحِفْظِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذْ مَقْصُودُهَا الشَّفَاعَةُ لَا يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَرَجُ وَلَيْسَ كُلُّ فَرْضٍ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ مُطْلَقًا اهـ وَلَا يُنْدَبُ إعَادَتُهَا وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ بَلْ يُنْدَبُ تَرْكُهَا إذْ الْمَعَادُ نَفْلٌ وَلَا يُتَنَفَّلُ بِهَا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ

ــ

[حاشية العبادي]

جَازَ، وَأَنَّهُ لَوْ سَهُلَ الْحُضُورُ عِنْدَ الْخَارِجِ عَنْ الْبَلَدِ لِنَحْوِ صِغَرِهَا وَقُرْبِهَا مَثَلًا فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ م ر. (قَوْلُهُ: جَوَازَهَا لِلْمَحْبُوسِ) ، وَكَذَا يُفْهِمُ جَوَازَهَا لِنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ جَازَ) هَلْ يَدْخُلُ مَنْ فِي الْبَلَدِ تَبَعًا، وَقَدْ يُقَاسُ عَدَمُ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا مَعَ حُضُورِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَا قَبْرَ النَّبِيِّ أَحْمَدَ إلَخْ) لَا يَبْعُدُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا دُفِنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَبْرِ م ر. (قَوْلُهُ: لَا يُتْرَكُونَ فِي قُبُورِهِمْ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُتْرَكُونَ دَائِمًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ قَدْ يُفَارِقُونَ قُبُورَهُمْ أَحْيَانًا وَلَا يُنَافِيهِ الِاسْتِدْرَاكُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى تَصْدُقُ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ، كَمَا «أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مَرَّ بِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ كَغَيْرِهِمْ بِلَا صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. (قَوْلُهُ: وَاحْتَجَّ لَهُ إلَخْ) قَضِيَّةُ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَيْضًا م ر وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْعِلَّةُ إنَّمَا هِيَ خَشْيَةُ ضَرَرِ الِافْتِتَانِ فَامْتَنَعَتْ مُطْلَقًا وَلِذَلِكَ أُخِّرَ دَفْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَثْنَاءِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ سم. (قَوْلُهُ: إذْ مَا رَوَاهُ أَوَّلًا) كَانَ الْمُرَادُ بِهِ لَا يُتْرَكُونَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ) كَانَ وَجْهُ النَّظَرُ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي الْقَبْرِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِجَوَازِ أَنْ يُعَادُوا إلَى الْقُبُورِ قُبَيْلَ الْقِيَامِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ يَوْمِ مَوْتِهِ إلَخْ) بَقِيَ مَا لَوْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ ثُمَّ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ امْتِنَاعُ صَلَاتِهِ م ر. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ لَا يَتَطَوَّعُ بِهَا) سَيَأْتِي مَا يَعْلَمُ مِنْهُ مَا فِيهِ وَمِمَّا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ لَزِمَ امْتِنَاعُ صَلَاةِ الْغَيْرِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا عَلَى الْحَاضِرِ غَيْرِ الْمَدْفُونِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ) اعْتَمَدَهُ م ر.

[فَرَعٌ حَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ]

(قَوْلُهُ: كَانَ كَذَاكَ) اعْتَمَدَهُ م ر. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُتِمَّ) كَانَ الْمُرَادُ نِيَّتَهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: مَعْنَاهُ إلَخْ يَعْنِي مَعْنَى كَوْنِهَا لَا يَشْتَغِلُ بِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَفْلٌ عَلَى صُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ يَعْنِي فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ نَفْلٌ عَلَى صُورَتِهَا بِهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُطْلَبْ التَّنَفُّلُ بِهَا مَعَ وُجُودِ الْجِنَازَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ بِهِ إذَا وُجِدَ نَفْلٌ عَلَى صُورَتِهِ وَقَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ أَيْ: لَكِنْ عَدَمُ نَدْبِ إعَادَتِهَا يُنْتَقَضُ وَالْمُرَادُ أَنَّ عَدَمَ نَدْبِ إعَادَتِهَا بِسَبَبِ عَدَمِ التَّنَفُّلِ بِهَا يُنَافِيهِ صَلَاةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُقْتَضَى عَدَمِ نَدْبِ الْإِعَادَةِ لِأَجْلِ أَنَّهَا لَا يُتَنَفَّلُ بِهَا عَدَمُ نَدْبِهَا لِلنِّسَاءِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ، فَعَدَمُ نَدْبِ إعَادَتِهَا لِهَذَا الْمَعْنَى يَنْقُضُهُ وَيُخَالِفُهُ نَدْبُهَا لِلنِّسَاءِ مَعَ تَحَقُّقِ هَذَا الْمَعْنَى فَلْيُتَأَمَّلْ سم

ــ

[حاشية الشربيني]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

<<  <  ج: ص:  >  >>