(فَاعْذُرْهُمْ) فِي ذَلِكَ (فَحَقُّهَا أَنْ تُحْسَدَا فَهِيَ عَرُوسٌ بِنْتُ عَشْرٍ) لِأَنَّهُ صَنَّفَهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ، وَكُلٌّ مِنْ مَدْخُولِ هَاتَيْنِ الْفَاءَيْنِ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهَا (بِكْرُ) يَرْغَبُ فِيهَا الطُّلَّابُ كَالْبِكْرِ مِنْ النِّسَاءِ (بَكْرِيَّةٌ) نِسْبَةً إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوَاقِعِ فِي نَسَبِ النَّاظِمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ فِي الْأَدَبِ وَالشِّعْرِ حَيْثُ قَالَ: مُحَمَّدٌ عِنْدَ اللَّهِ حَيٌّ، وَجَدُّنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَنَحْنُ عَلَى مَنْ سَاءَنَا سُمُّ سَاعَةٍ وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ فَلْيُجَرِّبْ وَيَعْتَدْ (لَهَا الدُّعَاءُ) مِنْ طَالِبِهَا (مَهْرُ وَكَيْفَ) أَيْ: وَمِنْ أَيْنَ (لِي إذَا سَكَنْتُ اللَّحْدَا بِدَعْوَةٍ صَالِحَةٍ لِي تُهْدَى يَا خَالِقَ الْخَلْقِ وَيَا أَهْلَ الْكَرَمْ) أَسْأَلُك (بِالْمُصْطَفَى) أَيْ: الْمُخْتَارِ (مُحَمَّدٍ خَيْرِ النَّسَمْ) أَيْ: الْبَشَرِ، أَوْ الْأَنْفُسِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَيْرُ الْخَلْقِ فَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرُ الْخَلْقِ (أَدِمْ عَلَيَّ نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ وَنَجِّنِي مِنْ خَطَرِ الْآثَامِ) أَيْ: الذُّنُوبِ (بِك) لَا بِغَيْرِك (الْعِيَاذُ مِنْ عَذَابِ الْفَقْرِ وَالْقَبْرِ وَالنَّارِ وَخِزْيِ الْحَشْرِ) أَيْ: وَذُلِّهِ وَغَيْرِهَا (خُذْ بِيَدِي) أَيْ: نَجِّنِي (مِنْ هَوْلِ) أَيْ: فَزَعِ (كُلِّ غُمَّهْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ: كُرْبَةٍ (فَضْلًا) مِنْك لَا مُجَازَاةً لِعَمَلِي (وَ) هَبْ لِي (مِنْ لَدُنْك) أَيْ: مِنْ عِنْدَك (رَحْمَهْ) أَفُوزُ بِهَا.
(وَكُلِّ) أَيْ:، وَكَذَا لِكُلِّ (مَنْ أَحْبَبْتُ، أَوْ أَحَبَّنِي فِيك وَكُلِّ مُؤْمِنِ) بِك مُؤَمِّنٍ عَلَى الدُّعَاءِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ جَزِيلِ الْفَضْلِ) أَيْ: عَظِيمِهِ (ثُمَّ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أُصَلِّي) وَأُسَلِّمُ (وَ) عَلَى (الْآلِ وَالصَّحْبِ بِهَذَا) أَيْ: الْمَذْكُورِ مِنْ
ــ
[حاشية العبادي]
الْوَجْهِ الْأَبْلَغِ الْأَعْلَى (قَوْلُهُ: فَهِيَ عَرُوسٌ إلَخْ) فِي كَلَامِهِ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً لِمَكَانِ ذِكْرِ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: ١٨] ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْأَوَّلِ بُرُوزُهَا تَتَجَلَّى عَلَى بَصَائِرِ النَّاظِرِينَ تَتَبَخْتَرُ لِلْأَكِفَّاءِ الْخَاطِبِينَ، وَفِي الثَّانِي تَأْلِيفُهَا فِي عَشْرِ سِنِينَ، وَفِي الثَّالِثِ كَثْرَةُ الرَّغْبَةِ فِيهَا كَالْبِكْرِ مِنْ النِّسَاءِ، وَفِي الرَّابِعِ كَوْنُ مُؤَلَّفِهَا يُنْسَبُ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُشَبِّهَهَا بِالْعَرُوسِ الْحَاوِيَةِ لِلصِّفَاتِ الْمَرْغُوبَةِ فِيهَا مِنْ حَدَاثَةِ السِّنِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَشَرَفِ النَّسَبِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا بَعْدَ عَرُوسٍ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ نَظَرًا إلَى مُلَاءَمَتِهِ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ كَقَوْلِهِ: هِيَ الشَّمْسُ مَسْكَنُهَا فِي السَّمَا فَعَزِّ الْفُؤَادَ عَزَاءً جَمِيلًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ إلَيْهَا الصُّعُودَ وَلَنْ تَسْتَطِيعَ إلَيْك النُّزُولَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّرْشِيحِ نَظَرًا إلَى مُلَاءَمَتِهِ لِلْمُشَبَّهِ بِاعْتِبَارِ مَا قَرَّرْنَا كَقَوْلِهِ:
غَمَرَ الرِّدَاءَ إذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضَحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ
قَالَ الْبَيَانِيُّونَ: وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّانِي بَلْ وَمِنْ جَمْعِهِمَا أَعْنِي: التَّجْرِيدَ وَالتَّرْشِيحَ كَقَوْلِهِ:
لَدَى أَسَدٍ شَاكِي السِّلَاحِ مُقْذِفٍ ... لَهُ لِبْدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقْلَمْ
كَذَا فِيمَا عَلَّقَهُ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ عَلَى هَذَا الْبَابِ لَكِنْ قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ مِنْ الثَّانِي إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ فَإِنَّ الَّذِي قَرَّرَهُ الْبَيَانِيُّونَ عَكْسُ ذَلِكَ عِبَارَةُ التَّلْخِيصِ وَالْمُخْتَصَرِ: وَالتَّرْشِيحُ أَبْلَغُ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجْرِيدِ وَمِنْ جَمْعِ التَّجْرِيدِ وَالتَّرْشِيحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَهَا الدُّعَاءُ مَهْرُ) أَشَارَ بِهِ إلَى خِفَّةِ مَهْرِهَا بِرّ. (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ إذَا سَكَنْتُ اللَّحْدَا) اسْتَفْهَمَ مُسْتَبْعِدًا مُتَعَجِّبًا مِنْ إهْدَاءِ دَعْوَةٍ صَالِحَةٍ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ بِمَوْتِهِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْتِمَاسُ الدُّعَاءِ، وَيَصِيرُ فِي مِظَلَّةِ نِسْيَانِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَيْخَنَا الشِّهَابَ الْبُرُلُّسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ بَسَطَ الْقَوْلَ عَلَى ذَلِكَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْبَابِ بِمَا مِنْهُ أَنَّ ابْنَ هِشَامٍ فِي مُغْنِيهِ ذَكَرَ أَنَّ كَيْفَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْعَرَبِيَّةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ تَكُونَ شَرْطًا غَيْرَ جَازِمٍ فَتَقْتَضِي فِعْلَيْنِ مُتَّفِقَيْ اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى غَيْرِ مَجْزُومَيْنِ نَحْوَ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامًا إمَّا حَقِيقِيًّا نَحْوَ كَيْفَ زَيْدٌ، أَوْ غَيْرَهُ نَحْوَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ فَإِنَّهُ أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ وَأَنَّ الرَّضِيَّ قَالَ: إنَّهَا ظَرْفٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ وَاسْمٌ غَيْرُ ظَرْفٍ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَأَنَّ ابْنَ مَالِكٍ أَنْكَرَ ظَرْفِيَّتَهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَمَانًا، وَلَا مَكَانًا قَالَ: وَلَكِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تُفَسَّرُ بِقَوْلِك: عَلَى أَيِّ حَالٍ لِكَوْنِهَا سُؤَالًا عَنْ الْأَحْوَالِ الْعَامَّةِ سُمِّيَتْ ظَرْفًا مَجَازًا لِكَوْنِهَا فِي تَأْوِيلِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي شَيْخَنَا إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَكَيْفَ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إمَّا خَبَرٌ عَنْ دَعْوَةٍ، وَبَاءُ دَعْوَةٍ زَائِدَةٌ، وَلِي الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِدَعْوَةٍ، وَالثَّانِي مُتَعَدِّي وَهُوَ الْعَامِلُ فِي إذَا، وَالتَّقْدِيرُ وَدَعْوَةٌ لِي صَالِحَةٌ تُهْدَى لِي حِينَ أَسْكُنُ اللَّحْدَ كَائِنَةٌ عَلَى أَيِّ حَالٍ، وَإِمَّا حَالٌ، وَبَاءُ دَعْوَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْضًا لِي الْأُولَى وَبَاقِي الْإِعْرَابِ بِحَالِهِ إلَّا أَنْ تُهْدَى، وَالْفِعْلَ الْمُقَدَّرَ مُتَنَازِعَانِ فِي إذَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالتَّقْدِيرُ وَيَفْتَحُ لِي بِدَعْوَةٍ صَالِحَةٍ حِينَ أَسْكُنُ اللَّحْدَ تُهْدَى لِي كَائِنَةً عَلَى أَيِّ حَالٍ هَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ كَيْفَ بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ الَّتِي هِيَ مِنْ ظَرْفِ الْمَكَانِ فَلَمْ أَدْرِ سَلَفَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ: الْمُخْتَارِ) أَيْ: مِنْ الْخَلْقِ (قَوْلُهُ: أَدِمْ عَلَيَّ نِعْمَةَ الْإِسْلَامِ) إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ بِرّ، وَكَتَبَ أَيْضًا بِالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا إلَى الْمَوْتِ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَنَجِّنِي مِنْ خَطَرِ الْآثَامِ) قَالَ شَيْخُنَا: بِالْعَفْوِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ أَقُولُ: أَوْ بِحِفْظِي مِنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَيَجُوزُ إرَادَةُ الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهَا) وَخَصَّ هَذِهِ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَاقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلٍّ مِنْهَا بِرّ، (قَوْلُهُ: أَيْ وَكَذَا لِكُلِّ) هَذَا بَدَلٌ عَلَى عَطْفِ كُلٍّ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي وَهَبْ لِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى نَبِيِّهِ أُصَلِّي) لَمْ يَقُلْ عَلَى رَسُولِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْصَرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا هَذَا تَمَامُ مَا وَجَدْتُهُ مِنْ الْحَوَاشِي الشَّرِيفَةِ، وَالتَّحْرِيرَاتِ الْمَنْفِيَّةِ لِمَوْلَانَا خَاتِمَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَالْمُحَرِّرِينَ الْفِخَامِ بَرَكَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَخُلَاصَةِ الْقَادَةِ الْمُتَبَحِّرِينَ جَامِعِ أَشْتَاتِ الْعُلُومِ، وَالْمُحَقِّقِ مِنْ فَنُونِهَا الْمَنْطُوقِ، وَالْمَفْهُومِ مُحِلِّ الْمُشْكِلَاتِ، وَصَاحِبِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ
ــ
[حاشية الشربيني]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .