فَتَحَوَّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهَا وَيَبْنِي.
وَفَارَقَ مَا لَوْ حَوَّلَهُ إنْسَانٌ عَنْهَا فِي الْبِرِّ قَهْرًا بِغَلَبَةِ تَحَوُّلِ السَّفِينَةِ وَنُدْرَةِ هَذَا، وَأَلْحَقُوا بِالْفَرْضِ الْمَنْذُورَ لِسُلُوكِهِمْ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ، وَصَلَاةَ الْجِنَازَةِ لِكَوْنِهَا فَرْضًا؛ وَلِأَنَّ رُكْنَهَا الْأَعْظَمَ الْقِيَامُ، وَفِعْلُهَا عَلَى الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ يَمْحُو صُورَتَهُ فَإِنْ فُرِضَ إتْمَامُهُ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْقُونَوِيُّ وَابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ فِي النَّفْلِ إنَّمَا كَانَتْ لِكَثْرَتِهِ وَتَكَرُّرِهِ وَهَذِهِ نَادِرَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ بِالْجَوَازِ حِينَئِذٍ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ إلَيْهِ أَقْرَبُ أَمَّا الدَّابَّةُ الْوَاقِفَةُ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا إنْ أَمْكَنَهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ تَنْزِيلًا لَهَا مَنْزِلَةَ عِدْلٍ أَوْ مَتَاعٍ عَلَى الْأَرْضِ (لَكِنْ لِشُكْرٍ وَتِلَاوَةٍ سَجَدْ) عَلَيْهَا، وَهِيَ سَائِرَةٌ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ بِشَرْطِهِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ وَفَارَقَا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ رُكْنَهُمَا الْأَعْظَمَ وَهُوَ تَمْكِينُ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ بِأَنَّهَا تَنْدُرُ، فَلَا يَشُقُّ التَّكْلِيفُ بِالنُّزُولِ فِيهَا وَهُمَا يَكْثُرَانِ فَيَشُقُّ وَبِأَنَّ احْتِرَامَ الْمَيِّتِ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ فِيهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ فَحُكْمُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ اعْتَمَدَ الْجِهَةَ الَّتِي يَعْلَمُهَا أَوْ يَظُنُّهَا بَعْدَهُ وَإِنْ ظَنَّهُ وَظَنَّ صَوَابَ جِهَةٍ أُخْرَى اعْتَمَدَ أَوْضَحَ الدَّلِيلَيْنِ عِنْدَهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ، زَادَ الْبَغَوِيّ ثُمَّ يُعِيدُ لِتَرَدُّدِهِ حَالَةَ الشُّرُوعِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ يُصَلِّي بَعْدَمَا فِيهَا) أَيْ الْقِبْلَةِ (اجْتَهَدْ ثُمَّ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا (تَيَقَّنَ الْخُطَا مُعَيَّنَا) سَوَاءٌ عَلِمَ مَعَهُ جِهَةَ الصَّوَابِ أَمْ لَا (وَلَوْ يَسَارًا كَانَ) الْخَطَأُ (أَوْ تَيَمُّنَا) كَمَا يَكُونُ جِهَةً (أَوْ مُخْبِرَ الْمُقَلِّدِ الْخُطَا دَرَا) أَيْ أَوْ عَلِمَ الْخَطَأَ مُخْبِرُ الْمُقَلِّدِ وَأَعْلَمَهُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ (يُعِدْ) صَلَاتَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَإِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْإِعَادَةِ كَالْحَاكِمِ يُحْكَمُ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ يَجِدُ النَّصَّ بِخِلَافِهِ وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْإِعَادَةِ عَنْ الْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ نِسْيَانًا وَالْخَطَأِ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ فَتَحَوَّلَ وَجْهُهُ) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ إلَخْ) لَا يُقَالُ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّوَابَ مَعَهُ لَمْ يَأْمَنْ الْخَطَأَ فِي الْإِيمَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ الْخَطَأَ حَالَ الِاشْتِبَاهِ فَيُمْكِنُهُ الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى بُقْعَةٍ يَسْتَيْقِنُ فِيهَا الصَّوَابَ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَجِيجِ وَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ الْآتِيَيْنِ بِرّ
[حاشية الشربيني]
(قَوْلُهُ فِي الْبَرِّ) احْتِرَازٌ عَنْ تَحْوِيلِ مَلَّاحِ السَّفِينَةِ لَهُ بِتَحْوِيلِهَا، وَإِلَّا فَلَوْ حَوَّلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ ضَرَّ اهـ. (قَوْلُهُ إتْمَامَهُ) أَيْ الْقِيَامِ وَقَوْلُهُ فَكَذَلِكَ أَيْ لَا تَصِحُّ حَيْثُ كَانَتْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَالدَّابَّةُ سَائِرَةٌ أَمَّا إذَا كَانَتْ لَهَا، وَهِيَ وَاقِفَةٌ، فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَقَالَ حَجَرٌ الْمُعْتَمَدُ حِينَئِذٍ الصِّحَّةُ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ فَكَذَلِكَ أَيْ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ الْمَنْسُوبِ سَيْرُهَا إلَيْهِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الْقِبْلَةِ ثُمَّ ظَهَرَ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ تَغَيُّرَ اجْتِهَادِ الْمُصَلِّي لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا وَكُلٌّ مِنْهَا أَحْوَالُهُ ثَلَاثَةٌ: تَيَقُّنُ الْخَطَإِ، وَتَيَقُّنُ الصَّوَابِ تَيَقُّنَ الْخَطَأِ، وَظَنُّ الصَّوَابِ ظَنَّ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ. فَالْحَاصِلُ تِسْعَةٌ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَمِلَ بِالثَّانِي وَكَذَا إنْ ظَنَّ الصَّوَابَ أَوْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ فَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا وَأَعَادَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَكِنْ يُعِيدُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ دُونَ الْأَخِيرَتَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ التَّغَيُّرُ فِي الصَّلَاةِ فَيَسْتَأْنِفُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ وَيَعْمَلُ بِالثَّانِي إنْ كَانَ أَرْجَحَ وَظَهَرَ الصَّوَابُ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَإِ فَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا عَمِلَ بِالْأَوَّلِ أَيْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ فَظَهَرَ أَنَّ تَيَقُّنَ الْخَطَإِ يُجَامِعُ تَيَقُّنَ الصَّوَابِ، وَظَنَّ الصَّوَابِ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ يُجَامِعُ ظَنَّ الصَّوَابِ وَلَا يُجَامِعُ تَيَقُّنَ الصَّوَابِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ أَفْرَادَ الْخَطَإِ كَثِيرَةٌ، فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرْدًا مِنْهَا خَطَأً لَا يَلْزَمُ أَنَّ غَيْرَهُ صَوَابٌ يَقِينًا، بَلْ تَارَةً يَتَيَقَّنُ الصَّوَابَ وَتَارَةً يَظُنُّهُ بِخِلَافِ الصَّوَابِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا فَرْدٌ وَاحِدٌ فَمَتَى تَيَقَّنَ الصَّوَابَ فِي فَرْدٍ تَيَقَّنَ أَنَّ كُلَّ مَا عَدَاهُ خَطَأٌ. اهـ. تَقْرِيرُ الشَّيْخِ عَوَضٍ عَلَى الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ظَنَّهُ وَظَنَّ إلَخْ) سَمَّى الْأَوَّلَ ظَنًّا بِاعْتِبَارِ الْحَالِ قَبْلَ الظَّنِّ الثَّانِي، وَإِلَّا فَهُوَ بَعْدَ الثَّانِي وَهْمٌ (قَوْلُهُ اعْتَمَدَ أَوْضَحَ الدَّلِيلَيْنِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُجْتَهِدَانِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَعْلَمِ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَنِدَ لِفِعْلِ النَّفْسِ أَقْوَى مِنْ الْمُسْتَنِدِ لِلْغَيْرِ اهـ. حَجَرٌ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا) أَيْ الدَّلِيلَانِ وَلَعَلَّ تَسْمِيَةَ كُلٍّ ظَنًّا نَظَرًا لِحَالِهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِبَاقِي الْجِهَاتِ الَّذِي لَمْ يُظَنُّ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مُتَرَدِّدٌ. اهـ. تَدَبَّرْ. ثُمَّ يُعِيدُ اعْتَمَدَهُ م ر سم عَلَى التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ مَعَهُ جِهَةَ الصَّوَابِ أَمْ لَا) أَيْ وَلَا يَقْضِي بَعْدُ إلَّا إنْ عَلِمَ الصَّوَابَ أَوْ ظَنَّهُ إنْ كَانَ خَارِجَ الْوَقْتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute