هِيَ لُغَةً: الدُّعَاءُ قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: ١٠٣] أَيْ اُدْعُ لَهُمْ وَتَقَدَّمَ بَسْطُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَشَرْعًا: أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ، وَسُمِّيَتْ بِهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ وَبَدَأَ بِالْمَكْتُوبَاتِ كَمَا سَتَرَاهُ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ وَأَفْضَلُ، وَهِيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسٌ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمِنْ كَلَامِ النَّظْمِ الْآتِي، وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا دَائِمًا بِإِكْمَالِ وَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَقَوْلِهِ {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣] أَيْ مُحَتَّمَةً مُؤَقَّتَةً، وَأَخْبَارٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» وَقَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَا، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» وَقَوْلِهِ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «أَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» ، وَأَمَّا وُجُوبُ قِيَامِ اللَّيْلِ فَنَسْخٌ فِي حَقِّنَا، وَهَلْ نَسْخٌ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا وَالصَّحِيحُ نَعَمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي النِّكَاحِ، وَصَدَّرَ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْبَابَ بِذِكْرِ الْمَوَاقِيتِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ وَبِخُرُوجِهَا تَفُوتُ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: ١٧] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: ١٨] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِحِينَ تُصْبِحُونَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، وَبِعَشِيًّا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَبِحِينَ تُظْهِرُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَخَبَرِ «أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: أَوَّلَ الْكِتَابِ) قَالَ هُنَاكَ وَالصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّ تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ اهـ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ هُنَا: هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ أَيْ بِخَيْرٍ وَعَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ هُنَا: هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ أَيْ هِيَ مِنْ الْآدَمِيِّ لُغَةً الدُّعَاءُ (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ إلَخْ) قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْوَالِ مَا عَدَا التَّكْبِيرَةَ وَالسَّلَامَ لَا مَا يَشْمَلُهُمَا، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ إلَخْ وَأَنَّ هَذَا تَحْقِيقٌ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ وَأَنَّ ذِكْرَ الِافْتِتَاحِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِ التَّكْبِيرِ عَنْ الْأَقْوَالِ وَأَقُولُ: هَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ وَاضِحٌ وَاللَّائِقُ إزَالَةُ التَّاءِ وَالْحَاءِ مِنْ لَفْظِ التَّحْقِيقِ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ إذْ لَا تَتَمَيَّزُ تِلْكَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ الَّتِي هِيَ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا إلَّا بِهَذَا الْقَيْدِ فَلِهَذَا صَرَّحَ بِهِ مَعَ الْقَطْعِ، يَتَنَاوَلُ قَوْلُ التَّعْرِيفِ أَقْوَالٌ لِلتَّكْبِيرَةِ وَالسَّلَامِ؛ وَلِأَنَّ افْتِتَاحَ الشَّيْءِ يَكُونُ مِنْهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ أَنَّ التَّكْبِيرَ قَبْلَهَا خَارِجٌ عَنْهَا وَأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُفْتَتَحُ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ قَدْ يَكُونُ بِمَا هُوَ مِنْهُ، بَلْ وَعَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فَتَأَمَّلْهُ
وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ الْكِتَابِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْهُ قَطْعًا فَتَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّعْرِيفُ تَعْرِيفًا بِالْأَعَمِّ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْأَقْدَمُونَ فَلَا يَضُرُّ شُمُولُهُ سَجْدَتَيْ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (قَوْلُهُ: وَسُنَنِهَا) فَحَافِظُوا لِلنَّدْبِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ الْمَوَاقِيتِ (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِحِينَ تُمْسُونَ) أَيْ بِالتَّسْبِيحِ حِينَ تُمْسُونَ
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ) وَتَعَدَّى بِعَلَى لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْعَطْفِ وَالتَّحَنُّنِ اهـ سم عَنْ ع (قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ) أَيْ وَالتَّعَبُّدُ وَالرَّحْمَةُ أَيْضًا، وَالرَّحْمَةُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ أَيْضًا لَهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ. اهـ. ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: الدُّعَاءُ) أَيْ مِنْ الْآدَمِيِّ فَقَطْ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ) أَيْ غَالِبًا، وَحُذِفَ قَيْدُ الْغَلَبَةِ مِنْ التَّعْرِيفِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ النَّادِرَ كَالْمَعْدُومِ ع ش (قَوْلُهُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ) أَيْ مَا وَضْعُهُ وَشَأْنُهُ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ، فَتَدْخُلُ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ وَمَنْ أَجْرَى الْأَرْكَانَ عَلَى قَلْبِهِ لِمَرَضٍ سم قَالَ: لَكِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّعْرِيفِ، وَفِي رَشِيدِيٍّ عَلَى م ر أَنَّهُمَا صَلَاةٌ نَظَرًا لِأَصْلِهِمَا، فَلَا يُرَدُّ مَا سَقَطَ لِعُذْرٍ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُمَا لَيْسَا صَلَاةً وَإِنَّمَا قُبِلَا لِلْعُذْرِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ أَيْضًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ) أَيْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَإِلَّا لَصَدَقَ بِمَا إذَا أَتَى بِهَا لَا عَلَى تَرْتِيبِهَا الْمَخْصُوصِ مَعَ افْتِتَاحِهَا بِالتَّكْبِيرِ وَاخْتِتَامِهَا بِالتَّسْلِيمِ. اهـ (قَوْلُهُ مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ) فَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا كَفَرَ إنْ كَانَ مُخَالِطًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ قَرِيبَ عَهْدٍ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ الْمَقْطُوعِ بِهِ فِي الشَّرْعِ ضَمِنَ بِجَحْدِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَكَذَا جَحْدُ كُلِّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِيهِ نَصٌّ، وَهُوَ مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ فِي بَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ فَيُعَرَّفُ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْجَحْدِ كَفَرَ. اهـ. شَرْحُ الزَّنْكَلُونِيِّ عَلَى التَّنْبِيهِ
(قَوْلُهُ دَائِمًا) أَخَذَهُ مِنْ إطْلَاقِ صِفَةِ الْأَمْرِ وَعَدَمِ التَّقْيِيدِ بِوَقْتٍ دُونَ آخَرَ. اهـ (قَوْلُهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) أَيْ وَعَلَيَّ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى. (قَوْلُهُ خَمْسِينَ صَلَاةً) أَيْ هَذِهِ الْخَمْسُ مُكَرَّرَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشْرٌ وَنَقَلَ ع ش أَنَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَشْرًا لَكِنَّ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْهَا رَكْعَتَانِ حَتَّى الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. اهـ أَيْ فَأُقِرَّتْ بَعْدَ التَّخْفِيفِ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِيمَا عَدَا الْمَغْرِبَ، وَزِيدَ فِيهَا مَا عَدَا الصُّبْحَ فِي الْحَضَرِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِحَجَرٍ أَنَّهَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا عَدَا الْمَغْرِبَ أَيْ وَأُقِرَّتْ عَلَى ذَلِكَ سَفَرًا وَزِيدَ فِيهَا حَضَرًا، وَالْمُرَادُ بِإِقْرَارِهَا أَنَّ الْمُتَعَيَّنَ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ الْإِتْمَامَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، بَلْ مُفَوَّضٌ لِاخْتِيَارِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَوْلِهِ لِلْأَعْرَابِيِّ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ وَمَا بَعْدَهُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّخْفِيفِ أَنَّهُ جَعَلَهَا خَمْسًا نَفْلًا فَيَكُونُ التَّخْفِيفُ لِلْعَدَدِ وَالصِّفَةِ. اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا تَجِبُ) أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ وَقْتِهَا أَوْ خَارِجِهِ لِجَمْعٍ أَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا لَزِمَهُ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute