للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

(وَفِعْلُهَا فِيهَا) أَيْ: فِي الصَّلَاةِ (بِعَمْدٍ) وَعِلْمٍ بِتَحْرِيمٍ (مُبْطِلُ) لَهَا كَسَجْدَةِ الشُّكْرِ، بِخِلَافِ فِعْلِهَا سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا لِلْعُذْرِ لَكِنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ سَجَدَهَا الْإِمَامُ لِرَأْيِهِ لَمْ يَتْبَعْهُ، بَلْ يُفَارِقُهُ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ، وَإِذَا انْتَظَرَهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ وَوَجْهُ السُّجُودِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ جَاهِلًا، وَأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ. ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.

وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ شَرَعَ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ فَقَالَ: (وَسَجْدَةٌ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَهْ) أَيْ: وَسُنَّ سَجْدَةٌ (لِلشُّكْرِ) كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ عِنْدَ هُجُومِ نِعْمَةٍ كَحُدُوثِ وَلَدٍ، أَوْ جَاهٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ (أَوْ عِنْدَ) هُجُومِ (انْدِفَاعِ نِقْمَهْ) كَنَجَاةٍ مِنْ غَرَقٍ، أَوْ حَرِيقٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ خَبَرُ «سَأَلْت رَبِّي، وَشَفَعْت لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي، ثُمَّ رَفَعْت رَأْسِي فَسَأَلْت رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ فَسَجَدْت شُكْرًا لِرَبِّي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لَمَّا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ مِنْ الْيَمَنِ بِإِسْلَامِ هَمْدَانَ» ، وَخَرَجَ بِالْهُجُومِ النِّعَمُ الْمُسْتَمِرَّةُ كَالْعَافِيَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالْغِنَى عَنْ النَّاسِ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ وَسَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا تَدْخُلُ الصَّلَاةَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى مِمَّا مَرَّ فِي سَجْدَةِ ص؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ لِيَسْجُدَ بِهَا لِلشُّكْرِ حَرُمَ السُّجُودُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَالتَّحِيَّةِ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقْتَ النَّهْيِ لِيُصَلِّيَهَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ. (وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ الْفَاسِقِ) الْمُجَاهِرِ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ فِي الدِّينِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا (وَلْيُعْلِنْ بِهِ) أَيْ: بِالسُّجُودِ أَيْ: يُظْهِرْهُ نَدْبًا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إظْهَارًا لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْخَيْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَتَعْيِيرًا لِلْفَاسِقِ فِي الثَّالِثَةِ لَعَلَّهُ يَتُوبُ إلَّا أَنْ يَخَافَ مِنْهُ ضَرَرًا فَيُخْفِهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَاسْتَثْنَى ابْنُ يُونُسَ مِنْ الْأُولَى سُجُودَهُ بِحَضْرَةِ فَقِيرٍ لِتَجَدُّدِ مَالٍ فَلَا يُظْهِرُهُ لَهُ لِئَلَّا يَنْكَسِرَ قَلْبُهُ، وَدَخَلَ فِي الْفَاسِقِ الْكَافِرُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ. (وَ) عِنْدَ رُؤْيَةِ (الْمُبْتَلَى) بِزَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَشُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلَامَةِ (سِرًّا) لِمَا زَادَهُ بِقَوْلِهِ: (لِكَسْرِ قَلْبِهِ) أَيْ: لِئَلَّا

ــ

[حاشية العبادي]

فَالْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالسُّجُودِ لِذَلِكَ. اهـ. لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَلُمْ تَنْزِيلُ لِوُرُودِهَا فِيهِ بِخُصُوصِهَا فَلَا يَضُرُّ قِرَاءَتُهَا لِلسُّجُودِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا غَرَضَ إلَّا السُّجُودُ عَلَى الْأَصَحِّ لَا يُتَّجَهُ إلَّا السُّجُودُ، وَإِنْ نَافَتْهُ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورَةُ.

(قَوْلُهُ: لَا سُجُودَ لِسَهْوِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْ: لَا سُجُودَ عَلَيْهِ فِي فِعْلٍ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ فَلَا يَسْجُدُ لِانْتِظَارِهِ، وَإِنْ سَجَدَ لِسَجْدَةِ إمَامِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ سَجَدَ إلَخْ وَجْهُ السُّجُودِ أَيْ: الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ مَا قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ سم

(قَوْلُهُ الثُّلُثَ الْآخَرَ) فَإِنْ قُلْت: حَيْثُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ فَكَيْفَ يَقَعُ التَّعْذِيبُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الْعُصَاةِ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ السُّنَّةُ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْئُولَ أَمْرٌ خَاصٌّ لَا يُنَافِي تَعْذِيبَ بَعْضِ الْعُصَاةِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: رُؤْيَةِ الْفَاسِقِ) يَخْرُجُ الْعَاصِي غَيْرُ الْفَاسِقِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي تَجَاهَرَ بِهَا كَوْنُهَا كَبِيرَةً كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (قَوْلُهُ: لِكَسْرٍ) أَيْ: لِخَوْفِ كَسْرٍ.

ــ

[حاشية الشربيني]

قِيلَ لَهُ: إنَّ هَذَا مَوْضِعَ سُجُودٍ فَسَجَدَ. (قَوْلُهُ: عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ دَاوُد) ، لَوْ أَطْلَقَ الشُّكْرَ كَفَى. ا. هـ طب وم ر. ا. هـ سم

(قَوْلُهُ: بَلْ يُفَارِقُهُ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا) فَإِنْ قُلْت: الْعِبْرَةُ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ قُلْت سُجُودُ الْإِمَامِ مِنْ بَابِ الْمُبْطِلِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ مَعَ الْجَهْلِ وَالْإِمَامُ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ لِخَطَئِهِ فِي اعْتِقَادِهِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ مَا لَا يَتَأَثَّرُ بِالْجَهْلِ كَتَرْكِ الشُّرُوطِ، وَارْتِكَابِ نَوَاقِضِ الطَّهَارَةِ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: نَظِيرُ مَا لَوْ قَامَ لِخَامِسَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ قَامَ لَهَا جَهْلًا لَا يَضُرُّ كَذَا يُؤْخَذُ مِنْ سم عَلَى التُّحْفَةِ. (قَوْلُهُ: يُفَارِقُهُ، أَوْ يَنْتَظِرُهُ) وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ. (قَوْلُهُ: لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) أَيْ: بِسَبَبِ انْتِظَارِ إمَامِهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَأْمُومَ إلَخْ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَوَجْهُ السُّجُودِ إلَخْ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَا يَسْجُدُ لِسُجُودِ إمَامِهِ فَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا يُفِيدُهُ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ. ا. هـ سم عَلَى التُّحْفَةِ

(قَوْلُهُ: هُجُومِ نِعْمَةٍ) زَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبْ، وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهَا، وَأَنْ لَا وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَذَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ أَوْجَهُ وَلِهَذَا أَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ مِنْ أَصْلِهِ. ا. هـ خَطِيبٌ. (قَوْلُهُ: الْفَاسِقِ) مِنْهُ الْكَافِرُ، وَلَوْ تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ. ا. هـ

<<  <  ج: ص:  >  >>