مَعْنَاهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عَارِفًا بِهَا بِالْأَمَارَةِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ بِاشْتِغَالِهِ بِمَعْرِفَتِهَا
ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ سُنَنِهِ فَقَالَ (عَذْبِ صَوْتٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِذَكَرٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِحُسْنِ صَوْتِهِ وَأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِيهِ فَيَكُونُ مَيْلُهُمْ لِلْإِجَابَةِ أَكْثَرَ (جَهْوَرِي) الصَّوْتِ أَيْ شَدِيدِهِ وَرَفِيعِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى مِنْك صَوْتًا» أَيْ أَبْعَدُ وَلِزِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ وَكَوْنِهِ (عَنْ احْتِسَابٍ) بِهِ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «آخِرُ مَا عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِكُلِّ أَحَدٍ الرِّزْقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَلِلْإِمَامِ عِنْدَ فَقْدِ مُحْتَسِبٍ الرِّزْقُ مِنْ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِهَا فَلَوْ احْتَسَبَ فَاسِقٌ فَلَهُ رِزْقُ أَمِينٍ أَوْ أَمِينٌ فَلَهُ رِزْقُ أَحْسَنِ صَوْتٍ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً وَيَجُوزُ الِاكْتِرَاءُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بِهِ فِي بَابِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ الْمُدَّةِ، بَلْ يَكْفِي كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ أَوْ مِنْ مَالِهِ أَوْ الْمُكْتَرِي أَحَدُ الرَّعِيَّةِ اُشْتُرِطَ بَيَانُهَا، وَالرِّزْقُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، وَالْأُجْرَةُ مَا يَقَعُ بِهِ التَّرَاضِي (ثِقَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى الْوَقْتِ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ بِعُلُوٍّ، وَالْفَاسِقُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْعَوْرَاتِ، وَأَذَانُهُ مَكْرُوهٌ لَكِنْ يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ فِي الْوَقْتِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمُقْتَضَى النَّصِّ وَكَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي أَصْلِهَا جَوَازُ تَوْلِيَةِ الْفَاسِقِ الْأَذَانَ لِلْجَمَاعَةِ، وَالْوَجْهُ تَأْوِيلُهُ، فَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ مِنْ مَوَاضِعَ أُخَرَ انْتَهَى
وَقَدْ يُحْمَلُ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ عَلَى تَوْلِيَتِهِ الْحَاصِلَةِ بِاتِّفَاقِ الْقَوْمِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي عَلَى تَوْلِيَةِ الْإِمَامِ لَهُ (مُطَهَّرِ) عَنْ الْحَدَثَيْنِ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ مُطَهَّرٍ) قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَيُكْرَهُ أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْمُحْدِثِ وَلِلْجُنُبِ أَشَدُّ وَالْإِقَامَةُ أَغْلَظُ. اهـ. وَهَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ لَا تُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ لَا يُكْرَهُ لَهُ كَمَا قَالَ فِي الْبَيَانِ: فَإِنْ قَرَأَ مُحْدِثًا جَازَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْإِمَامُ الْحُسَيْنُ: وَلَا يُقَالُ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا، بَلْ هُوَ تَارِكٌ لِلْأَفْضَلِ، وَفِي الْعُبَابِ وَلَا تُكْرَهُ أَيْ التِّلَاوَةُ لِمُحْدِثٍ. اهـ وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَا يُكْرَهُ الذِّكْرُ لِلْمُحْدِثِ، بَلْ وَلَا الْجُنُبِ اهـ
[حاشية الشربيني]
وَلَا بِصَرِيحِ الْخَبَرِ، بَلْ يَكْفِي الْأَذَانُ بِهِ
(قَوْلُهُ يُفَوِّتُ إلَخْ) أَيْ قَدْ يُفَوِّتُ لِعَدَمِ وُجُودِ ثِقَةٍ يُخْبِرُهُ حِينَئِذٍ
(قَوْلُهُ عَذْبِ صَوْتٍ) وَيُكْرَهُ تَمْطِيطُهُ الْأَذَانَ أَيْ تَمْدِيدُهُ وَيُكْرَهُ التَّغَنِّي بِهِ أَيْ التَّطْرِيبُ م ر قَالَ حَجَرٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ الْمَعْنَى، وَإِلَّا حَرُمَ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُ كُفْرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ. وَقَوْلُهُ: بَلْ كَثِيرٌ مِنْهُ كُفْرٌ أَيْ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى اهـ. شَيْخُنَا ذَهَبِيٌّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ أَيْ أَبْعَدُ) قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ قَوْلًا أَنَّهُ بِمَعْنَى أَحْسَنَ سم عَلَى الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ لَا يَأْخُذُ إلَخْ) لِخَبَرِ «مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا كُتِبَ لَهُ إبْرَاءٌ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ.
(قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ إلَخْ) هَلْ هُوَ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ؟ فَهُوَ جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ عِنْدَ فَقْدِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ كَالْوَصِيِّ اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَصَالِحِ) وَهُوَ خُمْسُ خَمْسٍ مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِهَا) أَيْ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْمُؤَذِّنِ بِقَدْرِ تِلْكَ الْحَاجَةِ بِأَنْ اُحْتِيجَ فِي ظُهُورِ الشِّعَارِ إلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ فَلَا يَرْزُقُ ثَلَاثَةً مَثَلًا، وَأَمَّا قَدْرُ مَا يُعْطَاهُ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَالرِّزْقُ إلَخْ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا يَرْزُقُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَلَى قَدْرِهَا، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسَاجِدُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَمْعُ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ رَزَقَ عَدَدًا مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ يَحْصُلُ بِهِمْ الْكِفَايَةُ وَيَتَأَدَّى الشِّعَارُ، وَإِنْ أَمْكَنَ فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا رِزْقُ الْجَمِيعِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ وَالْأَصَحُّ فِي تَعَدُّدِ الْمُؤَذِّنِينَ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ مُرَاعَاةُ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِقَدْرِهَا) عِبَارَةُ الرَّوْضِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَاسِقٌ وَأَبَى الْأَمِينُ إلَّا بِالرِّزْقِ رَزَقَهُ الْإِمَامُ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ عِنْدَ حَاجَتِهِ بِقَدْرِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ اهـ. وَتَبِعَهُ م ر، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ احْتِيَاجِ الْمُؤَذِّنِ لِلنَّفَقَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ يَأْخُذُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِلَّا أَخَذَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ كَمَا فِي ع ش لَكِنْ لَوْ كَانَ مُحْتَاجًا أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَكْثَرَ وَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطَاهَا، وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا تَدَبَّرْ وَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَكْفِيهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْطِيهِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يَرْضَ بِالِاحْتِسَابِ وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ مَا يَكْفِيهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهَا فَلْيُحَرَّرْ هَلْ يُجْبَرُ حِينَئِذٍ اهـ. (قَوْلُهُ ثِقَةٍ) ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْعَبْدَ يُوصَفُ بِالثِّقَةِ دُونَ الْعَدَالَةِ، وَنَازَعَ الْإِسْنَوِيُّ فِي عَدَمِ وَصْفِهِ بِهَا قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ لَعَلَّ مُرَادَهُمَا الْعَدَالَةُ الْمُطْلَقَةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ عَدْلٌ إلَّا مُقَيَّدًا بِأَنْ يُقَالَ عَدْلُ رِوَايَةٍ اهـ. وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْعَدْلِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ السُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلَ شَهَادَةٍ وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُهَا بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي م ر
(قَوْلُهُ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ) لِقَوْلِهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا، وَهُوَ الثِّقَةُ اهـ. وَتَأْوِيلُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُوَلَّى لِأَذَانِ الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ، فَلَا يَجُوزُ إلَخْ) هَلْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute