للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُمَا أَنَّ الشَّرْطَ مَا اُعْتُبِرَ فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ يُقَارِنُ كُلٌّ مُعْتَبَرٌ سِوَاهُ كَالطُّهْرِ وَالسِّتْرِ فَإِنَّهُمَا يُعْتَبَرَانِ لِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالرُّكْنُ مَا اُعْتُبِرَ فِيهَا لَا بِهَذَا الْوَجْهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَهَذَا يُخْرِجُ التَّوَجُّهَ لِلْقِبْلَةِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ شَرْطٌ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا عُرْفًا، إذْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا لَا مُنْحَرِفٌ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا بِبَعْضِ مُقَدِّمِ بَدَنِهِ حَاصِلٌ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ

(رُكْنُ الصَّلَاةِ) عَلَى مَا فِي النَّظْمِ وَأَصْلِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَعَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالتَّحْقِيقِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي مَحَالِّهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ أَرْكَانًا وَعَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ بِإِسْقَاطِ الطُّمَأْنِينَةِ لِجَعْلِهَا كَالْهَيْئَةِ التَّابِعَةِ.

وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ بِرُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ وَبِهِ يُشْعِرُ خَبَرُ (إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ) الْآتِي وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ فَالْأَوَّلُ مِنْهَا

(نِيَّةٌ لِفِعْلِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لِتَمْتَازَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ، فَلَا يَكْفِي إحْضَارُهَا فِي الذِّهْنِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي الْوُضُوءِ، وَجَعَلَهَا

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ كَالطُّهْرِ) أَيْ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ فِيهِ حَالَ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ يَدْفَعُهَا عَنْهُ فَوْرًا كَمَا يَأْتِي فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي حَالِ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ قَبْلَ دَفْعِهَا مُتَطَهِّرٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوُقُوعَ لَا يَضُرُّ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ انْتِفَاؤُهُ فَقَدْ صَدَقَ فِي حَالِ الْوُقُوعِ أَنَّ الطُّهْرَ قَارَنَ مَا سِوَاهُ وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ إيرَادِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى اعْتِبَارِ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ كُلَّ مُعْتَبَرٍ سِوَاهُ فَتَأَمَّلْهُ. وَمِثْلُهُ كَشْفُ الرِّيحِ لِلْعَوْرَةِ إذَا اسْتَتَرَ حَالًا فَهُوَ فِي حَالِ الْكَشْفِ مُسْتَتِرٌ شَرْعًا فَلَمْ يَنْتِفْ الِاسْتِتَارُ الشَّرْعِيُّ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ هَذَا الْعَارِضِ فَقَدْ قَارَنَ السَّتْرُ الشَّرْعِيُّ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَا سِوَاهُ فَلَا يُرَدُّ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ) تَوْجِيهًا لَهُ (قَوْلُهُ لَيْسَتْ فِعْلًا) وَيُقَالُ: هِيَ فِعْلُ الْقَلْبِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ) تَوْجِيهًا لَهُ

ــ

[حاشية الشربيني]

لِشَبَهِهَا بِالْبَعْضِ حَقِيقَةً وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ لِتَشْبِيهِهَا عِلَّةٌ لِتَأَكُّدِ، وَمُرَادُهُ بِالْبَعْضِ حَقِيقَةً مَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَقَلُّ مَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ مَا زَادَ مِنْهَا حَقِيقَةً بِمَعْنًى آخَرَ (قَوْلُهُ وَالرُّكْنِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ تُرِكَ فَسَدَ كُلُّ مَا سِوَاهُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ، وَلِذَا عَدُّوا النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ فَرْضًا وَهُنَا رُكْنًا، إذْ لَوْ رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ تَبْطُلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَضَهَا فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ لَهَا هَيْئَةً مُرَكَّبَةً مُعْتَبَرَةً بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَعْبِيرِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ بِبَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَتَدَبَّرْ. لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْفَرْضِ أَرْكَانُ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْوُقُوفَ لَا يَبْطُلُ مَا مَضَى، بَلْ يَجِبُ التَّحَلُّلُ

(قَوْلُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ) بِجَعْلِ الطُّمَأْنِينَةِ رُكْنًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ) يَعْنِي أَنَّ الْخُلْفَ غَيْرُ رَاجِعٍ إلَى الْمَعْنَى، بَلْ إلَى اللَّفْظِ لَكِنْ فِي الْعُبَابِ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ إلَى الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ لَوْ شَكَّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا أَوْ شُرُوطِهَا فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ أَوْ قَوْلِيٍّ أَوْ بَعْضِ الْقَوْلِيِّ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَنِ عُرْفًا أَوْ بَعْدَ إتْيَانِهِ مَعَ الشَّكِّ بِرُكْنٍ قَوْلِيٍّ أَوْ فِعْلِيٍّ وَإِنْ قَصُرَ بِأَنْ قَارَنَ ابْتِدَاءَهُ فِي الْقَوْلِيِّ أَوْ ابْتَدَأَ مُقَدِّمَتَهُ مِنْ الْهَوِيِّ أَوْ الرَّفْعِ فِي الْفِعْلِيِّ إلَى انْتِهَائِهِ أَيْ انْتِهَاءِ مُسَمَّاهُ فِي الْفِعْلِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ ضَرَّ، قَالَ فِي الْخَادِمِ: إنَّ مُقَارَنَةَ الشَّكِّ لِلطُّمَأْنِينَةِ ضَارٌّ إنْ جَعَلْنَاهَا رُكْنًا مُسْتَقِلًّا وَإِلَّا، فَلَا ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ طَرَأَ الشَّكُّ فِي الرُّكُوعِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِ انْحِنَائِهِ وَزَالَ قَبْلَ اعْتِدَالِهِ لَمْ يَضُرَّ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْأَئِمَّةُ قَالَ؛ لِأَنَّ الرُّكُوعَ الْمُمْتَدَّ وَاحِدٌ فِي الصُّورَةِ، فَلَا يُجْعَلُ بَعْضُهُ كَرُكُوعِ مُفْرَدٍ زَائِدٍ غَيْرِ مَحْسُوبٍ، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ بَعْضِ الْقَوْلِيِّ وَبَعْضِ الْفِعْلِيِّ اهـ. وَالشَّكُّ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهَا كَأَنْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا؟ وَفِي بَعْضِ شُرُوطِهَا كَأَنْ شَكَّ هَلْ قَارَنَتْ التَّحَرُّمَ أَوْ لَا؟ فَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَفْظِيٌّ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِهَا وَعَدَمِهِ يَعْنِي أَنَّ الْكُلَّ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْوُجُوبِ اهـ. مَرْصَفِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ

(قَوْلُهُ: نِيَّةٌ لِفِعْلِهَا) حَقِيقَةُ النِّيَّةِ قَصْدُ الشَّيْءِ قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَى الْمَنْهَجِ، فَلَا بُدَّ هُنَا مِنْ التَّجْرِيدِ عَنْ بَعْضِ الْمَعْنَى لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ الْقَوْلِيِّ كَكُلِّهِ مَا نَصُّهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا طَالَ زَمَنُ الشَّكِّ أَوْ لَمْ يُعِدْ مَا قَرَأَهُ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ اهـ. سُقْنَاهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَعَلَى مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَعْضِ الْفِعْلِيِّ وَبَعْضِ الْقَوْلِيِّ إلَّا الْإِعَادَةُ عِنْدَ عَدَمِ الطُّولِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِتَمْتَازَ إلَخْ) أَيْ لِتَمْتَازَ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَفْعَلُهَا لَا مَعَ قَصْدِ فِعْلِهَا اهـ. ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ فَلَا يَرُدُّ أَنَّهَا لَا تَمْتَازُ عَنْ الْأَفْعَالِ الْمَنْوِيَّةِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ التَّمَيُّزَ بِالنِّيَّةِ وَلُزُومِهَا وَفِيهِ شَيْءٌ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْفِعْلِ) أَيْ عَنْ قَصْدِ الْفِعْلِ كَمَا هُوَ أَصْلُ الْكَلَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ إحْضَارِهِ، إذْ إحْضَارُهُ تَصَوُّرُهُ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَكْفِي (قَوْلُهُ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ الْفِعْلِ) أَيْ عَنْ أَنْ يَفْعَلَ وَإِلَّا فَهِيَ أَفْعَالٌ لَا يَتَأَثَّر الْغَفْلَةُ عَنْهَا تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَطْلُوبُ) إذْ الْمُكَلَّفُ بِهِ هُوَ الْأَمْرُ الِاخْتِيَارِيُّ، وَهُوَ الْفِعْلُ، إذْ الْأَثَرُ الْحَاصِلُ بِهِ حُصُولُهُ بَعْدَهُ ضَرُورِيٌّ وَمَا قِيلَ أَنَّ الْفِعْلَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ لَا يُكَلَّفُ بِهِ وَهْمٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَقَرَّرٌ لَهُ حَقِيقَةً كَيْفَ وَيَنْشَأُ عَنْهُ أَمْرٌ مَوْجُودٌ؟ نَعَمْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْلِيفِ بِهِ هُوَ الْأَثَرُ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>