للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الْوَصَايَا)

جَمْعُ وَصِيَّةٍ وَهِيَ لُغَةً الْإِيصَالُ مِنْ وَصَى الشَّيْءَ بِكَذَا وَصَلَهُ بِهِ، لِأَنَّ الْمُوصِيَ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ بِخَيْرِ عُقْبَاهُ وَشَرْعًا تَبَرُّعٌ بِحَقٍّ مُضَافٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِتَدْبِيرٍ وَلَا تَعْلِيقِ عِتْقٍ وَإِنْ الْتَحَقَا بِهَا حُكْمًا كَالتَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ الْمُلْحَقِ بِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» أَيْ مَا الْحَزْمُ أَوْ مَا الْمَعْرُوفُ مِنْ الْأَخْلَاقِ إلَّا هَذَا فَقَدْ يَفْجَؤُهُ الْمَوْتُ وَكَخَبَرِ ابْنِ مَاجَهْ «الْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ الْوَصِيَّةَ مَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ مَاتَ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ وَتُقَى وَشَهَادَةٍ وَمَاتَ مَغْفُورًا لَهُ» وَكَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَاجِبَةً لِلْأَقَارِبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِآيَاتِ الْمَوَارِيثِ وَبَقِيَ اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ فَأَقَلَّ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْآتِي وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ لَا يَرِثُ مِنْ قَرَابَتِهِ ثُمَّ يُقَدِّمُ بِالرَّضَاعِ ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ بِالْوَلَاءِ ثُمَّ بِالْجَوَازِ كَالصَّدَقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ مُوصٍ وَمُوصًى لَهُ وَمُوصًى بِهِ وَصِيغَةٌ وَقَدْ أَخَذَ فِي بَيَانِهَا فَقَالَ: (الْحُرُّ ذُو التَّكْلِيفِ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ (أَهْلُ التَّوْصِيَهْ) أَيْ أَهْلُ الْوَصِيَّةِ حُرٌّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَلَوْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَوْ سَفَهٍ أَوْ كَافِرًا وَلَوْ حَرْبِيًّا فَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الرَّقِيقِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَإِنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ وَلَا غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلَا الْمُكْرَهِ.

وَاغْتَنَى كَأَصْلِهِ عَنْ ذِكْرِ الِاخْتِيَارِ بِمَا

ــ

[حاشية العبادي]

بَابُ الْوَصَايَا) (قَوْلُهُ: وَلَوْ تَقْدِيرًا) كَمَا فِي أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِكَذَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ) أَيْ عَظِيمِ (قَوْلُهُ حُرٌّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ) صِحَّةُ وَصِيَّةِ الْمُبَعَّضِ هُوَ مَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ قِيَاسُ كَوْنِهِ يُورَثُ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَسْتَعْقِبُ الْوَلَاءَ، وَالْمُبَعَّضُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ. اهـ.

وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ حِينَئِذٍ حُرٌّ بِكُلِّ حَالٍّ؛ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَعْتِقْ قَبْلَ الْمَوْتِ فَالرِّقُّ يَزُولُ بِالْمَوْتِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ صِحَّةُ إيلَادِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ فِي الْعِتْقِ عَنْ الْإِيلَادِ. وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ لِمَا ذُكِرَ فِي الْمُبَعَّضِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ مُكَاتَبًا)

ــ

[حاشية الشربيني]

[بَابُ الْوَصَايَا]

قَوْلُهُ وَصَلَ خَيْرَ دُنْيَاهُ إلَخْ) الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَصْلُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ، وَحِكْمَةُ الْقَلْبِ الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِ الْعُقْبَى. اهـ. مِنْ هَامِشٍ

(قَوْلُهُ: كَالتَّبَرُّعِ الْمُنَجَّزِ إلَخْ) أَيْ أَوْ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةٍ قُيِّدَتْ بِالْمَرَضِ كَإِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ تُقَيَّدْ بِهِ، وَوُجِدَتْ فِيهِ بِاخْتِيَارِهِ أَيْ السَّيِّدِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَحْسُوبٌ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا فِي الْمَنْهَجِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ.

(قَوْلُهُ: اسْتِحْبَابُهَا فِي الثُّلُثِ) ، وَتُكْرَهُ بِالزَّائِدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ حِرْمَانَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِتَوَقُّفِ الزَّائِدِ عَلَى إجَازَتِهِمْ، وَالثُّلُثُ أَبَاحَهُ الشَّارِعُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا. اهـ. حَجَرٌ، وَكَرْخِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَلَا الْمُكْرَهُ) يُفِيدُ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ كَمَا يُفِيدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ وَأَعْتَقَ إلَخْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ لِدُونِ سِتَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>