للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ قَالَ: وَأَقْرَبُ مَا يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ أَيْ: فِيمَا رَجَّحُوهُ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ فَانْحَصَرَتْ الْأَسْبَابُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَهُمْ فِي أَرْبَعَةٍ أَحَدُهَا (أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَادِهِ) أَيْ: الْمُتَوَضِّئِ دُبُرًا

ــ

[حاشية العبادي]

نَقَضَتْ الْقَهْقَهَةُ لِمَا اُخْتُصَّ بِهَا أَيْ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ) أَقُولُ: كَلًّا وَاَللَّهِ لَا ضَعْفَ بِهِ وَلَا بُطْلَانَ بَلْ هُوَ قَوِيٌّ قَوِيمٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَيْنِ لَيْسَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْكِهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَكُونَا مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بَيَّنَ بِهَا مَا عَرَفَهُ مِنْ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ الَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَنَفَعَنَا بِهِمْ فَتَدَبَّرْ وَلَا يَهُولَنَّكَ مُبَالَغَةُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَنَا بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهَا مُنْدَفِعَةٌ انْدِفَاعًا لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ لِلْمُتَأَمِّلِ وَلَا مُعَارِضَ لِلْمُتَمَهِّلِ سم (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ

ــ

[حاشية الشربيني]

شِئْت فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَأَمَرَ بِهِ» قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَدِيثَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَبْلَ هَذَا وَلَا يَرِدُ عَلَى الْقَائِلِ بِالنَّقْضِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ حَدِيثُ جَابِرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ إنَّ الْوُضُوءَ يُنْتَقَضُ بِأَكْلِهِ نِيئًا وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَكْلِهِ مَطْبُوخًا؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمَعْهُودُ. اهـ.

يَعْنِي: أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ إذَا قَالَ بِالِانْتِقَاضِ بِأَكْلِهِ نِيئًا كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي بِالْهَامِشِ لَا يَكُونُ لِمِسَاسِ النَّارِ دَخْلٌ حَتَّى يُنْسَخَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ بَلْ النَّقْضُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَحْمُ الْإِبِلِ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَامٌّ) أَيْ شَامِلٌ لِلَحْمِ الْجَزُورِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: خَاصٌّ أَيْ بِلَحْمِ الْجَزُورِ سَوَاءٌ كَانَ نِيئًا أَوْ مَشْوِيًّا (قَوْلُهُ: وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ) أَيْ بَعْدَ حَمْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ عَلَى الْمَشْوِيِّ أَوْ الْمَطْبُوخِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَلَفْظُ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ عَامٌّ لِلَحْمِ الْجَزُورِ وَغَيْرِهِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا غَيَّرَتْ النَّارُ مِنْ غَيْرِ لَحْمِ الْجَزُورِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْخَاصِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ أَوَّلُ الْأَمْرَيْنِ الْمُقَابِلَ لِآخَرِ الْأَمْرَيْنِ هُوَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ مِنْ غَيْرِ لَحْمِ الْجَزُورِ فَالتَّخْصِيصُ صَحِيحٌ مَتِينٌ وَالْعُمُومُ مَوْجُودٌ فِي اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يَلْزَمُ فِي الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَمَا يَكُونُ مِنْهُ يَكُونُ حِكَايَةً عَنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَطَالَ بِهِ الْمُحَشِّي عَلَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّا لَا يَنْبَغِي التَّفَوُّهُ بِهِ بَقِيَ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَحْوَ قَوْلِ الصَّحَابَةِ «قَضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالشُّفْعَةِ» عَامٌّ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى فَلَوْلَا ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ مِمَّا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْتِ بِلَفْظٍ عَامٍّ كَالْجَارِّ وَرُدَّ؛ بِأَنَّ الْعُمُومَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ وَلَا يَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُ فِيهِ فَعَلَى مُقْتَضَى الرَّدِّ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ الرَّأْيُ فِي الْأُصُولِ يَزْدَادُ مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ قُوَّةً وَرُجْحَانًا وَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَةِ التُّحْفَةِ رَدًّا لِهَذَا مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَاهِرَةٌ ظُهُورًا تَامًّا فِي تَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْوُضُوءَ الَّذِي كَانَ يَفْعَلُهُ وَمِنْ الْبَعِيدِ جَزْمُهُ بِذَلِكَ بِمُجَرَّدِ ظَنِّهِ. اهـ.

كَلَامٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَعْدَ كَوْنِ عِبَارَةِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إمَّا مِنْ الْعَامِّ فَيَجْرِي فِيهَا التَّخْصِيصُ أَوْ الْمُطْلَقِ فَيَجْرِي فِيهَا التَّقْيِيدُ وَلَا مُوجِبَ لِإِلْغَاءِ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ مَتَى أَمْكَنَ التَّخْصِيصُ أَوْ التَّقْيِيدُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْأُصُولِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا يَسْتَرْوِحُ) إنَّمَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ حَتَّى يُتْرَكَ لَهُ النَّصُّ إذْ قَدْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الصَّحَابِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ قَالُوا وَخُصَّتْ الْإِبِلُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ سَهُوكَةِ لَحْمِهَا كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: قَوْلُ الْخُلَفَاءِ إلَخْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>