عَيْبٌ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ قِيمَةُ النِّصْفِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ. اهـ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَتَسَاهَلْ فِي ذَلِكَ بَلْ قَصَدَهُ تَبَعًا لِإِمَامِهِ لِمَا عَرَفْتَ، وَقَدْ نَبَّهَ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْجُمْهُورَ قَدْ عَبَّرُوا بِالْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا (أَوْ قَدْ أَبَى) أَيْ: الزَّوْجُ أَخْذَ الْمَهْرِ، أَوْ نِصْفَهُ (لِلنَّقْصِ) فِيهِ (عِنْدَ الْعِرْسِ) أَيْ: الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ بِبَدَلِهِ سَلِيمًا فَإِنْ اخْتَارَ الْعَوْدَ بِالْمَهْرِ عَادَ بِهِ بِلَا أَرْشٍ.
كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَاخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْإِجَازَةَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِلَا أَرْشٍ، كَمَا مَرَّ وَالنَّقْصُ (كَزَرْعِ أَرْضٍ أُصْدِقَتْ) أَيْ: جُعِلَتْ صَدَاقًا (وَالْغَرْسِ) فِيهَا لِاسْتِيفَائِهِمَا قُوتَهَا؛ وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ إبْقَاءَهُمَا مُدَّةً، فَتَفُوتُ مَنْفَعَتُهَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ نَقْصٌ فَقَطْ، وَعَطَفَ عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ نَقْصٌ وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ التَّمْثِيلَ لِمَا فِيهِ نَقْصٌ فَقَالَ: (وَصَنْعَةٍ أُخْرَى) كَأَنْ نَسِيَ حِرْفَةً وَتَعَلَّمَ غَيْرَهَا، أَوْ انْكَسَرَ الْحُلِيُّ، أَوْ كَسَرَتْهُ وَجَعَلَتْهُ عَلَى هَيْئَةٍ أُخْرَى فَحُدُوثُ هَذِهِ زِيَادَةٌ، وَزَوَالُ الْقَدِيمَةِ نَقْصٌ، فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ فِي إعَادَةِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ بِعَيْنِهَا فَتِلْكَ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَتَرْكُهُ الْإِعَادَةَ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ الْحَاوِي لَهَا؛ إذْ الصَّنْعَةُ الْأُخْرَى لَا يُقَالُ فِيهَا: إعَادَةٌ حَقِيقَةً (وَحَمْلٍ) حَدَثَ مِنْ أَمَةٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ أَمَّا نَقْصُهُ فَلِلضَّعْفِ حَالًا وَلِلْخَطَرِ مَآلًا خُصُوصًا فِي الْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ يُفْسِدُ لَحْمَ الْمَأْكُولَةِ، وَأَمَّا زِيَادَتُهُ فَلِمَا مَرَّ (وَكِبَرْ يَنْقُصُ حُسْنَ الْعَبْدِ) فَنَقْصُهُ مِنْ جِهَةِ نَقْصِ الْحُسْنِ وَالْقِيمَةِ، وَمِنْ جِهَةٍ أَنَّ الصَّغِيرَ يَصْلُحُ لِلْقُرْبِ مِنْ الْحُرَمِ وَأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْغَوَائِلِ وَأَشَدُّ تَأَثُّرًا بِالتَّأْدِيبِ وَالرِّيَاضَةِ وَزِيَادَتُهُ مِنْ جِهَةٍ أَنَّهُ أَقْوَى عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْأَسْفَارِ وَأَحْفَظُ لِمَا يُسْتَحْفَظُ.
(أَوْ) كِبَرٌ يُنْقِصُ (حَمْلَ الشَّجَرْ) فَنَقْصُهُ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ ثَمَرَتِهِ، وَزِيَادَتُهُ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْحَطَبِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ، أَوْ لَهَا لَمْ يَمْلِكْ الزَّوْجُ الْمَهْرَ، أَوْ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الِاخْتِيَارِ وَهُوَ كَخِيَارِ الْهِبَةِ لَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ لَكِنْ إذَا طَالَبَهَا لَا تُمَكَّنُ مِنْ التَّأْخِيرِ، بَلْ تُكَلَّفُ اخْتِيَارَ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا فِي الطَّلَبِ بَلْ يُطَالِبُهَا بِحَقِّهِ عِنْدَهَا فَإِنْ أَبَتْ حُبِسَ عَنْهَا الْمَهْرُ، كَمَا مَرَّ، وَلَا تُحْبَسُ هِيَ وَعَطَفَ عَلَى أَبَتْ قَوْلَهُ (أَوْ وَهَبَتْهُ) أَيْ: زَوْجَهَا (الْعَيْنَ) الْمَأْخُوذَةَ مَهْرًا وَلَوْ كَانَ فِي الْأَصْلِ دَيْنًا فَإِنَّ لَهُ الْعَوْدَ بِبَدَلِهَا، كَمَا لَوْ وَهَبَتْهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَانْتَقَلَتْ مِنْهُ إلَى الزَّوْجِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْهِبَةُ بِلَفْظِهَا أَمْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ، أَوْ الْعَفْوِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعَفْوَ فِي هِبَةِ الْمَهْرِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي هِبَةِ غَيْرِهِ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (لَا إنْ تُبْرِيَا) أَيْ: الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ مِنْ الْمَهْرِ إذَا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا يَعُودُ بِبَدَلِهِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَوْ قَدْ أَبَى) لَعَلَّ الْعَطْفَ عَلَى " أَوْ عَلَّقَتْ ". (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْعِرْسِ) أَخْرَجَ التَّعَيُّبَ عِنْدَهُ قَبْلَ قَبْضِهَا. (قَوْلُهُ: بِلَا أَرْشٍ) ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَعَيُّبٌ أَيْ: فِي يَدِهَا قَبْلَ الْفُرْقَةِ. (قَوْلُهُ:، كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْبَيْعُ بِيَدِ الْبَائِعِ) لِمَ كَانَ الصَّدَاقُ نَظِيرَ الْمَبِيعِ؟ وَيَتَرَاءَى: أَنَّهُ نَظِيرُ الثَّمَنِ. (قَوْلُهُ: إنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ) وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوْ كَالصَّنْعَةِ الْمُعَادَةِ. (قَوْلُهُ: بِعَيْنِهَا) قَدْ يُشْكِلُ دَعْوَى الْعَيْنِيَّةِ مَعَ قَوْلِهِ هُنَاكَ إذْ الْمَوْجُودُ بَعْدَ إعَادَتِهَا مِثْلُهَا لَا عَيْنُهَا إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْعَيْنِيَّةِ مَا يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّةَ وَقَوْلُهُ: فَتِلْكَ زِيَادَةٌ مَحْضَةٌ، قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ تَكُونُ زِيَادَةً مَحْضَةً مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ؟ وَإِنْ لُوحِظَ قَوْلُهُ: هُنَاكَ مِثْلُهَا لَا عَيْنُهَا فَلْتَكُنْ مِنْ بَابِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْأُولَى نَقْصٌ وَحُدُوثُ مِثْلِهَا زِيَادَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ سم. (قَوْلُهُ: فَلِمَا مَرَّ) أَيْ: مِنْ تَوَقُّعِ الْوِلَادَةِ. (قَوْلُهُ: وَعَطَفَ عَلَى أَبَتْ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: عَلَى عَلَّقَتْ بِرّ. (قَوْلُهُ: لَا إنْ تَبَرَّيَا) جَعَلَ الْجَوْجَرِيُّ مِنْهُ مَا لَوْ قَالَ لَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: إنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْ صَدَاقِكِ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَنُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهَا تَبِينُ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلَ بَحْثًا، وَفِيهِ نَظَرٌ بِرّ. (فَرْعٌ)
قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَإِنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ النِّصْفِ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ نِصْفُ الْبَاقِي أَمْ يَلْزَمُهُ لَهَا الْبَاقِي أَيْ: فَيَكُونُ مَا أَبَرَأَتْهُ مِنْهُ مَحْسُوبًا عَنْ حَقِّهِ كَأَنَّهَا عَجَّلَتْهُ وَجْهَانِ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَوْجُهُهَا الثَّانِي أَخْذًا مِمَّا رَجَّحُوهُ فِي هِبَةِ نِصْفِ الْعَيْنِ
[حاشية الشربيني]
فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِبَدَلِهِ) أَيْ: الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ. اهـ. م ر عَلَى الْمِنْهَاجِ. (قَوْلُهُ: أَوْ وَهَبَتْهُ) أَيْ لِأَحَدٍ مُعَيَّنًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ مُبْهَمًا كَأَنْ وَهَبَتْهُ نِصْفَ الْمَجْعُولِ مَهْرًا وَيَكُونُ قَبْضُهُ بِقَبْضِ الْكُلِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَهَبَتْهُ مُطْلَقَ النِّصْفِ وَكَانَ الزَّوْجُ عِنْدَ الطَّلَاقِ يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَهْرِ نِصْفَهُ، وَهُنَا قَدْ خَرَجَ نِصْفُهُ عَنْ مِلْكِهَا لَمْ يَبْقَ لَهُ إلَّا نِصْفُ النِّصْفِ الْبَاقِي إذْ لَا مُرَجِّحَ لَهُ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْخُذَ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي جَمِيعِهِ، كَمَا هُوَ قَوْلٌ وَلَا مَعْنَى لِتَخْيِيرِهِ بَيْنَ نِصْفِ بَدَلِ كُلِّهِ وَنِصْفِ الْبَاقِي وَرُبْعِ بَدَلِ كُلِّهِ، كَمَا هُوَ قَوْلٌ أَيْضًا لِبَقَاءِ بَعْضِ حَقِّهِ وَتَلَفِ الْبَعْضِ الْآخَرِ، بَلْ يَشِيعُ مَا يَأْخُذُهُ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ وَفِيمَا أَبْقَتْهُ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَقَدْ اسْتَصْعَبَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute