يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إذْ أَغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَك يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] إلَى آخِرِهَا» وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةٍ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا فَإِنْ قُلْت: لَعَلَّهَا ثَبَتَتْ لِلْفَصْلِ قُلْنَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَأَنْ تُكْتَبَ أَوَّلَ بَرَاءَةٍ وَأَنْ لَا تُكْتَبَ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَالْفَصْلُ كَانَ مُمْكِنًا بِتَرَاجِمِ السُّوَرِ كَأَوَّلِ بَرَاءَةٍ فَإِنْ قُلْتَ: الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ قُلْنَا هَذَا فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا قُلْنَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ وَلَا يَشْكُلُ وُجُوبُهَا فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَا بِقَوْلِهِ «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَا فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِسُورَةِ الْحَمْدِ يُبَيِّنُهُ مَا صَحَّ عَنْ أَنَسٍ كَمَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَالَ لَا آلُو أَنْ أَقْتَدِي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ أَئِمَّتُنَا: إنَّهُ رِوَايَةٌ لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الرَّاوِي بِمَا ذُكِرَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ بِلَفْظِهِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ لَأَصَابَ إذْ اللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ.
(وَالْحُرُوفِ) وَهِيَ مِائَةٌ
ــ
[حاشية العبادي]
الْأَوَّلَ يَقْتَضِي تَرْكَهَا فِي الْأَثْنَاءِ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ السَّخَاوِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُبَسْمِلُ فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ أَثْنَاءِ بَرَاءَةٍ وَأَنَّ الْجَعْبَرِيَّ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: سِوَى بَرَاءَةٍ) لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ بِاعْتِبَارِ أَكْثَرِ مَقَاصِدِهَا وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَتْ أَوَّلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلشِّهَابِ حَجَرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ عَلَيْهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ وَفِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ لِلْجَعْبَرِيِّ مَا يُخَالِفُهُ. (قَوْلُهُ: فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ السُّورَةِ لَا آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ ظَاهِرَةٌ فِي بَيَانِ السُّورَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ لِإِتْيَانِ السُّورَةِ مَعَ زِيَادَتِهَا. (قَوْلُهُ: يَنْطِقُ بِهِ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُ النُّطْقِ بِهِ،
[حاشية الشربيني]
الْفِرَاقِ فَتَقْدِيرُ جَلَسْتُ بَيْنَكُمَا أَيْ: مَكَانَ فِرَاقِكُمَا وَبَيْنَ خُرُوجِك وَدُخُولِك أَيْ: زَمَانَ فِرَاقِهِمَا وَهُوَ لَازِمُ الْإِضَافَةِ إلَى الْمُفْرَدِ فَلَمَّا قَصَدُوا إضَافَتَهُ إلَى الْجُمْلَةِ أُشْبِعَتْ الْفَتْحَةُ فَتَوَلَّدَتْ الْأَلِفُ لِيَكُونَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ اقْتِضَائِهِ الْمُضَافَ إلَيْهِ إذْ الْإِضَافَةُ إلَى الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ جُمْلَةٌ كَلَا إضَافَةٍ وَقَدْ تُزَادُ مَا الْكَافَّةُ؛ لِأَنَّهَا تَكُفُّ الْمُقْتَضَى عَنْ الِاقْتِضَاءِ وَإِذَا تَوَلَّدَتْ الْأَلِفُ أَوْ كُفَّ بِمَا وَأُضِيفَ إلَى الْجُمْلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا لِلزَّمَانِ وَيَكُونُ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ: تَعْلِيقُ أَمْرٍ بِآخَرَ قَالَ الرَّضِيُّ فِي بَيَانِ إعْرَابِهِمَا الْمَحَلِّيِّ عِنْدَ دُخُولِ إذْ وَإِذَا فِي جَوَابِهِمَا: إنَّ إذْ وَإِذَا إنْ كَانَا ظَرْفَيْ مَكَان غَيْرَ مُضَافَيْنِ فَالْعَامِلُ هُوَ الْجَوَابُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ فَكَانَ إذْ وَإِذَا مَنْصُوبَيْنِ فِي الْمَحَلِّ عَلَى أَنَّهُمَا ظَرْفَا مَكَان لَهُ وَبَيْنَا وَبَيْنَمَا عَلَى أَنَّهُمَا ظَرْفَا زَمَانٍ لَهُ فَتَقْدِيرُ بَيْنَا زَيْدٌ قَائِمٌ إذْ رَأَى هِنْدًا رَأَى هِنْدًا بَيْنَ أَوْقَاتِ قِيَامِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَيْ: مَكَانِ قِيَامِهِ وَإِنْ كَانَا ظَرْفَيْ زَمَانٍ فَهُمَا مُضَافَانِ مُخْرَجَانِ عَنْ الظَّرْفِيَّةِ مُبْتَدَآنِ خَبَرُهُمَا بَيْنَا وَبَيْنَمَا فَالتَّقْدِيرُ وَقْتُ رُؤْيَةِ زَيْدٍ هِنْدًا كَائِنٌ بَيْنَ أَوْقَاتِ قِيَامِهِ. اهـ. عَبْدُ الْحَكِيمِ عَلَى شَرْحِ عَقَائِدِ النَّسَفِيِّ وَلَا يَخْفَى عَلَيْك بَعْدَ تَقْدِيرِ الْحَدِيثِ وَإِعْرَابِهِ. (قَوْلُهُ: كَأَوَّلِ بَرَاءَةٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ فَصَلَ بِتَرْجَمَةِ بَرَاءَةٍ أَوَّلَهَا. (قَوْلُهُ: قُرْآنًا إلَخْ) بِأَنْ يَجِبَ اعْتِقَادُ كَوْنِهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ. اهـ. عَوَضٌ. (قَوْلُهُ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا) أَيْ: أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ كَمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. (قَوْلُهُ: لَكَفَرَ جَاحِدُهَا) أَيْ: جَاحِدُ كَوْنِهَا قُرْآنًا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا تَقُولُونَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا) كَمَا قَالَ نَافِي الْقُرْآنِيَّةِ وَلَا يَقُولُ بِكُفْرِ مُثْبَتِهَا. (قَوْلُهُ: التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ) لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. اهـ. حَجَرٌ. (قَوْلُهُ: بِسُورَةِ الْحَمْدِ) أَيْ: لَا بِلَفْظِ الْحَمْدِ، وَالسُّورَةُ تَشْمَلُ الْبَسْمَلَةَ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ) قَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعْتهمْ فِي الْأَصْلِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ بِالِابْتِدَاءِ بِأَلِفَاتِ الْوَصْلِ اهـ. وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ أَلِفَ صِرَاطَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَالْأَلِفَ بَعْدَ ضَادِ الضَّالِّينَ مَحْذُوفَةٌ رَسْمًا لَكِنْ هَذَا ضَعِيفٌ وَالْأَرْجَحُ ثُبُوتُهَا وَثُبُوتُ أَلِفِ اسْمٍ وَأَلِفٍ بَعْدَ لَامِ الْجَلَالَةِ مَرَّتَيْنِ وَبَعْدَ مِيمِ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ عَيْنِ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اللَّفْظِ لَا الرَّسْمِ فَالْجُمْلَةُ مِائَةٌ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَرْفًا اهـ.
(قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute