جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يُؤْتَى بِصُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ، ثُمَّ قَالَ لَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنَّهَا لَهُنَّ نَافِلَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ أُعِيدَتْ الصَّلَاةُ وَقَعَتْ نَافِلَةً وَقَالَ الْقَاضِي: فَرْضًا كَصَلَاةِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَقْبَرَةِ لَا فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَئِمَّتُنَا: بَلْ فِعْلُهَا فِيهِ أَفْضَلُ؛ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِيهِ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ» ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَأَمَّا خَبَرُ «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» فَضَعِيفٌ وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
(وَبَعْدَهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ عَلَيْهِ (يُدْفَنُ) ؛ لِلِاتِّبَاعِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الدَّفْنِ وَاجِبٌ فَيَأْثَمُونَ بِدَفْنِهِ قَبْلَهَا وَإِنْ صَحَّتْ عَلَى قَبْرِهِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُنْبَشُ لِأَجْلِهَا؛ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِالصَّلَاةِ عَلَى قَبْرِهِ وَدَفْنُهُ بِالْمَقْبَرَةِ أَوْلَى؛ لِلِاتِّبَاعِ؛ وَلِنَيْلِ دُعَاءِ الطَّارِقِينَ وَبِأَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ أَوْلَى وَإِنَّمَا دُفِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَدْفِنِهِ؛ وَلِأَنَّهُمْ خَافُوا مِنْ دَفْنِهِ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ التَّنَازُعَ فِيهِ فَتَطْلُبُ كُلُّ قَبِيلَةٍ دَفْنَهُ عِنْدَهُمْ فَلَوْ تَنَازَعَ الْوَرَثَةُ فِي دَفْنِهِ بِالْمُسَبَّلَةِ قُدِّمَ طَالِبُهَا، فَإِنْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ بِدَفْنِهِ فِي الْمَوْرُوثِ فَلِلْبَاقِينَ نَقْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْكَرَاهَةِ بِخِلَافِ الْأَوْلَى وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُدْفَنُ فِي مِلْكِي لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِينَ قَبُولُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِمْ فَلَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَدَفَنَهُ فِي مِلْكِهِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ؛ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَلَيْسَ فِي إبْقَائِهِ إبْطَالُ حَقِّ غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَبِمَا قَالَهُ قَطَعَ فِي التَّتِمَّةِ.
(وَالْأَقَلُّ مَا يَحْرُسُ مِنْ وَحْشٍ، وَرِيحًا كَتَمَا) أَيْ: وَأَقَلُّ مَا يُدْفَنُ فِيهِ حُفْرَةٌ تَحْرُسُ الْمَيِّتَ مِنْ الْوَحْشِ غَالِبًا وَتَكْتُمُ رَائِحَتَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا الْوَحْشِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ؛ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قَالَ: وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ، فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ، فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ انْتَظَرُوا وُصُولَهُ إلَيْهِ لِيَدْفِنُوهُ بِالْبَرِّ، وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: شَدُّهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ؛ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُلْقَى فِي الْبَحْرِ لِيُلْقِيَهُ إلَى السَّاحِلِ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ كُفَّارًا فَقَدْ يَجِدُهُ مُسْلِمٌ يَدْفِنُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَإِنْ أُلْقِيَ فِيهِ بِدُونِ جَعْلِهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَثِقْلٍ لَمْ يَأْثَمُوا.
(وَقَامَةً وَبَسْطَةً تُعْتَدَلُ أَكْمَلُ) أَيْ: وَأَكْمَلُ مَا يُدْفَنُ فِيهِ قَدْرُ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ لِرَجُلٍ مُعْتَدِلِهِمَا بِأَنْ يَقُومَ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ وَقَدْ أَوْصَى عُمَرُ بِذَلِكَ وَالِاحْتِجَاجُ لَهُ بِمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ) يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ إلَى قَوْلِهِ لَا يُنْدَبُ إعَادَتُهَا إذْ الْمُعَادُ نَفْلٌ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُعِيدَتْ) يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ جَوَازُ إعَادَتِهَا بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ، وَالدُّعَاءُ لَا يُعْلَمُ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ بِهِ بِمَرَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ لَوْ عُلِمَ حُصُولُهُ بِهَا أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ بِغَيْرِهَا زِيَادَةٌ فَلْيُرَاجَعْ سم.
(قَوْلُهُ: لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْكَرَاهَةِ
(قَوْلُهُ: وَرِيحًا إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى يَحْرُسُ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبَيَانٌ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: وَبَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ سم. (قَوْلُهُ: وَثِقْلٍ لَمْ يَأْثَمُوا) ظَاهِرُهُ الْإِثْمُ إنْ لَمْ يَثْقُلْ. (قَوْلُهُ: مَرْفُوعَتَيْنِ) أَيْ: كُلٌّ مِنْهُمَا.
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute