للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُجَوِّزُهُ وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ. تَقُولُ: مَدَحْت اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى حُسْنِهَا دُونَ حَمِدْتهَا، وَعَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ مُتَنَاوِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ إذْ لَوْ تَجَرَّدَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيلِ عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ أَوْ خَالَفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ لَمْ يَكُنْ حَمْدًا بَلْ تَهَكُّمٌ أَوْ تَمْلِيحٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَوَارِحِ وَالْجِنَانِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُمَا اُعْتُبِرَا فِيهِ شَرْطًا لَا شَطْرًا. وَالشُّكْرُ لُغَةً فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الشَّاكِرِ أَوْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِالْجِنَانِ أَمْ بِالْأَرْكَانِ فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ اللِّسَانُ وَحْدَهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَغَيْرُهَا وَمَوْرِدُ الشُّكْرِ اللِّسَانُ وَغَيْرُهُ وَمُتَعَلِّقُهُ النِّعْمَةُ وَحْدَهَا فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلِّقًا وَأَخَصُّ مَوْرِدًا، وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ وَمِنْ ثَمَّ تَحَقَّقَ تَصَادُقُهُمَا فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِحْسَانِ، وَتَفَارُقُهُمَا فِي صِدْقِ الْحَمْدِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَصِدْقِ الشُّكْرِ فَقَطْ عَلَى الثَّنَاءِ بِالْجِنَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَالْحَمْدُ عُرْفًا فِعْلٌ يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ وَالشُّكْرُ عُرْفًا صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ السَّمْعِ وَغَيْرِهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ فَهُوَ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ لِاخْتِصَاصِ مُتَعَلِّقِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْآلَاتِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ، وَالشُّكْرُ اللُّغَوِيُّ مُسَاوٍ لِلْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ.

(أَتَمَّ الْحَمْدِ) أَيْ:

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ فَإِنَّهُ يَعُمُّ الِاخْتِيَارِيَّ وَغَيْرَهُ) قَضِيَّتُهُ خُرُوجُ الْمَدْحِ بِقِسْمَيْهِ، وَفِي خُرُوجِ قِسْمِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْهُ وَصِحَّةِ خُرُوجِهِ نَظَرٌ لِشُمُولِ التَّعْرِيفِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْحَمْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَعُمُّ إلَخْ) هَذَا لَا يُفِيدُ خُرُوجَ الْمَدْحِ مُطْلَقًا بَلْ خُرُوجَ قِسْمٍ مِنْهُ وَيُحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْقِسْمِ الْآخَرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. مَا لَا يَكُونُ نَوْعُهُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ فَيَخْرُجُ الْقِسْمَانِ أَوْ يُقَالُ الْقِسْمُ الْآخَرُ حَمْدٌ أَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ لِإِخْرَاجِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) أَفَادَ اعْتِبَارَ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَكْفِي عَدَمُ اعْتِقَادِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: أَوْ خَالَفَهُ إلَخْ) أَفَادَ اعْتِبَارَ عَدَمِ مُخَالَفَةِ الْجَوَارِحِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَتِهَا. (قَوْلُهُ: فِعْلٌ يُنْبِئُ) أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَهُوَ لَيْسَ بِفِعْلٍ فِي التَّحْقِيقِ فَيَلْزَمُ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مَا لَا يَشْمَلُهُ وَذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ التَّعْرِيفَ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ امْتِنَاعِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهِيَ هُنَا قَوْلُهُ: سَوَاءٌ إلَخْ سم. (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ: الْفِعْلُ. (قَوْلُهُ: أَمْ بِالْجِنَانِ) الْمُرَادُ بِالْجِنَانِ الِاعْتِقَادُ كَمَا بَيَّنَهُ السَّيِّدُ. (قَوْلُهُ: فَمَوْرِدُ الْحَمْدِ) فِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الْأَظْهَرُ فَمَصْدَرُ الْحَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْرِدِ مَا وَرَدَ عَنْهُ لَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِ لَكِنْ فِي اخْتِيَارِهِ الْمَوْرِدَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَمْدَ كَأَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الْقَلْبِ فَوَرَدَ عَلَى اللِّسَانِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَبَيْنَ الْحَمْدَيْنِ) اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ.

ــ

[حاشية الشربيني]

لِأَجْلِهِ لَيْسَ بِجَمِيلٍ فَهُوَ خَارِجٌ بِجِهَتَيْنِ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَبِالِاخْتِيَارِيِّ الْمَدْحُ) اخْتَارَ الزَّمَخْشَرِيّ تَرَادُفَهُمَا أَيْ: إنَّ الْمَمْدُوحَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارِيًّا كَالْحَمْدِ قَالَ: وَمِثَالُ اللُّؤْلُؤَةِ مَصْنُوعٌ وَتَأَوُّلُ التَّمَدُّحِ بِالْجَمَالِ وَحُسْنِ الْوَجْهِ بِدَلَالَتِهِمَا عَلَى الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ) فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَطَالِعِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ الْبَاطِنِيُّ لِيُدْخِلَ مَدَائِحَ الشُّعَرَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَصْدِيقَ فِي الْقَضَايَا الشِّعْرِيَّةِ بَلْ تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَا يَقْتَضِي إلَخْ) فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَوْرِدَ الْحَمْدِ اللِّسَانُ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِاللِّسَانِ) وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُورُ بِهِ اخْتِيَارِيًّا وَلَا إنْعَامًا كَالْمَشْكُورِ عَلَيْهِ اهـ عَمِيرَةُ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي: إنَّ الشُّكْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ اهـ. (قَوْلُهُ: عُرْفًا) الْعُرْفُ الْعَامُّ هُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ وَالْخَاصُّ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ وَيُسَمَّى اصْطِلَاحًا وَإِذَا أُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى الْعَامِّ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اهـ.

(قَوْلُهُ: صَرْفُ الْعَبْدِ إلَخْ) فَإِنْ صَرَفَهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا عُرْفًا أَوْ فِي أَوْقَاتٍ فَهُوَ شَاكِرٌ فَقَطْ عُرْفًا أَيْضًا وَلَا يَرِدُ أَنَّ فَعُولًا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَصْدُقُ بِالصَّارِفِ فِي أَوْقَاتٍ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّسْمِيَةِ الْعُرْفِيَّةِ وَذَلِكَ فِيهَا يُقَالُ لَهُ شَاكِرٌ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ الْحَمَدَيْنِ إلَخْ) لَوْ قَالَ وَبَيْنَهُمَا أَيْ: الشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْحَمْدِ الْعُرْفِيِّ وَبَيْنِ الْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ لَكَانَ أَوْلَى لَكِنْ اكْتَفَى بِالْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: مِنْ وَجْهٍ) يَجْتَمِعَانِ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ فِي ثَنَاءٍ بِاللِّسَانِ عَلَى جَمِيلٍ غَيْرِ إحْسَانٍ وَيَنْفَرِدُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ فِي ثَنَاءٍ بِغَيْرِ اللِّسَانِ عَلَى الْإِحْسَانِ. وَنَقِيضُ الْحَمْدِ الذَّمُّ وَهُوَ نَقِيضُ الْمَدْحِ أَيْضًا وَلَوْ لَمْ يُسَاوِ الْحَمْدَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّقِيضِ مَا لَا يُجَامِعُ لَا الرَّفْعُ حَتَّى لَا يَكُونَ نَقِيضُ أَحَدِهِمَا نَقِيضَ الْآخَرِ، وَالذَّمُّ لَا يُجَامِعُ شَيْئًا مِنْهُمَا وَالْمَدْحُ كَالْحَمْدِ اللُّغَوِيِّ عَلَى رَأْيِ الزَّمَخْشَرِيّ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ اهـ وَفِي شَرْحِ م ر الْمَدْحُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا عَلَى قَصْدِ التَّعْظِيمِ وَعُرْفًا مَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْمَمْدُوحِ بِنَوْعٍ مِنْ الْفَضَائِلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الطَّاقَةِ) أَيْ: طَاقَةِ الْمُصَنِّفِ وَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبٍ مِنْ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّ أَتَمَّ الْحَمْدِ مُطْلَقًا لَا يُمْكِنُ مِنْ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ إذْ حَمْدُ الْأَنْبِيَاءِ خُصُوصًا سَيِّدَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>