للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَصَدْت (يَوْمَيْنِ) مَثَلًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ كَمَا حُكِيَ عَنْ النَّصِّ.

(قُلْتُ) : إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ (بَاطِنًا لَا مُطْلَقَا) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا إذَا عَطَفَ قَوْلَهُ أَوْ قَالَ: عَلَى قَوْلِهِ إنْ بَدَتْ، فَإِنْ عَطَفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَانَ كَبَقِيَّةِ الصُّوَرِ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ ظَاهِرًا، وَهَذَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ، إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ ثُمَّ قَالَ: قَصَدْت يَوْمَيْنِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، (وَدَيَّنُوهُ) أَيْ قَبِلُوا قَوْلَهُ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا (فِي جَمِيعِ مَا وَرَدْ) مِمَّا لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَهُ الطَّلَبُ وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ أَيْ: لَهُ طَلَبُهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ إنْ كَانَ صَادِقًا وَعَلَيْهَا الْهَرَبُ مِنْهُ إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ، وَإِذَا صَدَّقَتْهُ فَرَآهُمَا الْحَاكِمُ مُجْتَمَعَيْنِ، فَهَلْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ. أَقْوَاهُمَا فِي الْكِفَايَةِ، نَعَمْ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّدْيِينِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَةِ النَّظْمِ، (لَا إنْ يَقُلْ) بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ (أَرَدْتُ إنْ شَاءَ الصَّمَدْ) عَزَّ وَعَلَا، أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ الصَّمَدُ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ هَذَا يَرْفَعُ حُكْمَ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ وَمَا تَقَدَّمَ يُخَصِّصُهُ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ قَالَ الشَّيْخَانِ وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِالنَّسْخِ لَمَّا كَانَ رَفْعًا لِلْحُكْمِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاللَّفْظِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَلِذَلِكَ جَازَ بِاللَّفْظِ وَبِغَيْرِهِ كَالْقِيَاسِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ النَّسْخُ جَائِزٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّحِيحِ كَالتَّخْصِيصِ، لَكِنْ نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَضَابِطُ مَا لَا يَدِينُ فِيهِ وَمَا يَدِينُ أَنَّ مَا فُسِّرَ بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَظِمُ مَعَ اللَّفْظِ لَوْ وَصَلَ بِهِ كَأَنْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقًا لَا يَقَعُ لَمْ يُدَّيَنْ، وَإِلَّا دِينَ إلَّا إذَا قَالَ: أَرَدْت إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ كَمَا تَقَرَّرَ، أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَثَلًا ثُمَّ قَالَ: أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً أَوْ قَالَ: أَرْبَعَتُكُنَّ مَثَلًا طَوَالِقُ ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إلَّا فُلَانَةَ فَلَا يُدَّيَنُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ نَحْوِ: نِسَائِي طَوَالِقُ كَمَا مَرَّ قَالُوا: لِأَنَّ لَفْظَ الْأَرْبَعَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَعْدَادِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ الْمَعْلُومِ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي بَعْضِهِ غَيْرُ مَفْهُومٍ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ.

(فَرْعَانِ) لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ وَأَرَادَ رَفْعَهُ بِمَا الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَقَالَ: قُلْت: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَقَالَتْ: سَمِعْت الطَّلَاقَ دُونَ الشَّرْطِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.

(فَصْلٌ فِي) بَيَانِ (الرَّجْعَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجَوْهَرِيِّ وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ عِنْدَ الْأَزْهَرِيِّ، وَهِيَ رَدُّ الْمَرْأَةِ إلَى النِّكَاحِ مِنْ طَلَاقٍ غَيْرِ بَائِنٍ فِي الْعِدَّةِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ

ــ

[حاشية العبادي]

الْمُعَايَنَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، وَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَدِينَ فَضْلًا عَنْ الْقَبُولِ ظَاهِرًا، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا لَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا عَمْرَةَ، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ عَمْرَةَ، فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ عَمْرَةَ تَطْلُقُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: النِّسَاءُ طَوَالِقُ إلَّا عَمْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ النِّسَاءَ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيِي أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرُك أَوْ إلَّا أَنْت طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ، وَإِنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ غَيْرُك أَوْ إلَّا أَنْت طَلَقَتْ، وَالصُّورَتَانِ حَيْثُ لَا زَوْجَةَ لَهُ غَيْرُهَا اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ غَيْرَ أَوْ إلَّا عِنْدَ تَقَدُّمِهِمَا عَلَى طَالِقٍ يَكُونَانِ صِفَتَيْنِ فَيُفِيدَانِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَعِنْدَ تَأَخُّرِهِمَا يَكُونَانِ لِلِاسْتِثْنَاءِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَفْرَقُ بَاطِلٌ بِرّ. أَقُولُ: الْوَجْهُ أَنَّهُ عِنْدَ تَقْدِيمِهِمَا لَا طَلَاقَ، وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ دُونَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْبِطْ الطَّلَاقَ بِالْمَذْكُورِ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِهِمَا عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ سم.

(قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِ إنْ بَدَتْ) أَيْ عَلَى بَدَتْ مِنْ أَنْ بَدَتْ، ثُمَّ عَطْفُهُ عَلَى هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ الْخَالِي عَنْ التَّكَلُّفِ، وَأَمَّا عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مُحْوِجٌ إلَى التَّكَلُّفِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ وَذَاكَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ، وَلَا يَظْهَرُ عَطْفُهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا عَلَى جُزْئِهَا كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ هَذَا بِاعْتِبَارِ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْحَاوِي فَإِنَّهَا صَالِحَةٌ لِلْعَطْفِ عَلَى مَا قِيلَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ، بَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِيهِ كَمَا يُدْرِكُهُ الْوَاقِفُ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ أَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: لَمْ أَسْمَعْهُ، فَهُوَ الْمُصَدَّقُ كَمَا فِي نَظِيرِهِ الْآتِي بَعْدَهُ م ر. (قَوْلُهُ فَقَالَتْ: سَمِعْت الطَّلَاقَ) بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: لَمْ تَقُلْهُ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ م ر. وَقَوْلُهُ دُونَ الشَّرْطِ قِيَاسُ مَا قَبْلَهُ أَنَّهَا لَوْ أَنْكَرَتْ الشَّرْطَ مِنْ أَصْلِهِ صُدِّقَتْ.

(فَصْلٌ فِي الرَّجْعَةِ)

ــ

[حاشية الشربيني]

وَعَلَّلُوا بِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْبَعْضِ غَيْرُ مَفْهُومٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا صَدَّقَتْهُ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا صِدْقُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ تَمْكِينُهُ، وَإِلَّا حَرُمَ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِالتَّفْرِيقِ، إذْ حُكْمُهُ إنَّمَا يَنْفُذُ بَاطِنًا إذَا وَافَقَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ بَاطِنَهُ اهـ. حَجَرٌ لَكِنْ فِي م ر أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهَا صِدْقُهُ وَكَذِبُهُ جَازَ لَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>