عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْوَلَائِمِ وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ فِيهِ بِالشَّاةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَوَجَبَتْ وَهِيَ لَا تَجِبُ إجْمَاعًا وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ، وَلِغَيْرِهِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ النَّشَائِيُّ وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ
(لَكِنْ إجَابَةٌ تَجِبُ) عَيْنًا عَلَى مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ دُونَ غَيْرِهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ يُؤَيَّدُ بِمَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ» لَكِنْ فِيهِ أَيْضًا «مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ» وَفِي أَبِي دَاوُد «إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ» وَقَضِيَّتُهُمَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ وَبِهِ أَجَابَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ، كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ (لِمُسْلِمٍ) أَيْ: لِأَجْلِ الدَّاعِي الْمُسْلِمِ فَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ بِدَعْوَةِ كَافِرٍ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ مَعَهُ وَلِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ طَعَامُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ وَفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمَدْعُوِّ مُسْلِمًا أَيْضًا فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَكَلَامُ النَّظْمِ يَحْتَمِلُهُ.
(فِي يَوْمِهَا) أَيْ: يَوْمِ الْوَلِيمَةِ (الْأَوَّلِ) فَلَوْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ إلَّا فِي الْأَوَّلِ، وَتُسَنُّ فِي الثَّانِي وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ فَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ وَفِي الثَّالِثِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ» نَعَمْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابُ النَّاسِ فِي الْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ صِغَرِ مَنْزِلَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دَعَا النَّاسَ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَوْ أَوْلَمَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْيَوْمِ الثَّانِي، فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ (مَعْ عُمُومِهَا) أَيْ: الدَّعْوَةِ بِأَنْ يَدْعُوَ جَمِيعَ عَشِيرَتِهِ، أَوْ جِيرَانِهِ، أَوْ
ــ
[حاشية العبادي]
قَدْ يَخْرُجُ أَيْضًا مَا لِغَيْرِ سَبَبٍ. (قَوْلُهُ: لَوَجَبَتْ) أَيْ: أَوْ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ بِهَا فِي الْحَدِيثِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَعْلَى وَقَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَجِبُ أَيْ: لَا هِيَ وَلَا الْأَعْلَى. (قَوْلُهُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ) هَذَا فِي غَيْرِ الْعَقِيقَةِ، أَمَّا هِيَ فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ فِيهَا شَاةٌ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِهَا
(قَوْلُهُ: قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ) وَقَدْ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ «أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ دُعِيَ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ بِدَعْوَةِ كَافِرٍ) قَالَ فِي الرَّوْضِ: وَلَا تُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ كَاسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُسْلِمِ وَفِي شَرْحِهِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ إجَابَتُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ. اهـ. وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ إجَابَةُ ذِمِّيٍّ، بَلْ تُسَنُّ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، أَوْ كَانَ نَحْوُ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ) أَيْ: وَتُسَنُّ، كَمَا هُوَ قِيَاسُ الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَدْ يُفَرَّقُ. (قَوْلُهُ: بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ)
[حاشية الشربيني]
الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: تَجِبُ) أَيْ إنْ دُعِيَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِلَّا بِأَنْ دُعِيَ قَبْلَهُ، كَمَا يَقَعُ الْآنَ فَلَا. اهـ. شَرْقَاوِيٌّ وَق ل وَفِي ع ش أَنَّهُ إذَا دُعِيَ قَبْلَ الْعَقْدِ لِوَلِيمَةٍ تُفْعَلُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فَهِيَ لِفِعْلِ مَا يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَرَاجِعْهُ وَفِي ع ش أَيْضًا أَنَّهُ إذَا دَعَا جَمَاعَةٌ لِيَعْقِدَ الْعَقْدَ ثُمَّ هَيَّأَ طَعَامًا وَدَعَا النَّاسَ ثَانِيًا لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ وَلِيمَةُ الْعَقْدِ، وَالْإِجَابَةُ لَهَا سُنَّةٌ وَهَذِهِ وَلِيمَةُ الدُّخُولِ، وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَّا بِالْعَقْدِ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت مَنْ صَوَّرَ كَلَامَهُ بِمَا إذَا صَنَعَ الْوَلِيمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ هَيَّأَ طَعَامًا وَدَعَا النَّاسَ ثَانِيًا. (قَوْلُهُ: تَجِبُ عَيْنًا) وَقِيلَ: تَجِبُ عَلَى سَبِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَقِيلَ: الْإِجَابَةُ سُنَّةٌ. اهـ. مِنْهَاجٌ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ، وَأَمَّا الْإِجَابَةُ إلَى الدَّعْوَةِ فَفِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَقِيلَ: عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَإِذَا أَوْجَبْنَا فَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ) وَلَا تَفُوتُ بِطَلَاقٍ أَوْ مَوْتٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لَكِنَّهَا بَعْدَ سِتٍّ، أَوْ سَبْعٍ قَضَاءً. اهـ. ق ل عَنْ الدَّمِيرِيِّ وَاَلَّذِي فِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهَا أَدَاءٌ إلَى سَبْعٍ فِي الْبِكْرِ وَثَلَاثٍ فِي الثَّيِّبِ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَقْدُ، أَوْ الدُّخُولُ وَفَعَلَ وَلِيمَةً وَاحِدَةً قَصَدَ بِهَا الْجَمِيعَ كَفَى وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا بَقِيَ طَلَبُ غَيْرِهَا. اهـ. ق ل عَنْ زي فِي قَوْلِهِ: وَكَذَا إلَخْ، وَانْظُرْ لَوْ قَصَدَ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِعَيْنِهَا الْكِفَايَةُ عَنْ الْجَمِيعِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: قَالُوا إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى إشْكَالِهِ وَهُوَ حَقِيقٌ بِالْإِشْكَالِ سم عَلَى الْمَنْهَجِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ خَصُّوهُ بِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ لَمَّا قَامَ عِنْدَهُمْ وَمِنْهُ طَلَبُ الْإِعْلَانِ فِي النِّكَاحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ وَلَوْ فِي الْمَسَاجِدِ» ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ ق ل.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ) بَلْ تُكْرَهُ مَوَدَّتُهُ، كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمِثْلُهَا مُخَالَطَتُهُ، كَمَا هُنَا أَيْضًا وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَيْلٌ قَلْبِيٌّ وَإِلَّا حَرُمَ، كَمَا فِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَاسْتُشْكِلَ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَالَ مِنْ حَيْثُ الدِّينُ كَانَ كُفْرًا، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْحُسْنُ أَوْ الْإِحْسَانُ فَالْحُرْمَةُ مُشْكِلَةٌ مَعَ تَجْوِيزِ نِكَاحِ الْكَافِرَةِ، وَتَعْلِيلُهُمْ كَرَاهَتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِأَنَّهُ قَدْ يُخْشَى عَلَيْهِ افْتِتَانُهُ بِهَا فَلَمْ يُحَرِّمُوهُ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الْمَيْلُ إلَى الْكُفْرِ، وَأَيْضًا تَجْوِيزُ نِكَاحِهَا صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْمَيْلِ إلَيْهَا لِلْجَمَالِ وَنَحْوِهِ إذْ هُوَ شَأْنُ الزَّوْجِ مَعَ الزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَيْلَ فِي النِّكَاحِ مَيْلٌ لِمُجَرَّدِ الشَّهْوَةِ بِخِلَافِ الْمَيْلِ بِدُونِهِ فَلْيُحَرَّرْ. (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُهُ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى مُسْلِمٍ. (قَوْلُهُ: مَعْرُوفٌ) أَيْ إحْسَانٌ. (قَوْلُهُ: رِيَاءٌ إلَخْ) أَيْ الْغَالِبُ ذَلِكَ فَإِنْ وُجِدَ كَانَ حَرَامًا ق ل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute