للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا وَأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى بِالْأَنْبِيَاءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِيَظْهَرَ أَنَّهُ إمَامُ الْكُلِّ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وَأَنَّ كِتَابَهُ مُعْجِزٌ بِخِلَافِ كُتُبِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَحْفُوظٌ عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَأُقِيمَ بَعْدَهُ حُجَّةً عَلَى النَّاسِ وَمُعْجِزَاتُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ انْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِهِمْ وَكَانَ سُكُوتُهُ حُجَّةً عَلَى جَوَازِ مَا رَأَى وَلَمْ يُنْكِرْهُ.

بِخِلَافِ سُكُوتِ غَيْرِهِ وَمَنْ اسْتَهَانَ بِهِ أَوْ سَبَّهُ أَوْ هَجَاهُ أَوْ أَبْغَضَهُ أَوْ زَنَى بِحَضْرَتِهِ كَفَرَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِي الزِّنَا نَظَرٌ وَكَانَ يُؤْخَذُ عَنْ الدُّنْيَا عِنْدَ تَلَقِّي الْوَحْيِ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَلَا غَيْرُهَا، وَنُصِرَ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لَهُ الْغَنَائِمُ، وَرِسَالَتُهُ عَامَّةٌ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَرِسَالَةُ غَيْرِهِ خَاصَّةٌ وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ فَلِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ، وَشَفَاعَةُ نَبِيِّنَا عَامَّةٌ وَأُمَّتُهُ شُهَدَاءُ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ الرُّسُلِ إلَيْهِمْ رِسَالَتَهُمْ، وَتَطَوُّعُهُ بِالصَّلَاةِ قَاعِدًا كَتَطَوُّعِهِ قَائِمًا وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، وَيُخَاطِبُهُ الْمُصَلِّي بِقَوْلِهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيُّ وَلَا يُخَاطِبُ سَائِرَ النَّاسِ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ وَيَبْلُغُهُ سَلَامُ النَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَانَ إذَا مَشَى فِي الشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ لَا يَظْهَرُ لَهُ ظِلٌّ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَجِهَاتِهِ نُورًا وَخَتَمَ بِقَوْلِهِ وَاجْعَلْنِي نُورًا وَلَا يَقَعُ مِنْهُ الْإِيلَاءُ الَّذِي تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ وَلَا الظِّهَارُ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامَانِ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَيَسْتَحِيلُ اللَّعَّانُ فِي حَقِّهِ وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الذُّبَابُ وَلَا يَمْتَصُّ دَمَهُ الْبَعُوضُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ أَوْلَادُ بَنَاتِهِ فِي الْكَفَاءَةِ، وَغَيْرِهَا وَرُؤْيَتُهُ فِي الْمَنَامِ حَقٌّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ لَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِمَا سَمِعَهُ الرَّائِي مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ لَا لِلشَّكِّ فِي رُؤْيَتِهِ.

وَالْهَدِيَّةُ لَهُ حَلَالٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ وَأُعْطِي جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الِاحْتِلَامُ وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الْجُنُونُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالْأَرْضُ لَا تَأْكُلُ لُحُومَهُمْ، وَتَعَمُّدُ الْكَذْبَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهِ كَبِيرَةٌ، وَزَوْجَاتُهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الِاحْتِرَامِ دُونَ الْخَلْوَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُسَافَرَةِ وَالظِّهَارِ فِي التَّشْبِيهِ بِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْبَغَوِيّ: وَلَسْنَ بِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهَذَا جَارٍ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: ٤٠] قَالَ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ أَيْ فِي الْحُرْمَةِ وَمَعْنَى الْآيَةِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَدَ صُلْبِهِ، وَزَوْجَاتُهُ أَفْضَلُ النِّسَاءِ وَثَوَابُهُنَّ وَعِقَابُهُنَّ مُضَاعَفٌ وَلَا يَحِلُّ سُؤَالُهُنَّ إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ وَيَحِلُّ سُؤَالُ

ــ

[حاشية العبادي]

(قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) فَيَدْخُلُهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَخْرُجُ لِمَصَالِح الْخَلْقِ فِي الْمَوْقِفِ مِنْ الشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا فَدُخُولُهُ الْجَنَّةَ سَابِقٌ أَيْضًا عَلَى دُخُولِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ) إنْ أُرِيدَ الْخَطَأُ مُسْتَمِرًّا شَمِلَ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ لَكِنْ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ بَلْ يُنَبَّهُ فِي الْحَالِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إذْ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ يَسْتَدْرِكُ خَطَأَهُ بِخِلَافِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ. اهـ. وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْخَطَأِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ لَحْظَةً أَوْ لَحْظَتَيْنِ شَرْحٌ رَوْضٌ (قَوْلُهُ: وَمَعْنَى الْآيَةِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَدُ صُلْبِهِ) عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: ٤٠] عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَثْبُتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ مِنْ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُنْتَقَضُ عُمُومُهُ بِكَوْنِهِ أَبًا لِلطَّاهِرِ وَالْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَلَوْ بَلَغُوا كَانُوا رِجَالَهُ لَا رِجَالَهُمْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ سُؤَالُهُنَّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ النَّوَوِيُّ

ــ

[حاشية الشربيني]

الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صُعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ كَذَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَبِهَامِشِهِ أَنَّ الْجَوَابَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَهُ مَقْطُوعَةُ الصِّحَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا فَإِنْ قُلْت يَفُوتُ مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ قُلْت لَا نُسَلِّمُ؛ لِأَنَّ مُفَاجَأَةَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَهَانَ بِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَعَلَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِأُمَّتِهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: يُؤْخَذُ) أَيْ يَحْصُلُ لَهُ حَالَةٌ بَرْزَخِيَّةٌ مَعَ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ. اهـ. شَيْخُنَا ذ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَفَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتَانِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ ثُمَّ وَاظَبَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: قَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) أَشَارَ م ر إلَى رَدِّ النَّظَرِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ: وَالْهَدِيَّةُ لَهُ جَلَالٌ) وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِهَا خُصُومَةٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ) أَيْ لِلْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ فَقَطْ شَيْخُنَا ذ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِلَحْظَةٍ أَوْ لَحْظَتَيْنِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَلَسْنَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ) اُنْظُرْ الْمُرَادَ بِهِ وَهَلْ هُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنِّسَاءِ إذْ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يُحْرَمَ عَلَيْهِنَّ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِنَّ احْتِرَامُهُنَّ (قَوْلُهُ: فِي خِطَابِ الرِّجَالِ) أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ كَانَ خِطَابًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: مُضَاعَفٌ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ فَإِنْ أَتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ بِكْرًا بِفَاحِشَةٍ عُوِّذْنَ بِاَللَّهِ جُلِدَتْ مِائَتَيْنِ وَغُرِّبَتْ سَنَتَيْنِ وَثَيِّبًا جُلِدَتْ مِائَةً وَرُجِمَتْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ سُؤَالُهُنَّ إلَّا مِنْ وَرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>