ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّي ثَانِيَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَهَذَا أَقَلُّهَا أَيْ: إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَإِلَّا فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ صَحَّتْ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ أَخْذًا مِنْ خَبَرِ قَبِيصَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ رَكْعَتَيْنِ» وَخَبَرِ النُّعْمَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيُسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِيهِمَا رَكْعَتَيْنِ لَا يُنَافِي أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا رُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ: فِي تَوْشِيحِهِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: الرَّكْعَتَانِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَدْنَى الْكَمَالِ الْمُأْتَى فِيهِ بِخَاصِّيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِدُونِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ تُؤَدَّى أَصْلُ سُنَّةِ الْكُسُوفِ فَقَطْ.
(وَالْمَسْجِدُ) وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ هُوَ (الْأَوْلَى بِهَا لَا الصَّحْرَا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِشَرَفِهِ؛ وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ يُعَرِّضُهَا لِلْفَوَاتِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ صَلَاتَيْ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْعِيدِ إظْهَارُ الزِّينَةِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ رُؤْيَةُ مَبَادِئِ الْغَيْثِ فَيُتَعَجَّلُ السُّرُورُ.
وَأَمَّا أَكْمَلُهَا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَالْأَرْبَعُ الطِّوَالُ فِيهَا يَقْرَا) أَيْ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ فِي الصَّلَاةِ (حَالَ الْقِيَامَاتِ) السُّوَرَ الْأَرْبَعَ الطِّوَالَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءَ وَالْمَائِدَةَ إنْ أَحْسَنَهَا، وَإِلَّا فَقَدْرَهَا فَيَقْرَأُ الْبَقَرَةَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَآلَ عِمْرَانَ، أَوْ قَدْرَهَا فِي الثَّانِي، وَالنِّسَاءَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الثَّالِثِ وَالْمَائِدَةَ أَوْ قَدْرَهَا فِي الرَّابِعِ ذَكَرَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَفِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ: يَقْرَأُ فِي الْأَوَّلِ الْبَقَرَةَ وَفِي الثَّانِي كَمِائَتَيْ آيَةٍ مِنْهَا وَفِي الثَّالِثِ كَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَفِي الرَّابِعِ كَمِائَةٍ أَيْ: مِنْ آيَاتِهَا الْوَسَطِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا: وَلَيْسَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ بَلْ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّقْرِيبِ قَالَ السُّبْكِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَتْ بِالْأَخْبَارِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَيْ: إذَا شَرَعَ فِيهَا بِنِيَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَكِنْ أَفْتَى شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ انْعَقَدَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ وَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الْوَتْرِ انْحَطَّتْ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْكَمَالِ. اهـ. وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فَعَلَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَإِنَّمَا يَزِيدُ إنْ نَوَاهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا صِحَّةَ إطْلَاقِ الْمَأْمُومِ بِنِيَّةِ الْكُسُوفِ، خَلْفَ مَنْ جَهِلَ، هَلْ نَوَاهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النِّيَّةِ صَالِحٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيَنْحَطُّ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْإِمَامُ أَوْ اخْتَارَهُ بَعْدَ إطْلَاقِهِ مِنْهُمَا لِوُجُوبِ تَبَعِيَّتِهِ لَهُ وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ فَارَقَهُ عَقِبَ الْإِحْرَامِ وَجَهِلَ مَا قَصَدَهُ أَوْ اخْتَارَهُ فَيُتَّجَهُ الْبُطْلَانُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا أَفْتَى بِهِ فِي الْكُسُوفِ وَفِي الْوَتْرِ بِاسْتِوَاءِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْأَوَّلِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الصِّفَةُ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَإِذَا أَطْلَقَ الْمَأْمُومُ نِيَّتَهُ خَلْفَ مَنْ قَصَدَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَعْرُوفَةَ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ فَتْوَى شَيْخِنَا وَأَرَادَ الْمَأْمُومُ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَأَنْ يُصَلِّيَهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالصِّحَّةُ مُحْتَمَلَةٌ وَإِنْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَا دَامَ فِي الْقُدْرَة وَيَحْتَمِلُ الْمَنْعُ وَأَنَّ نِيَّتَهُ خَلْفَ مَنْ نَوَى الْكَيْفِيَّةَ الْمَعْرُوفَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ عَنْهَا وَإِنْ فَارَقَ.
(قَوْلَهُ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ إلَخْ) اعْتَرَضَ عَلَى الْأَخْذِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَدَلَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ بِالزِّيَادَةِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّهَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمَّا نُقِلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيهِمَا رَكْعَتَيْنِ) أَيْ: فِي الْخَبَرَيْنِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ) لَوْ لَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُ الْجَمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ الْأَوْلَى تَعَدُّدُهَا فِيهِ وَفِي مَوَاضِعِ الْبَلَدِ أَوْ الْخُرُوجُ إلَى الصَّحْرَاءِ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الْأَوَّلُ قَالَ فِي الْعُبَابِ: وَتَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبَلَدِ. اهـ. أَيْ: وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ بِالْمَنْعِ كَالْجُمُعَةِ.
(قَوْلُهُ: الْأَوْلَى بِهَا) لَمْ يَقُلْ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَ فِيمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَخْ) قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ فِعْلَهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْبَلَدِ أَوْلَى مِنْ الصَّحْرَاءِ أَيْضًا. (قَوْلُهُ: صَلَاتَيْ الْعِيدِ) حَيْثُ كَانَ الْمَسْجِدُ أَوْلَى بِهِمَا إنْ اتَّسَعَ لَا مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ: يَقْرَأُ) يُمْكِنُ نَصْبُهُ " بِأَنْ " مَحْذُوفَةٍ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا بَلْ هُوَ قِيَاسٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ فَيَكُونُ أَنْ وَالْفِعْلُ عَطْفًا عَلَى الْمَسْجِدُ وَكَذَا أَنْ يُسَبِّحَا الْآتِي أَيْ: وَالْأَوْلَى الْمَسْجِدُ وَأَنْ يَقْرَأَ وَأَنْ يُسَبِّحَا وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً لَفْظًا إنْشَائِيَّةً مَعْنًى مُعْتَرِضَةً بَيْنَ أَنْ يُسَبِّحَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: إذَا شَرَعَ إلَخْ) فَلَوْ أَطْلَقَ قِيلَ: يَتَخَيَّرُ وَقِيلَ: يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ وَقِيلَ: عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ. (قَوْلُهُ: رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد) لَكِنْ زَادَ النَّسَائِيّ «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ هَذِهِ» وَلِلْحَاكِمِ نَحْوُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَمَانِعٌ مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ. اهـ. حَجَرٌ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ: الْأَوْلَى) أَيْ: وَإِنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا فَاتَتْ بِالْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَلِذَا صَرَّحَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّنْظِيفُ لَهَا بِالْحَلْقِ وَالْقَلْمِ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ لِلْوَقْتِ. اهـ. عَمِيرَةُ سم.
(قَوْلُهُ: الْبُوَيْطِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى بُوَيْطٍ قَرْيَةٌ بِصَعِيدِ مِصْرَ الْأَدْنَى وَهُوَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ يَحْيَى الْقُرَشِيُّ كَانَ خَلِيفَةَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَلْقَتِهِ مَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. اهـ. ق ل. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمُحَقَّقِ) أَيْ: الْمُتَبَايَنِ بِمَعْنَى أَنَّ بَعْضَهُمْ عَيَّنَ هَذَا دُونَ ذَلِكَ