للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِك دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ يُنْدَبُ {سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا} [الإسراء: ١٠٨] (فِي) أَيْ: سُنَّ سَجْدَةٌ فِي (الْعَشْرِ وَالْأَرْبَعِ مِنْ آيَاتِ) مِنْهَا (فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ) صَرَّحَ بِهِمَا لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَفِي الْأَعْرَافِ وَاحِدَةٌ، وَكَذَا الرَّعْدُ، وَالنَّحْلُ عَقِبَ مَا يُؤْمَرُونَ وَسُبْحَانَ، وَمَرْيَمُ، وَالْفُرْقَانُ، وَالنَّمْلُ عَقِبَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالم تَنْزِيلٌ، وَفُصِّلَتْ عَقِبَ يَسْأَمُونَ، وَالنَّجْمُ، وَالِانْشِقَاقُ، وَالْعَلَقُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ «أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَالْخَامِسَةَ عَشْرَةَ سَجْدَةُ ص. وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا، وَأَمَّا خَبَرُ «لَمْ يَسْجُدْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ لِلْمَدِينَةِ» فَضَعِيفٌ وَنَافٍ، وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ وَمُثْبِتٌ، وَأَيْضًا التَّرْكُ إنَّمَا يُنَافِي الْوُجُوبَ دُونَ النَّدْبِ. وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] ، وَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] » ، وَكَانَ إسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ.

(وَفِي الصَّلَاةِ) عُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ: سُنَّ سَجْدَةٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْ: الْمَشْرُوعِ فِيهَا قِرَاءَةُ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَلَا يَسْجُدُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا تُشْرَعُ هَلْ يَسْجُدُ لَهَا؟ وَجْهَانِ: ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ (بِلَا تَحَرُّمٍ وَلَا تَسْلِيمِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي صَلَاةٍ (وَلَا بِرَفْعٍ) لِلْكَفِّ فِي الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ، وَالرَّفْعِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَحَلُّهُ، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّكْبِيرِ لِلسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ بِلَا جِلْسَةٍ لِلِاسْتِرَاحَةِ. وَالسَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا تُسَنُّ

ــ

[حاشية العبادي]

لَا يَرْتَبِطَانِ إلَخْ لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: بِلَا تَحَرُّمٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُصَلِّي نِيَّتُهَا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ تَنْسَحِبُ عَلَيْهَا، وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سُجُودِ السَّهْوِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا وَرَّدَ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ بِتَصْرِيحِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يَقُمْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ مَقَامَهَا وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَشْمَلُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَوْ لِلسُّجُودِ لِقِرَاءَةِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: ١ - ٢] فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ.

ــ

[حاشية الشربيني]

فِي الْعَشْرِ وَالْأَرْبَعِ إلَخْ) إنْ قِيلَ لِمَ اخْتَصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ بِالسُّجُودِ مَعَ ذِكْرِ السُّجُودِ وَالْأَمْرِ بِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَآخِرِ الْحِجْرِ وَ {هَلْ أَتَى} [الإنسان: ١] قِيلَ: لِأَنَّ تِلْكَ فِيهَا مَدْحُ السَّاجِدِينَ صَرِيحًا، وَذَمُّ غَيْرِهِمْ تَلْوِيحًا، أَوْ عَكْسُهُ فَشُرِعَ السُّجُودُ لِغُنْمِ الْمَدْحِ تَارَةً، وَالسَّلَامَةِ مِنْ الذَّمِّ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ بَلْ نَحْوُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدًا عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنَّا سُجُودٌ عِنْدَهُ، وَأَمَّا {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: ١١٣] فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ فَضِيلَةٍ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَوْرَدَ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا ذَمَّ رَئِيسَ أَهْلِ الضَّلَالِ وَهُوَ أَبُو جَهْلٍ بِقَوْلِهِ: {لا تُطِعْهُ} [العلق: ١٩] كَأَنَّهُ ذَمَّ جَمِيعَ أَهْلِ الضَّلَالِ تَصْرِيحًا، وَفِي الْأَمْرِ مَدْحُ رَئِيسِ أَهْلِ الْهُدَى تَلْوِيحًا وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُ مَدَحَ الْجَمِيعَ تَلْوِيحًا بِخِلَافِ {وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: ٩٨] وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِغَيْرِ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ. اهـ. شَيْخُنَا مَرْصَفِيٌّ.

(قَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ) وَاحِدَةٌ فِي آخِرِهَا، وَالثَّانِيَةُ فِي آخِرِ أَوَّلِ رُبْعٍ مِنْهَا، وَقَوْلُهُ: وَفِي الْأَعْرَافِ أَيْ: فِي آخِرِهَا، وَقَوْلُهُ: الرَّعْدُ أَيْ: فِي أَوَّلِهَا، وَقَوْلُهُ: عَقِبَ يُؤْمَرُونَ وَقِيلَ: يَسْتَكْبِرُونَ، وَقَوْلُهُ: وَسُبْحَانَ أَيْ: فِي آخِرِهَا، وَقَوْلُهُ: وَمَرْيَمُ فِي {خَرُّوا سُجَّدًا} [مريم: ٥٨] ، وَقَوْلُهُ: وَالْفُرْقَانُ فِي {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٦٠] ، وَقَوْلُهُ: عَقِبَ {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٦] وَقِيلَ: يُعْلِنُونَ، وَقَوْلُهُ: وَالَمْ تَنْزِيلُ وَهُوَ {إِنَّمَا يُؤْمِنُ} [السجدة: ١٥] إلَخْ، وَقَوْلُهُ: عَقِبَ يَسْأَمُونَ وَقِيلَ: عَقِبَ تَعْبُدُونَ، وَقَوْلُهُ: وَالِانْشِقَاقُ أَيْ: عَقِبَ يَسْجُدُونَ وَقِيلَ: آخِرُهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا فِي ص عَقِبَ وَأَنَابَ وَقِيلَ: مَآبَ وَكَانَ الْأَوْلَى لَهُ النَّصَّ عَلَى كُلِّ مَا فِيهِ الْخِلَافُ، وَسَبَبُهُ النَّظَرُ إلَى تَمَامِ آيَةِ السُّجُودِ فَقَطْ، أَوْ إلَى مَا يَتْبَعُهَا مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى الْمُطِيعِ وَذَمِّ غَيْرِهِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قِيلَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ عِنْدَ الْمَحَلِّ الثَّانِي لِتُجْزِئَهُ السَّجْدَةُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا سَبَقَ إلَّا فِي سَجْدَةِ ص، وَالِانْشِقَاقِ إذْ الْمُعْتَمَدُ فِيمَا عَدَاهُمَا أَنَّ آخِرَ آيَةِ السَّجْدَةِ فِيهِ الثَّانِيَةُ كَذَا فِي الْحَوَاشِي الْمَدَنِيَّةِ وَغَيْرِهَا. اهـ.

وَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ تَمَامِ الْآيَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ إنَّمَا يَدْخُلُ بِتَمَامِهَا. ا. هـ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ: لَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ آيَةَ سَجْدَةٍ) أَوْ سُورَتَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فِي غَيْرِ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: ١ - ٢] فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ يُكْرَهْ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَنْهِيٌّ عَنْ زِيَادَةِ سَجْدَةٍ فِيهَا إلَّا السُّجُودَ لِسَبَبٍ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَالْقِرَاءَةُ بِقَصْدِ السُّجُودِ فِيهَا كَتَعَاطِي السَّبَبِ بِاخْتِيَارِهِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ لِيَفْعَلَ الصَّلَاةَ. ا. هـ م ر وع ش وَلَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ السُّجُودِ، وَشَيْءٍ آخَرَ مِمَّا يَجُوزُ قَصْدُهُ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ جَازَ لَهُ السُّجُودُ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ سم أَخْذًا مِنْ كَلَامِ حَجَرٍ فَرَاجِعْهُ، وَكَتَبَ شَيْخُنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِ ش: إنْ كَانَ الْقَارِئُ مُصَلِّيًا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِقِرَاءَتِهِ السُّجُودَ مَا نَصُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>