السُّخُونَةِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ نَعَمْ إنْ فَقَدَ غَيْرَهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ أَوْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا حَرُمَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَمِثْلُهُ الْبَارِدُ الْوَفِيُّ وَتَرَكَهُ اكْتِفَاءً كَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ أَيْ: وَالْبَرْدَ وَخَرَجَ بِالْوَفِيِّ الْمُعْتَدِلُ وَلَوْ مُسَخَّنًا بِالْخَبَثِ فَلَا يُكْرَهُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَشَمِّسِ وَمَاءٍ بِنَارِ الْحِجْرِ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ يُمْنَعُ مِنْهُ وَفِي فَتَاوِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَفِي مَجْمُوعِهِ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ النَّاسَ النَّازِلِينَ عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ بِأَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَنْ يَسْتَقُوا مِنْ بِئْرِ النَّاقَةِ» وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ كُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ لِخَسْفِهَا وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد أَنَّهَا أَرْضٌ مَلْعُونَةٌ وَمَاءِ بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَسْخِ مَائِهَا حَتَّى صَارَ كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ وَمَاءِ بِئْرِ بَرَهُوتَ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «شَرُّ بِئْرٍ فِي الْأَرْضِ بَرَهُوتُ» وَلَا يُكْرَهُ الْمُتَغَيِّرُ بِمَا لَا غِنًى لِلْمَاءِ عَنْهُ وَلَا مَاءُ زَمْزَمَ فِي الْحَدَثِ وَأَمَّا فِي الْخَبَثِ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ: لَهُ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ فَقِيلَ: حُرْمَةٌ وَالظَّاهِرُ أَدَبًا فَقَدْ عَبَّرَ الرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ بِالْكَرَاهَةِ مَقْرُونَةً وَبِكَرَاهَةِ الْمُتَشَمِّسِ وَالصَّيْمَرِيُّ بِخِلَافِ الْأُولَى وَفِي مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ أَزَالَ بِهِ الدَّمَ الَّذِي حَصَلَ بِرَجْمِ قُرَيْشٍ لَهُ وَحَمْلُهُ عَلَى فَقْدِ غَيْرِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا يُكْرَهُ فَضْلُ مَاءِ الْحَائِضِ وَالنَّهْيُ عَنْ الِاغْتِسَالِ بِفَضْلِ وُضُوئِهَا لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ مَنْدَهْ وَالْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ وَارِدَةٌ بِالْإِبَاحَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ
ــ
[حاشية العبادي]
(قَوْلُهُ: لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَنْ شَأْنُهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَظِنَّةُ الْإِخْلَالِ بِالطَّهَارَةِ وَإِلَّا فَلَوْ مَنَعَهُ بِالْفِعْلِ لَمْ تَصِحَّ الطَّهَارَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لِمَنْعِهِ كَمَالُ الْإِسْبَاغِ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَجَبَ) أَيْ: مَا لَمْ يُظَنَّ ضَرَرُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ) عَلَّلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِخَوْفِ الضَّرَرِ وَمُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ فِي الْبَدَنِ مُطْلَقًا فَلْيُنْظَرْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ مِنْهُ ضَرَرًا) أَيْ: ظَنَّهُ وَلَوْ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَتْ عَنْ طِبٍّ لَا عَنْ تَجْرِبَةٍ كَمَا قَالَهُ ع ش فِي الْمُشَمَّسِ اهـ. (قَوْلُهُ: حَرُمَ) وَوَجَبَ التَّيَمُّمُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَبْرِيدُهُ؛ لِأَنَّ شَأْنَهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْدُورًا ع ش. (قَوْلُهُ: الْبَارِدُ الْوَفِيُّ) وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى بَرْدٍ لَا يَمْنَعُ الْإِسْبَاغَ أَوْ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ اهـ. (قَوْلُهُ: يُكْرَهُ) وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَحَكَمَ بِنَجَاسَتِهِ عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: أَرْضِ) بَدَلٌ مِنْ الْحِجْرِ. (قَوْلُهُ: كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ) هُوَ بِرْكَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مَوْضِعِ دِيَارِهِمْ الَّتِي خُسِفَتْ بِقُرْبِ الْقُدْسِ يَخْرُجُ مِنْهَا الْجَمَدُ. اهـ. شَرْحُ عُبَابٍ لِحَجَرٍ (قَوْلُهُ: بَابِلَ) هُوَ مَوْضِعٌ بِالْعِرَاقِ يُنْسَبُ إلَيْهِ السِّحْرُ. (قَوْلُهُ: بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ) هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ ذَرْوَانَ كَمَرْوَانَ وَكَانَ الْأَصْلُ ذِي أَرْوَانَ فَسُهِّلَتْ الْهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ ذَرْوَانَ كَذَا فِي الرَّشِيدِيِّ وَلَعَلَّ فِيهِ حَذْفًا لِلِاحْتِيَاجِ لِأَعْمَالٍ أُخَرَ وَهِيَ بِئْرُ بَنِي زُرَيْقٍ اهـ. (قَوْلُهُ: بَرَهُوتَ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ بِئْرٌ بِحَضْرَمَوْتَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ يُقَالُ إنَّ فِيهَا أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ وَفِي تَاجِ الْقَامُوسِ بَرَهُوتُ بِفَتْحَتَيْنِ فَضَمٍّ أَوْ بِزِنَةِ عُصْفُورٍ وَادٍ مَعْرُوفٌ أَوْ بِئْرٌ عَمِيقَةٌ بِحَضْرَمَوْتِ الْيَمَنِ لَا يُسْتَطَاعُ النُّزُولُ إلَى قَعْرِهَا وَهِيَ مَقَرُّ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ ظَهِيرَةَ فِي تَارِيخِ مَكَّةَ وَتَاؤُهُ عَلَى الْأَوَّلِ زَائِدَةٌ وَعَلَى الثَّانِي أَصْلِيَّةٌ وَتَحَصَّلَ إلَى هُنَا كَمَا فِي م ر أَنَّ الْمِيَاهَ الْمَكْرُوهَةَ ثَمَانِيَةٌ. (قَوْلُهُ: الْمُتَغَيِّرُ بِمَا لَا غِنَى لِلْمَاءِ عَنْهُ) مِثْلُهُ الْمُتَغَيِّرُ بِطُولِ الْمُكْثِ م ر وَفِي الْإِيعَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُكْرَهُ مِنْهَا مَا فِيهِ خِلَافٌ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَضْعُفْ مُدْرَكُ الْخِلَافِ جِدًّا وَإِلَّا فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ كَالْمُتَغَيِّرِ بِطُولِ الْمُكْثِ فَإِنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ وَشَذَّ ابْنُ سِيرِينَ فَكَرِهَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ: حُرْمَةً) أَيْ: قِيلَ إنَّ الْمَنْعَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَدَبًا أَيْ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فَيَكُونُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ خِلَافَ الْأَدَبِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْأَوْلَى. فَقَوْلُهُ: حُرْمَةً وَأَدَبًا مَنْصُوبٌ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ الْمَصْدَرِ أَيْ: مَنْعَ حُرْمَةٍ أَوْ مَنْعَ أَدَبٍ أَوْ التَّمْيِيزِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ الْأَدَبِ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ أَدَبًا) فِي الْمَجْمُوعِ السُّنَّةُ وَالْأَدَبُ يَشْتَرِكَانِ فِي النَّدْبِيَّةِ لَكِنَّ السُّنَّةَ تَتَأَكَّدُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَدْ عَبَّرَ الرُّويَانِيُّ) أَيْ: فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الْأَوَّلُ وَعِبَارَتُهُ يُكْرَهُ لِحُرْمَتِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى إذْ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ فَلَا يُنَافِي عُمُومَ تَعْبِيرِهِ فِي الزَّوَائِدِ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ الْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَفِي الْقُوتِ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ. اهـ. عَمِيرَةُ عَلَى الْمَحَلِّيِّ. (قَوْلُهُ: سَيْحُونَ) هُوَ نَهْرُ الْهِنْدِ وَجَيْحُونَ نَهْرُ بَلَخٍ وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْعِرَاقِ وَمِثْلُهُ الدِّجْلَةُ كَذَا فِي الْإِيعَابِ اهـ.
(فَرْعٌ) أَتَى بِثَوْبٍ فِيهِ دَمٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَغَمَسَهُ بِذَلِكَ الدَّمِ فِي نَحْوِ مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّ وُجُودَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فِيهَا وَلَا كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute