بِالصَّلَاةِ فِي عَرْصَتِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّةُ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبِهِ جَزَمَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّهُ مُنْقَطِعُ الْآخِرِ أَيْ: فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَحَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَجْهًا وَحَكَى فِيهَا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَصَالِحِ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَمَصَالِحِهِ لَكَانَ أَقْرَبَ (قُلْت وَحِفْظُ النُّقْضِ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ: نُقْضِ الْمَسْجِدِ (خَوْفًا) أَيْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي الْفَسَادِ (جَيِّدُ) فَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ نُقِضَ وَحُفِظَ نَقْضُهُ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَعْمُرَ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَعْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ وَحَوْضٍ كَالْعَكْسِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى نَقْضِهِ لَمْ يُنْقَضْ.
(بَابُ الْهِبَةِ) وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] وَأَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الرُّجُوعِ فِيهَا وَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» أَيْ ظِلْفَهَا وَخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «لَوْ دُعِيتُ إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ» وَالْكُرَاعُ قِيلَ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وَهُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ أَمَامَ عُسْفَانَ بِثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ جَبَلٌ أَسْوَدُ فِي طَرَفِ الْحَرَّةِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي وَرَجَّحَا أَنَّهُ كُرَاعُ الْغَنَمِ لِأَجْلِ ذِرَاعِ الشَّاةِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْت وَلَوْ دُعِيت عَلَيْهِ لَأَجَبْت.» وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ عَاقِدٌ وَمَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَصِيغَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا وَهِيَ لُغَةً: إعْطَاءُ شَيْءٍ بِلَا عِوَضٍ، وَشَرْعًا: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (الْهِبَةُ) أَيْ: بِلَا ثَوَابٍ وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضْ) فِي الْحَيَاةِ
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ أُهْدِيَ لِغَنِيٍّ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ عَقِيقَةٍ، فَإِنَّهُ هِبَةٌ وَلَا تَمْلِيكَ فِيهِ، وَيُجَابُ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَا تَمْلِيكَ فِيهِ بَلْ فِيهِ تَمْلِيكٌ لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَخْ) الَّذِي حَرَّرَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ وَحُمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَقْوَالِ هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى حَالَةٍ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ تَوَقَّعَ عَوْدَهُ حُفِظَتْ غَلَّتُهُ وَإِلَّا صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ اهـ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الرَّوْضِ قُبَيْلَ الْبَابِ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْوَقْفِ مَا نَصُّهُ وَإِنْ وَقَفَهَا أَيْ دَارِهِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَيْ: أَوْ نَحْوِهِ كَالرِّبَاطِ صَحَّ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمَصْرِفَ أَيْ: مِنْ عِمَارَتِهِ أَوْ دَهَنَ سِرَاجَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا وَكَانَ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَصَالِحِهِ. اهـ. وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ ذَلِكَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَمَا حَرَّرَهُ شَيْخُنَا فِيهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ أَنْ تُصْرَفَ الْغَلَّةُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَكَيْفَ صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْمَسَاجِدِ لَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ تَحْرِيرِ شَيْخِنَا أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ وَلَمْ تُوجَدْ أَقَارِبُ الْوَاقِفِ صُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَتَأَمَّلْ سم وَقَوْلُهُ: صُرِفَتْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ يَنْبَغِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ أَرْبَابَ شَعَائِرِ الْأَوَّلِ إنْ تَمَكَّنُوا مِنْ إقَامَتِهَا فِي الثَّانِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ اسْتَحَقُّوا الْجَامِكِيَّةِ مِنْ الْغَلَّةِ الْمَنْقُولَةِ بِإِقَامَتِهَا فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إقَامَتِهَا فِي الثَّانِي كَأَنْ مَنَعَ إمَامُهُ إمَامَ الْأَوَّلِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَخَطِيبُهُ خَطِيبَ الْأَوَّلِ مِنْ الْخُطْبَةِ كَانُوا كَالْمُكْرَهِينَ عَلَى تَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ فَيَسْتَحِقُّونَ الْجَامِكِيَّةِ م ر
. (بَابُ الْهِبَةِ) . (قَوْلُهُ الْهِبَةُ التَّمْلِيكُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ) هَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَاصِلُ الْهِبَةُ بِلَا عِوَضٍ هِيَ التَّمْلِيكُ بِلَا عِوَضٍ وَفِيهِ سَمَاجَةٌ فَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَانَ أَقْعَدَ وَأَجْزَلَ فَتَأَمَّلْهُ سم وَكَتَبَ أَيْضًا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ أَيْضًا أَوْرَدَ مَا لَوْ وَقَفَ شَيْئًا فَإِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَأَنَّهُ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ وَإِطْلَاقُهُمْ
[حاشية الشربيني]
لَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَلَوْ مُطْلَقًا فِي تَزْوِيقٍ وَنَقْشٍ وَنَحْوِهِمَا بَلْ الْوَقْفُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يَجُوزُ سِرَاجٌ لَا نَفْعَ فِيهِ وَلَوْ عُمُومًا وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ احْتِرَامًا. (قَوْلُهُ: وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ حِينَئِذٍ) أَيْ: إنْ لَمْ يُرْجَ عَوْدُهُ وَإِلَّا وَجَبَ حِفْظُ غَلَّتِهِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ
[بَابُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ]
. (بَابُ الْهِبَةِ) . (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ: بِالْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّوْزِيعِ. (قَوْلُهُ: أَيْ: ظِلْفَهَا) أَيْ الْمَشْوِيَّ. اهـ. جَمَلٌ. (قَوْلُهُ: كُرَاعِ الْغَنَمِ) هُوَ طَرَفُ رِجْلِهَا كَمَا أَنَّ ذِرَاعَهَا طَرَفُ يَدِهَا وَهُوَ أَكْثَرُ لَحْمًا مِنْ الْكُرَاعِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ يُعَبِّرُونَ بِالْكَارِعِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: إعْطَاءُ شَيْءٍ) أَيْ: وَلَوْ نَجِسًا فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَا كَانَ بِصِيغَةٍ وَهِيَ الْهِبَةُ الْخَاصَّةُ لَكِنَّ هَذَا فِي إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ فَتَنْصَرِفُ إلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ. اهـ. شَرْحُ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَمْنَعُ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الْمُهْدَى مِنْ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ الْعَقِيقَةِ الْمُمْتَنِعِ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْفُقَرَاءِ فَهُوَ عَارِضٌ وَلَيْسَ لَازِمًا لِكُلِّ هَدِيَّةٍ. اهـ. رَشِيدِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَيْضًا لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ) لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَكْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute