دَيْنِي مِنْ هَذَا الْمَالِ هَلْ يَتَعَيَّنُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ تَعَيُّنُهُ وَإِلَيْهِ يُومِئُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: لَوْ مَاتَ أَقَارِبُهُ دُفْعَةً قُدِّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ يُسْرِعُ فَسَادُهُ فَإِنْ اسْتَوَوْا قُدِّمَ الْأَبُ، ثُمَّ الْأُمُّ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ مِنْ الِابْنَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ أَسَنُّهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَيُقْرَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَ الْإِقْرَاعِ بِالْفَضْلِ.
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَقَالَ (وَرَجُلٌ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَمَلَ) مُقَدَّمَ الْجِنَازَةِ بِأَنْ يَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِيهِ وَالْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَاهِلِهِ وَحَمَلَ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَاحِدَةً وَلَا يَتَوَسَّطُهُمَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ فَحَامِلُهَا ثَلَاثَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ " الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ " (وَحَيْثُ لَمْ يَنْهَضْ) أَيْ: الْمُتَقَدِّمُ (بِمَا قَدْ صَنَعَهْ) مِنْ حَمْلِهِ مُقَدَّمَ الْمَيِّتِ (فَاثْنَانِ) يَحْمِلَانِهِ (خَارِجَ الْعَمُودَيْنِ مَعَهْ) أَيْ: مَعَ الْمُتَقَدِّمِ (وَاثْنَانِ) يَحْمِلَانِ (مُوخِرًا) بِسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْخَاءِ فَحَامِلُهَا خَمْسَةٌ وَيُسَمَّى ذَلِكَ " الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ " وَالتَّرْبِيعُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ اثْنَانِ وَيَتَأَخَّرَ آخَرَانِ فَإِنْ عَجَزُوا فَسِتَّةٌ، أَوْ ثَمَانِيَةٌ وَالزَّائِدُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ يُحْمَلُ مِنْ الْجَوَانِبِ، أَوْ يُزَادُ عُمَدٌ مُعْتَرِضَةٌ، كَمَا فُعِلَ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِبَدَانَتِهِ وَحَمَلُهَا بِرٌّ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ لَا دَنَاءَةَ فِيهِ فَقَدْ فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فَعْلُهُ عَلَى هَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَلَا يَتَوَلَّاهُ إلَّا الرِّجَالُ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً بِخِلَافِ النِّسَاءِ؛ لِضَعْفِهِنَّ غَالِبًا، وَقَدْ يَنْكَشِفُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ لَوْ حَمَلْنَ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُنَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِنَّ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، أَوْ يُخْشَى مِنْهَا السُّقُوطُ وَمَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا مِنْ جَوَانِبِهَا عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُقَدَّمِ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا؛ لِئَلَّا يَصِيرَ خَلْفَهَا فَيَأْخُذَ الْأَيْمَنَ الْمُقَدَّمَ ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، أَوْ عَلَى هَيْئَةِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ بَدَأَ بِحَمْلِ الْمُقَدَّمِ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ الْمُؤَخَّرِ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَيَأْخُذُ الْأَيْمَنَ الْمُؤَخَّرَ، أَوْ عَلَى هَيْئَةِ الْأَمْرَيْنِ مَعًا أَتَى فِيمَا يَظْهَرُ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْهَيْئَةِ الْأُولَى بَعْدَ حَمْلِ الْمُقَدَّمِ عَلَى كَاهِلِهِ
(وَالْإِسْرَاعُ
ــ
[حاشية العبادي]
عَلَيْهِ وَصِيَّةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ صَاحِبَ الْعُبَابِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَذَكَرَهُمَا فِي مَحَلَّيْنِ فَقَالَ: لَوْ أَوْصَى بِتَكْفِينِهِ بِثَوْبٍ مُعَيَّنٍ تَعَيَّنَ. اهـ.، ثُمَّ بَعْدُ بِوَرَقَةٍ قَالَ: فَرْعٌ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَحَدٍ إعْدَادُ كَفَنٍ لِنَفْسِهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ حِلٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ أَوْ أَثَرِ ذِي صَلَاحٍ وَنَحْوِهِ فَحَسَنٌ. اهـ.، نَعَمْ قَدْ يُوَجَّهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ ادِّخَارَهُ بِقَصْدِ هَذَا الْغَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالتَّكْفِينِ فِيهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: الْبَنْدَنِيجِيُّ تَعَيَّنَهُ) اعْتَمَدَهُ م ر قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ أَيْ: الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ أَعَدَّ لَهُ قَبْرًا يُدْفَنُ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ؛ لِأَنَّهُ لِلِاعْتِبَارِ بِخِلَافِ الْكَفَنِ قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَلَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَوَافَقَهُ ابْنُ يُونُسَ. اهـ. أَيْ: فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَسْبِقَهُ إلَى الدَّفْنِ فِيهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ حَفْرِهِ م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْ: مَعَ الْمُتَقَدِّمِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إلَّا أَنَّ هَذَا الَّذِي بَيْنَ الْخَشَبَتَيْنِ لَا يَجْعَلُ مِنْهُمَا شَيْئًا عَلَى عَاتِقِهِ بِرّ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَمْلِ إلَخْ) أَيْ: خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْأَوَّلُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِهَذَا هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ إشَارَةِ الْمَاوَرْدِيِّ وَتَصْرِيحِ غَيْرِهِ وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَمْعَ الْفَاضِلَ هُوَ أَنْ يَحْمِلَهَا تَارَةً بَيْن الْعَمُودَيْنِ، وَتَارَةً بِالتَّرْبِيعِ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِشَأْنِ الْمَيِّتِ وَإِنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِمُرِيدِ الْحَمْلِ بِرّ وَقَوْلُهُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي إلَخْ عَبَّرَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ هَذَا بِالظَّاهِرِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النِّسَاءِ) بَلْ إنْ عُدَّ حَمْلُهُنَّ إزْرَاءً بِالْمَيِّتِ حَرُمَ، وَكَذَا حَمْلُ الصِّبْيَانِ إنْ عُدَّ إزْرَاءً حَرُمَ م ر.
(قَوْلُهُ: وَبِقُرْبِهَا إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا إذْ لَا قُرْبَ مَعَ كَوْنِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا فَقَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَوْ الْتَفَتَ إلَخْ زِيَادَةً عَلَى الْقُرْبِ وَالنِّسْبَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ الْقُرْبِ وَلَا يُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا لَوْ انْفَصَلَ عَنْهَا وَعَمَّنْ مَعَهَا يَمِينًا أَوْ يَسَارًا وَمَشَى وَحْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ
ــ
[حاشية الشربيني]
[فَرْعٌ لَوْ مَاتَ أَقَارِبُهُ دُفْعَةً قُدِّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ يُسْرِعُ فَسَادُهُ]
قَوْلُهُ: وَيُقَدَّمُ مِنْ الِابْنَيْنِ وَالْأَخَوَيْنِ أَسَنُّهُمَا) وَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الْفَاجِرِ الشَّقِيِّ عَلَى الْبَرِّ التَّقِيِّ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ سم عَلَى التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: خَارِجُ الْعَمُودَيْنِ) بِخِلَافِ الرَّجُلِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ: خَارِجُ الْعَمُودَيْنِ) أَيْ: مِنْ الْجَوَانِبِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ خَارِجُ الْعَمُودَيْنِ يَضَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدًا عَلَى عَاتِقِهِ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَجَزُوا فَسِتَّةٌ إلَخْ) أَيْ: شَفْعًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَتْرًا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَلَوْ زَادُوا عَلَى خَمْسَةٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: بَدَأَ بِالْعَمُودِ إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدَّمِهَا فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَّمَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ أَيْضًا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَعْرِضُ بَيْنَ يَدَيْهَا لِئَلَّا يَكُونَ مَاشِيًا خَلْفَهَا فَيَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدَّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُؤَخِّرِهَا. اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهَا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: تَعْلِيلًا لِلْبَدْءِ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْبُدَاءَةَ بِيَمِينِ الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ. اهـ.