أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا» وَفِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ» وَأُلْحِقَ بِالْحَمَّامِ مَوَاضِعُ الْخَمْرِ وَالْمَكْسِ وَالْحَانَةِ وَالْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالْحُشُوشِ.
وَالْمَعْنَى فِي الْكَرَاهَةِ فِيهَا أَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَفِي الْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ نَجَاسَتُهَا فِيمَا يُحَاذِي الْمُصَلِّي، وَفِي الطُّرُقِ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِمُرُورِ النَّاسِ فِيهَا وَقَطْعِ الْخُشُوعِ وَفِي الْوَادِي خَوْفُ السَّيْلِ السَّالِبِ لِلْخُشُوعِ فَإِنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ سَيْلٌ فَتُحْتَمَلُ الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا، كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ اخْتِصَاصِهَا بِالْوَادِي الَّذِي نَامَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ مَعَهُ عَنْ الصُّبْحِ وَقَالَ: «اُخْرُجُوا بِنَا مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ بِهِ شَيْطَانًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَى الشَّيْطَانِ وَفِي عَطَنِ الْإِبِلِ نِفَارُهَا السَّالِبُ لِلْخُشُوعِ وَأُلْحِقَ بِهِ مَأْوَاهَا لَيْلًا لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيهِ بِخِلَافِ عَطَنِ الْغَنَمِ وَمَرَاحِهَا أَيْ مَأْوَاهَا لَيْلًا، وَالْبَقَرُ كَالْغَنَمِ قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَخَرَجَ بِمَا نُبِشَتْ الْمَزِيدُ عَلَى الْحَاوِي مَا إذَا نُبِشَتْ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا مَا لَمْ يَحِلَّ طَاهِرٌ، وَالْمَشْكُوكُ فِي نَبْشِهَا كَاَلَّتِي مَا نُبِشَتْ قَالَ فِي التَّوْشِيحِ: وَتُسْتَثْنَى مَقْبَرَةُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا أَفْتَى بِهِ الْأَخُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ.
وَعُرِضَ عَلَى وَالِدِهِ فَصَوَّبَهُ انْتَهَى وَلَا يُشْكِلُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا مَسَاجِدَ أَخَصُّ مِنْ مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَخَصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ عَنْ الْأَعَمِّ. قَالَ فِي التَّحْقِيقِ وَيَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّي مُتَوَجِّهًا إلَى قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُكْرَهُ إلَى غَيْرِهِ وَمُسْتَقْبِلَ آدَمِيٍّ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ غَالِبًا وَيُقَاسُ بِمَا قَالَهُ فِي قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَائِرُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ
ثُمَّ بَيَّنَ أَوْقَاتَ النَّهْيِ فَقَالَ (مِنْ بَعْدِ) أَيْ تُكْرَهُ وَتَبْطُلُ كُلُّ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا بَعْدَ فِعْلِ (فَرْضِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ) أَدَاءً وَلَوْ بِجَمْعِ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ (إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) فِي الصُّبْحِ (وَحَتَّى تَأْفُلَا) أَيْ وَإِلَى أَنْ تَغْرُبَ فِي الْعَصْرِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَخَرَجَ بِفَرْضِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ سُنَّتُهُمَا، فَلَا كَرَاهَةَ بَعْدَ فِعْلِهَا
(وَ) تُكْرَهُ وَتَبْطُلُ أَيْضًا (بِالطُّلُوعِ) أَيْ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ (وَ) مَعَ (اسْتِوَاءِ دَارِهَا) بِأَنْ تَصِيرَ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ (لَا يَوْمَ جُمُعَةٍ) لِحَاضِرِهَا وَغَيْرِهِ، فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ (وَبِاصْفِرَارِهَا) أَيْ وَمَعَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَاسْتِثْنَاءُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَفِيهِ: «أَنَّ جَهَنَّمَ لَا تُسَجَّرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» أَيْ لَا تُوقَدُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مُرْسَلًا لِاعْتِضَادِهِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَحَبَّ التَّبْكِيرَ إلَيْهَا ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَخَصُّوا الِاسْتِثْنَاءَ بِالِاسْتِوَاءِ دُونَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ الْحَانَةَ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُبَاعُ فِيهِ الْخَمْرُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ بِرّ (قَوْلُهُ مَا إذَا نُبِشَتْ) فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا أَنْبِيَاءُ وَغَيْرُ أَنْبِيَاءَ لَا كَمَا تُوُهِّمَ أَنَّهَا إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهَا لِأَنَّ؛ بَرَكَةَ الْأَنْبِيَاءِ تَمْنَعُ ظُهُورَ الصَّدِيدِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا خَرْقًا لِلْعَادَةِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ وُقُوعُهُ. (قَوْلُهُ: مَأْوَاهَا لَيْلًا) أَيْ حَيْثُ لَا نَجَاسَةَ فِيهَا يُحَاذِيهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ؛ اتِّخَاذَهَا أَخَصُّ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ تَقْيِيدِ النَّهْيِ بِالِاتِّخَاذِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِهِمْ أَوْ إلَيْهَا مُسْتَقْبِلًا إيَّاهَا، أَمَّا الصَّلَاةُ بَيْنَهَا لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَخَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النَّهْيِ وَبِأَنَّ انْتِفَاءَ الْكَرَاهَةِ مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَةُ لَا يُنَافِي النَّهْيَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُتَوَجِّهًا إلَى قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) نَعَمْ تَحْرُمُ بِقَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَبِيٍّ تَبَرُّكًا أَوْ إعْظَامًا حَجَرٌ (قَوْلُهُ إلَى قَبْرِهِ إلَخْ) ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَبَرُّكًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ وَمُسْتَقْبِلَ آدَمِيٍّ) هَلْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِاسْتِقْبَالِ ظَهْرِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ يُشْكِلُ مَعَ تَعَدُّدِ صُفُوفِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ مَعَ أَنَّ كُلَّ صَفٍّ مُسْتَقْبِلُ ظُهُورِ الصَّفِّ الَّذِي أَمَامَهُ إلَّا أَنْ يُغْتَفَرَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ
(قَوْلُهُ فَلَا كَرَاهَةَ بَعْدَ فِعْلِهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ فَلَا يُنَافِي مَا جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَيْنَ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَفَرْضِهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قُلْنَا: كَثْرَةُ النَّجَاسَةِ فَلَا اهـ (قَوْلُهُ مَوَاضِعَ الْخَمْرِ) وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فِيهِ (قَوْلُهُ وَالْمَقْبَرَةِ) أَيْ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَاذِيَةً لَهُ أَوْ قَرِيبَةً مِنْهُ عُرْفًا فَلَوْ صَلَّى بِمَكَانٍ مِنْهَا لَا نَجَاسَةَ فِيهِ وَلَا قَرِيبَةٍ مِنْهُ عُرْفًا لَمْ يُكْرَهْ. اهـ. م ر وَحَجَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَ الْمَقْبَرَةِ فِي ذَلِكَ الْمَجْزَرَةُ وَالْمَزْبَلَةُ اهـ (قَوْلُهُ مَقْبَرَةُ الْأَنْبِيَاءِ) وَمِثْلُهُمْ الشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ م ر (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا مَسَاجِدَ أَخَصُّ) وَ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى عِبَادَتِهِمْ كَمَا وَقَعَ وَهُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَوَجِّهًا إلَخْ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ التَّعْظِيمَ أَوْ التَّبَرُّكَ أَوْ نَحْوَهُمَا أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَوْ كَانَ قَبْرَ نَبِيٍّ مَا لَمْ يَقْصِدْ التَّعْظِيمَ أَوْ التَّبَرُّكَ، وَإِلَّا حَرُمَ. اهـ. م ر وَحَجَرٌ
(قَوْلُهُ مِنْ بَعْدِ فَرْضِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مُغْنِيَةً عَنْ الْقَضَاءِ. اهـ.
شَوْبَرِيٌّ. اهـ. عَطِيَّةُ الْأُجْهُورِيُّ بِهَامِشِ الْبُجَيْرِمِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ
(قَوْلُهُ وَخَصُّوا إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. اهـ.