وَدُعَاءٌ إلَيْهَا كَقَوْلِهِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً حَيْثُ يُشْرَعُ كَمَا سَيَأْتِي؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ لِلْجَمْعِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ كَمَا ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَالِاسْتِقْبَالَ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى إذَا كَبَّرَ أَذَّنَ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَاحِدٌ لِيَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِي جَانِبِ السَّامِعِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ ثُمَّ النَّظَرُ فِي مَحَلِّهِ وَصِفَتِهِ وَصِفَةِ الْمُؤَذِّنِ فَمَحَلُّهُ (فِي أَدَاءِ فَرْضِ الرَّجُلِ) وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ فِي مَجْمُوعَةِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَخَرَجَ بِالْأَدَاءِ الْفَائِتَةُ، فَلَا يُسَنُّ فِيهَا الْأَذَانُ لِخَبَرِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب: ٢٥] فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ
ــ
[حاشية العبادي]
مَعْلُومًا مَشْهُورًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْأَذَانِ كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَنْتَشِرَ إلَخْ) فِي تَوَقُّفِ الْأَقَلِّ عَلَى الِانْتِشَارِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ وَمُخَالَفَةٌ لِمَا يَأْتِي فِي شَرْحٍ بِرَفْعِ صَوْتٍ أَنَّهُ يَكْفِي إسْمَاعُ الْبَعْضِ وَلَوْ وَاحِدًا إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَقَلُّ بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ السُّنَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فَقَطْ إلَخْ
(قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَهُ إلَخْ) لَا خَفَاءَ أَنَّ مَنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ جَمَاعَةِ ذَلِكَ الْأَذَانِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْأَذَانُ فَيَتَحَصَّلُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَ جَمَاعَةٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الْأَذَانُ أَوْ مُنْفَرِدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ
[حاشية الشربيني]
بِوَاحِدٍ كَمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّدْبِ، وَالثَّالِثُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ وَلَيْسَ الْأَذَانُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ لِعِلْمِهِ بِالْبَاقِي فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْأَذَانَ مِنْهُ اهـ سم وع ش (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ إلَخْ) لَعَلَّ أَكْثَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ كُلُّ مُنْفَرِدٍ لِصَلَاتِهِ، وَلَوْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَكُلُّ جَمَاعَةٍ لِصَلَاتِهَا وَلَوْ وَقَعَتْ بَعْدَ جَمَاعَةٍ أُخْرَى أَذَّنَ لَهَا، وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ إلَّا أَنَّهُ فِي هَذِهِ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّ أَذَانَ الْمُنْفَرِدِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ، وَلِذَا قَالَ م ر وَغَيْرُهُ إنَّهُمَا فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ سُنَّةُ عَيْنٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَعَيُّنَ الْكِفَائِيِّ لِعَارِضٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ كِفَائِيًّا اهـ
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ إلَخْ) قَالَ النَّاشِرِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَكْتَفِي أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ، بَلْ يُؤَذِّنُ كُلُّ أَحَدٍ فِي مَوْضِعِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ) أَيْ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَكَانِ، أَمَّا أَدَاءُ أَصْلِ سُنَّةِ الْأَذَانِ فَيَكْفِي فِيهِ سَمَاعُ وَاحِدٍ اهـ تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَنْتَشِرَ إلَخْ) أَيْ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَهْلِهِ لَوْ أَصْغَوْا إلَيْهِ اهـ تُحْفَةٌ (قَوْلُهُ الرَّجُلِ) أَيْ الذَّكَرِ بَالِغًا أَوْ لَا كَذَا فِي النَّاشِرِيِّ وَعَلَى هَذَا فَالْغَرَضُ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُنْفَرِدًا) فِيهِ أَنَّهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِانْفِرَادُ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ سُنَّةُ عَيْنٍ اهـ. شَيْخُنَا قُوَيْسَنِيٌّ. اهـ. مَرْصَفِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَلَغَهُ أَذَانُ غَيْرِهِ) وَإِنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ أَذَّنَ فِيهِ لِجَمَاعَةٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَإِلَّا فَلَا يُؤَذِّنُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِإِذْنِهِمْ. اهـ. م ر سم وَظَهَرَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الصَّلَاةِ مَعَهُمْ بِالْفِعْلِ وَعَدَمِهَا لَا مُجَرَّدُ الْإِرَادَةِ. اهـ. ع ش وَهَلْ الْأَذَانُ الْجَارِي الْآنَ فِي الْمَسَاجِدِ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يَكُونُ الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا مَدْعُوًّا بِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا إنْ صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ، ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ صَرِيحَ كَلَامِهِمْ الْآتِي أَنَّ الْمَدْعُوَّ بِالْأَذَانِ لِجَمَاعَةِ الْأُولَى حَتَّى إنَّ الثَّانِيَةَ لَا بُدَّ فِي حُصُولِ كَمَالِ السُّنَّةِ لَهَا مِنْ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ حِينَ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ فَتَدَبَّرْ.
بَقِيَ مَا إذَا وَقَعَ جَمَاعَاتٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَالظَّاهِرُ كِفَايَةُ الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْكُلِّ اهـ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَخْ) حُمِلَ عَلَى مَا إذَا صَلَّى مَعَ مَنْ سَمِعَ أَذَانَهُ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ قَالَ حُبِسْنَا) أَيْ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، إذْ ذَاكَ (وَلَهُ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ) هَوِيٌّ كَغَنِيٌّ وَقَدْ يُضَمُّ: سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَخْ) فِي الشَّيْخِ عَوَضٍ وَالشَّرْقَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ بِمَحَلٍّ فَمَنْ سَمِعَهُ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ فِيهِ وَصَلَّى فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ الْأَذَانَ فَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ طَلَبَ مِنْهُ وَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَصَلَّى فِيهِ مَعَهُمْ، وَكَذَا مَنْ سَمِعَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ فِيهِ فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ وَإِنْ صَلَّى فِيهِ مَعَهُمْ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ مَعَهُمْ بِأَنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ أَوْ صَلَّى فِيهِ لَا مَعَهُمْ بِأَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ جَمَاعَةٍ غَيْرِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأَذَانَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَطْلُبُ الْأَذَانَ لِلْمُجَاوِرِينَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَلَوْ كَانَتْ صَلَاتُهُمْ عَقِبَ الْأَذَانِ، وَكَذَا الَّذِينَ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً لَكِنْ بَعْدَ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي يَسْقُطُ عَنْهَا الطَّلَبُ دُونَ غَيْرِهَا كَمَا عَلِمْت.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحَلُّ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا فِيمَا إذَا أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا يَقَعُ لِلْمُجَاوِرِينَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ لِلْبَسَاتِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِلْعُمُومِ كَأَذَانِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَارِدَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute