الْمُسَمَّى وَيُفَارِقُ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ حَيْثُ يَجِبُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ
(وَنُخْرِجُ) نَحْنُ (الْمَرِيضَ وَالْمَدْفُونَا مِنْ حَرَمِ اللَّهِ) الْمَكِّيِّ أَوْ إنْ شَقَّ نَقْلُهُ أَوْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ فَإِنْ تَقَطَّعَ الْمَدْفُونُ تُرِكَ هُنَاكَ وَحَرَمُ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ وَالطَّائِفِ عَلَى سَبْعَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ الْجِعْرَانَةِ عَلَى تِسْعَةٍ، وَمِنْ طَرِيقِ جِدَّةَ عَلَى عَشَرَةٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ
وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طِيبَةَ ... ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٍ وَطَائِفٍ ... وَجِدَّةُ عَشْرٌ، ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ
، وَزَادَ الدَّمِيرِيِّ
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ وَكُرْزٌ لَهَا اهْتَدَى ... فَلَمْ يَعُدْ سَبِيلُ الْحِلِّ إذْ جَالَ بُنْيَانَهْ
وَلَيْسَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ كَحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ لِاخْتِصَاصِهِ بِالنُّسُكِ وَثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْخَلَ الْكُفَّارَ مَسْجِدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ»
(وَيُمْنَعُونَا) أَيْ: الْكُفَّارُ (إقَامَةَ الْحِجَازِ) أَيْ: الْإِقَامَةَ بِهِ (خَارِجَ الْحَرَمْ) إذَا دَخَلُوهُ (مُدَّتَهَا) أَيْ: مُدَّةَ الْإِقَامَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ سَوَاءٌ دَخَلُوا لِمَصْلَحَةٍ أَمْ لَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَطَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ دَيْنٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَكَّلَ مُسْلِمًا بِطَلَبِهِ، وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى الْأُخْرَى وَيُقِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَمْ يُمْنَعْ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ لَهُ دُخُولَهُ بِغَيْرِ إقَامَةٍ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي دُخُولِهِ الْحَرَمَ وَإِنْ اسْتَأْذَنَ فِي دُخُولِهِ أَذِنَ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَنَا مِنْ رِسَالَةٍ أَوْ عَقْدِ هُدْنَةٍ أَوْ حَمْلِ مِيرَةٍ أَوْ مَتَاعٍ نَحْتَاجُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي (إلَّا) الْإِقَامَةَ (لِمَنْ يَمْرَضُ ثُمَّ) أَيْ: فِي غَيْرِ الْحَرَمِ مِنْ الْحِجَازِ (وَشَقَّ نَقْلٌ) لَهُ (أَوْ عَلَيْهِ حُذِرَا) أَيْ: خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِيهِ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِنْ مَاتَ فِيهِ وَدُفِنَ تُرِكَ وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ فِيهِ أَوْ سَهُلَ بِأَنْ كَانَ بِطَرَفِ الْحِجَازِ فَلَا، وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يُدْفَنُ فِيهِ وَقَالُوا إذَا تُرِكَ لِلْمَرَضِ فَلِلْمَوْتِ أَوْلَى. قَالَ الرَّافِعِيُّ: لَكِنْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ دُفِنَ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ تَفْصِيلٌ جَيِّدٌ، أَمَّا غَيْرُ الْحِجَازِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ دُخُولُهُ بِالْأَمَانِ كَمَا مَرَّ
. (بِقَدْرِ) أَيْ: عَقْدُ الْجِزْيَةِ يَحْصُلُ بِإِذْنِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقَرَارِ بِقَدْرِ (دِينَارٍ لَنَا أَوْ أَكْثَرَا) مِنْهُ فَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ (لِكُلِّ عَامٍ) عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ» ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ نَعَمْ إنْ مَضَى حَوْلٌ وَلَمْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ) إنْ كَانَ عَدَمُ الْمُقَابَلَةِ لِقِصَرِ الزَّمَنِ فَقَدْ يَكُونُ طَوِيلًا وَإِنْ كَانَ لِذَاتِ الْمَكَانِ فَفِيهِ نَظَرٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَمْلُوكَ مِنْ الْحَرَمِ يَصِحُّ إيجَارُهُ لِلْمُسْلِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ يَقْبَلُ الْمُقَابَلَةَ فَلْيَقْبَلْهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَيْضًا، وَامْتِنَاعُ دُخُولِهِ لَا يُخْرِجُ الْمَكَانَ عَنْ قَبُولِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَوْ غَصَبَ إنْسَانٌ شَيْئًا مِنْهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ أَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِالْعِوَضِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِغَصْبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ) التَّحْدِيدُ مُبْتَدَأٌ وَلِلْحَرَمِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقَوْلُهُ: ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ خَبَرٌ وَسِتَّةُ أَمْيَالٍ عُطِفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَوْلُهُ: عِرَاقٍ لَعَلَّهُ مَجْرُورٌ بِنَزْعِ الْجَارِ وَكَذَا وَجَدَّةَ وَقَوْلُهُ: عَشْرٌ عُطِفَ عَلَى ثَلَاثَةُ وَقَوْلُهُ: جِعْرَانَهْ عَلَى نَزْعِ الْجَارِ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) قَالَ فِي الرَّوْضِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَيْ: إلْحَاقُهُ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذُكِرَ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى أُخْرَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَقَوْلُهُ: وَيُقِيمُ فِي كُلِّ مَكَان دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَيْدٌ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ مَكَانَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ صَرَّحَ بِنَقْلِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَلَهُ إقَامَةُ ثَلَاثَةٍ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مَا نَصُّهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَبَعًا لِصَاحِبِ الْوَافِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَتَيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَشَقَّ نَقْلٌ أَوْ عَلَيْهِ حَذَرَا) صَرِيحُ شَرْحِ الرَّوْضِ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ مَشَقَّةِ النَّقْلِ أَوْ الْحَذَرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ الرَّوْضُ وَلَا يُنْقَلُ الْمَرِيضُ مِنْ الْحِجَازِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ. اهـ.
وَكَلَامُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ إلَخْ) لَمْ يَزِدْ فِي الرَّوْضِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ قَالَ وَلَا يُدْفَنُ فِي الْحِجَازِ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قَبْلَ التَّغَيُّرِ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِلَّا دُفِنَ فِيهِ وَزَادَ فِي الرَّوْضِ عَقِبَ ذَلِكَ فَلَوْ دُفِنَ لَمْ يُنْبَشْ قَالَ فِي شَرْحِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَعَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يَرْفَعَ نَفْسَ قَبْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ دِينَارٍ لَنَا أَوْ أَكْثَرَ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِدِينَارٍ وَأَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَعْدَ ذَلِكَ وَجَازَ إنْ مَاكَسَ إلَخْ فَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَأَلَ فِي عَقْدِهَا بِدِينَارٍ يَجُوزُ بَلْ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُ فَيَطْلُبُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ نَظَرًا إلَى سُؤَالِ الْكَافِرِ فِي الدِّينَارِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُ بِأَنَّ الدِّينَارَ أَقَلُّهَا بِذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَاكِسَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ الْغَنِيِّ إلَخْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُمَاكَسَةَ إنَّمَا هِيَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ
ــ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَأَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ) أَيْ: عِنْدَ قُوَّتِنَا وَإِلَّا فَيَجُوزُ عَقْدُهَا بِدُونِهِ. اهـ.
ق ل