للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلَ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ نِدَاءُ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدٍ (يَرْجِعُوا) إلَى السَّوَادِ (قَبْلَ الْجُمَعْ) أَيْ: قَبْلَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَهَا وَحَضَرُوا لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَوْمٍ وَاحِد، فَصَلَّى الْعِيدَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَشْهَدَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَلْيَفْعَلْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمِكُمْ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ، فَلْيَنْصَرِفْ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا بِعَدَمِ الرُّجُوعِ، أَوْ بِالْعَوْدِ إلَى الْجُمُعَةِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالْمَشَاقِّ

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ) لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مِنْ خَسَفَتْ حَالُهُ أَيْ: تَغَيَّرَتْ فَالْخُسُوفُ يُقَالُ لَهُمَا كَالْكُسُوفِ وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ، وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ وَقِيلَ: الْخُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْكُسُوفُ آخِرُهُ، وَقَدْ اسْتَعْمَلَ النَّاظِمُ اللُّغَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي الْبَابِ غَيْرَ مَرَّةٍ يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَكُسِفَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَانْكَسَفَتْ وَخَسَفَتْ وَخُسِفَتْ وَانْخَسَفَتْ كَذَلِكَ قَالَ أَرْبَابُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ: كُسُوفُ الشَّمْسِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنَّهَا لَا تَتَغَيَّرُ فِي نَفْسِهَا وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا، وَنُورُهَا بَاقٍ.

وَأَمَّا خُسُوفُ الْقَمَرِ فَحَقِيقَةٌ، فَإِنَّ ضَوْءَهُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَكُسُوفَهُ بِحَيْلُولَةِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَهُ بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ ضَوْءٌ أَلْبَتَّةَ، فَكُسُوفُهُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ حَقِيقَةً وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: ٣٧] أَيْ: عِنْدَ كُسُوفِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ عِبَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُمَا فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِمَا بِالنَّهْيِ وَالْمُرَادُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا سُنَّةٌ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا أَرَادَ بِهِ كَرَاهَةَ تَرْكِهَا لِتَأَكُّدِهَا لِيُوَافِقَ كَلَامَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْ يُوصَفُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مِنْ جِهَةِ إطْلَاقِ الْجَائِزِ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ (صَلَّى) الشَّخْصُ نَدْبًا وَإِنْ فَاتَتْ شُرُوطُ الْجُمُعَةِ صَلَاةَ (الْخَسُوفَيْنِ بِرَكْعَتَيْنِ) وَ (زَادَ) فِيهِمَا فِيهِمَا (رُكُوعَيْنِ وَقَوْمَتَيْنِ) رُكُوعًا وَقَوْمَةً فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَرُكُوعًا وَقَوْمَةً فِي الثَّانِيَةِ فَيُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ

ــ

[حاشية العبادي]

لَمْ يَرْجِعُوا بَلْ اسْتَمَرُّوا حَتَّى دَخَلَ، وَقْتُ الْجُمُعَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ م ر (قَوْلُهُ: اجْتَمَعَ عِيدَانِ إلَخْ.) لَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ، بِالْعِيدِ فِيمَا ذُكِرَ الْكُسُوفُ إذَا اتَّفَقَ حُصُولُهُ أَوَّلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَحَضَرَ أَهْلُ السَّوَادِ لَهُ

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ) (قَوْلُهُ: لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرُ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقَ كُسُوفِ النُّجُومِ بِكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي الصَّلَاةِ، وَنُوزِعَ بِأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِتَغْيِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ الْهَيْئَةِ الْمَشْهُورَةِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كُسُوفِ النُّجُومِ، نَعَمْ كُسُوفُهَا كَالزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَيُصَلِّي لَهُ فُرَادَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ لَمْ تَتَعَدَّدْ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً جَوَّزَهَا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ جَمِيعًا مَعَ عَدَمِ التَّوْقِيفِ فِيهِمَا بَلْ فِي أَحَدَيْهِمَا وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً لِكِنَّهِ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي وَالظَّاهِرُ اتِّفَاقُ صَلَاتَيْهِمَا كَيْفِيَّةً.

(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) رَاجِعٌ لِمَا قَبْلَهُ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ عَلَى تَقْدِيرِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى النَّظَرِ فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ وَلَعَلَّ مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ احْتِمَالَ إرَادَةِ النَّهْيِ عَنْ عِبَادَتِهِمَا، وَلَا يَقْدَحُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُمَا لِجَوَازِ تَخْصِيصِهِمَا بِحِكْمَةٍ تَقْتَضِيهِ

ــ

[حاشية الشربيني]

[بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ]

(بَابُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ) (قَوْلُهُ: يُقَالُ إلَخْ) فَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْقَمَرُ إلَخْ) هَذَا أَمْرٌ عَادِيٌّ فَقَدْ يَقَعُ كُلٌّ بِدُونِ الْحَيْلُولَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي غَيْرِ الزَّمَنِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَاشِرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ يَوْمَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ ابْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَنَةِ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَاتَ وَعُمْرُهُ سَبْعُونَ يَوْمًا عَلَى الصَّحِيحِ وَيَوْمَ عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْقَمَرُ يَحُولُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ هَذَا مَعَ صِغَرِ جِرْمِهِ بِالنِّسْبَةِ لِجِرْمِهَا بِكَثِيرٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ جِرْمِهَا رُؤْيَتُهَا بَلْ يَتَخَلَّفُ عِنْدَ قُرْبِ الْحَاجِبِ مِنْ النَّاظِرِ كَمَا يَعْلَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى عَيْنَيْهِ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِنُقْطَةِ التَّقَاطُعِ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمَا. (قَوْلُهُ: كَرَاهَةَ تَرْكِهَا لِتَأَكُّدِ الطَّلَبِ) وَتَأَكُّدُهُ فِي النَّدْبِ يَقُومُ مَقَامَ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ فِي اقْتِضَاءِ الْكَرَاهَةِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ حَجَرٌ بج. (قَوْلُهُ: صَلَّى إلَخْ) أَيْ: مَعَ تَعْيِينِ الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ وَإِذَا اخْتَارَ كَيْفِيَّةً تَعَيَّنَتْ قَالَهُ شَيْخُنَا وقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ الْوُصُولِ لِمَا يُعَيِّنُهَا كَالْقِيَامِ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الرُّكُوعَيْنِ وَالْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُخْرَى وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فَيَنْوِي مَا هُوَ فِيهِ وَتَنْصَرِفُ نِيَّتُهُ الْمُطْلَقَةُ إلَيْهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ فِي هَذِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِ خِلَافِهِ تَخَالُفَ نَظْمِ الصَّلَاتَيْنِ وَقَدْ مَرَّ مَنْعُهُ. اهـ. ق ل وَفِيهِ أَنَّهُ مَرَّ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي تَدَبَّرْ. وَنَقَلَ سم عَنْ م ر اخْتِيَارَ انْعِقَادِ نِيَّتِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>