بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ قَصْرًا عَلَى الرُّخْصَةِ الْوَارِدَةِ
وَيَمْتَدُّ وَقْتُ كَرَاهَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ (إلَى ارْتِفَاعٍ) لَهَا (وَهْوَ) أَيْ ارْتِفَاعُهَا (بِالتَّقْرِيبِ كَالرُّمْحِ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَسَافَةُ طَوِيلَةٌ جِدًّا وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْرِيبِ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ (وَ) وَقْتُ كَرَاهَةِ الِاسْتِوَاءِ إلَى (الزَّوَالِ) عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ (وَ) وَقْتُ كَرَاهَةِ الِاصْفِرَارِ إلَى (الْغُرُوبِ) أَيْ تَمَامِهِ فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ
(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الْأَذَانِ) وَالْإِقَامَةُ: الْأَذَانُ وَالْأُذَيْنُ وَالتَّأْذِينُ لُغَةً: الْإِعْلَامُ قَالَ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] وَشَرْعًا: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ يُعْلَمُ بِهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩] وَقَوْلُهُ {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٥٨] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ» وَفِي أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيَضْرِبَ بِهِ النَّاسُ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ فَقَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقَالَ نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَوَلَا أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْت بَلَى فَقَالَ: تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. إلَى آخِرِ الْأَذَانِ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. اللَّهُ أَكْبَرُ. إلَى آخِرِ الْإِقَامَةِ فَلَمَّا أَصْبَحْت أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرْته بِمَا رَأَيْت فَقَالَ إنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ: وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِلَّهِ الْحَمْدُ» .
(يُسَنُّ) الْأَذَانُ عَلَى الْكِفَايَةِ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَالُوا: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّهُ إعْلَامٌ بِالصَّلَاةِ
ــ
[حاشية العبادي]
(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْآذَانِ) (قَوْلُهُ مَخْصُوصٌ) هَذَا الْمُعَرَّفُ مِنْ أَفْرَادِهِ الْآذَانُ الْمَسْنُونُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ وَأَنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ لِلصَّلَاةِ فَلَا وَجْهَ لِزِيَادَةِ بَعْضِهِمْ قَيْدَ أَصَالَةٍ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَيْدَ لَا يُخْرِجُهُ إذْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ لِلصَّلَاةِ أَصَالَةً أَيْ أَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْهُ الْإِعْلَامُ فَتَدَبَّرْهُ، هَذَا إنْ أَرَادَ مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الِاحْتِرَازِ، وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ دُخُولِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاحْتِرَازَ عَنْ خُرُوجِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَاخِلٌ بِدُونِ هَذَا الْقَيْدِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَتِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ إلَخْ) أَيْ بَعْدَمَا عَلِمَ الْخَبَرَ (قَوْلُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ) أَيْ مَعَ التَّعَدُّدِ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَيْنِ (قَوْلُهُ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ) أَتَى بِصِيغَةِ التَّبَرِّي لِأَنَّ؛ فِي الْقِيَاسِ نَظَرًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِشْعَارَ فِي الْفَرْعِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ وَلِأَنَّ، تَرْكَهُ فِي بَابِ الْجَمْعِ لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ وَاقِعَةَ حَالٍ فَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَرْكَهُ مَنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَلِأَنَّ تَرْكَ ذِكْرِ بَعْضِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ قَدْ اعْتَذَرُوا عَنْ تَرْكِهِ بِأَنَّهُ كَانَ
[حاشية الشربيني]
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةُ]
فَصْلٌ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ الْأَذَانِ إلَخْ) قِيلَ إنَّهُ وَرَدَ حَدِيثٌ بِأَنَّهُ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ اهـ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَأَوَّلُ ظُهُورِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا قِيلَ أَنَّهُمَا شُرِعَا قَبْلُ أَيْ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَذَّنَ وَأَقَامَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ فِيهِ وَلَا مَا قِيلَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَآهُمَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فِي السَّمَاءِ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُمَا لَا تَقْتَضِي مَشْرُوعِيَّتَهُمَا اهـ (قَوْلُهُ الْأَذَانِ) هُوَ مِنْ آذَنَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ أَوْ أَذَّنَ بِتَشْدِيدِ الذَّالِ بِمَعْنَى أَعْلَمَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَالْأَذَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الِاسْتِمْتَاعُ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَيْهِ وَمِنْهُ مَا أَذَّنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذَّنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ (قَوْلُهُ الْأَذَانُ وَالْأُذَيْنُ) هُمَا اسْمَا مَصْدَرٍ، وَهُوَ التَّأْذِينُ ع ش (قَوْلُهُ وَشَرْعًا قَوْلٌ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ لِلْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: قَوْلٌ مَخْصُوصٌ) أَيْ الْإِتْيَانُ بِقَوْلِ إلَخْ فَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقِيلَ إنَّ مَا هُنَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ فَيَكُونُ بِحَسَبِ الْأَصْلِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الشَّيْءِ فِي سَبَبِهِ مَجَازًا ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهِ لَكِنَّ عَلَى هَذَا قَوْلَهُمْ سُنَّ أَذَانٌ أَيْ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ لِلْفِعْلِ لَا لِلَّفْظِ. اهـ. ع ش وسم (قَوْلُهُ لَمَّا أَمَرَ) عِبَارَةُ حَجَرٍ لَيْلَةَ تَشَاوَرُوا فِيمَا يَجْمَعُ النَّاسَ، وَهِيَ تُفِيدُ عَدَمَ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي سِيرَةِ الشَّامِيِّ «أَنَّهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقِيلَ انْصِبْ رَايَةً وَلَمْ يُعْجِبْهُ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ، وَهُوَ الْبُوقُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَقَالُوا لَوْ رَفَعْنَا نَارًا فَقَالَ ذَاكَ لِلْمَجُوسِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ» قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا النِّدَاءُ غَيْرُ الْأَذَانِ كَانَ شُرِعَ قَبْلَهُ قَالَ الْحَافِظُ حَجَرٌ هُوَ الصَّلَاةُ جَامِعَةً اهـ
(قَوْلُهُ فَقَالَ إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إلَخْ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُ الْأَذَانِ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ مَعَ أَنَّ رُؤْيَا غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لِاحْتِمَالِ مُقَارَنَةِ الْوَحْيِ لِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَأَبِي دَاوُد «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَهُ إلَّا أَذَانُ بِلَالٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ» ، وَالْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ بِاجْتِهَادِهِ، وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَحْكَامِ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ فِي الْأُصُولِ اهـ ع ش بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ قَالُوا إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَعَّفَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ شِعَارٌ ظَهَرَ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَفِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّهُ دَعَا إلَى مُسْتَحَبٍّ، وَهَذَا إلَى وَاجِبٍ، وَالثَّانِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَأَنَّ الْوُجُوبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُوَالِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ، وَإِلَّا اكْتَفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute