للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الْأَصْلُ وَاحِدًا وَتَقَدَّمَ آخَرُ يَكُونُ مُقَدَّمُ الْأَصْلِ أَحَقَّ، لَا سِيَّمَا الْأَصْلُ الرَّاتِبُ

(وَجَائِزٌ وَلَوْ بِغَيْرِ عُذْرِ إفْرَادُ مُقْتَدٍ) بِأَنْ يُفَارِقَ الْإِمَامَ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فَالسُّنَنُ لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ، إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفِرْقَةَ الْأُولَى فَارَقَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَاتِ الرِّقَاعِ، كَمَا سَيَأْتِي وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ بِهِمْ فَتَنَحَّى مِنْ خَلْفِهِ رَجُلٌ وَصَلَّى وَحْدَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَغَضِبَ وَأَنْكَرَ عَلَى مُعَاذٍ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى الرَّجُلِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ» قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى، بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا، فَهُوَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ لِعُذْرٍ انْتَهَى

وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا بِمَفْهُومِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ إذَا دَلَّ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ أَصْلِ الْعِبَادَةِ، فَدَلَالَتُهُ عَلَى جَوَازِ إبْطَالِ صِفَتِهَا أَوْلَى (وَ) جَائِزٌ (عَكْسُ الْأَمْرِ) أَيْ اقْتِدَاءُ مُنْفَرِدٍ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ قَبْلَ رُكُوعِهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رَكْعَتُهُمَا ثُمَّ يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ لِقِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ لَمَّا جَاءَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ الْإِمَامُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي بَعْدَ انْفِرَادِهِ إمَامًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ مَأْمُومًا

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ إذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ صَالِحُونَ لَهَا، فَقَالَ: (وَالنَّدْبُ أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (يَقْدُمَ) بِضَمِّ الدَّالِ مَنْ قَدَمَ بِفَتْحِهَا قَدَمًا أَيْ تَقَدَّمَ قَالَ تَعَالَى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [هود: ٩٨] (أَوْ يُقَدِّمَنْ مَنْ وَلِيَ) أَيْ وَيُنْدَبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِلْإِمَامَةِ أَوْ يُقَدِّمَ

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا الْأَصْلُ الرَّاتِبُ) يُفِيدُ أَنَّ مُقَدَّمَ الْأَصْلِ غَيْرِ الرَّاتِبِ أَحَقُّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ بِنَفْسِهِ رَاتِبًا، أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ

(قَوْلُهُ فَارَقَتْ النَّبِيَّ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا بِعُذْرٍ فَلَا يُفِيدُ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ

(قَوْلُهُ مَنْ وَلِيَ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمَحَلُّ تَقْدِيمِ الْوَالِي فِي غَيْرِ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ، أَمَّا مَنْ وَلَّاهُ أَحَدُهُمَا فِي مَسْجِدٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ وَالِي الْبَلَدِ أَوْ قَاضِيهِ، قَالَ م ر: يُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا (قَوْلُهُ أَوْ يُقَدَّمُ غَيْرُهُ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَدَّمُ غَيْرَ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ إلَخْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

شَرْحِ الْعُبَابِ

(فَرْعٌ) فِي الْكِفَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ مَا حَاصِلُهُ: تَحْصُلُ وَظِيفَةُ إمَامِ غَيْرِ الْجَامِعِ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَحَالِّ وَالْعَشَائِرِ وَالْأَسْوَاقِ بِنَصْبِ الْإِمَامِ شَخْصًا. أَوْ بِنَصْبِ شَخْصٍ نَفْسَهُ لَهَا بِرِضَى جَمَاعَةٍ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَيَؤُمَّ بِهِمْ، فَإِذَا عُرِفَ بِهِ وَرَضِيَتْ جَمَاعَةُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِإِمَامَتِهِ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَتَحْصُلُ فِي الْجَامِعِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ أَوْ الَّذِي فِي الشَّارِعِ بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِظَامِ فَاخْتُصَّتْ بِنَظَرِهِ، فَإِنْ فُقِدَ فَمَنْ رَضِيَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ أَيْ أَكْثَرُهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ ع ش عَلَى م ر

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا إلَخْ) قَدَّمَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ الْقَطْعِ بِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) أَيْ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالرَّقِيقِ فَإِنَّهُمَا مِنْهُمَا سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَحْرُمُ قَطْعُهُمَا، أَمَّا الرَّقِيقُ فَظَاهِرٌ لِتَكْلِيفِهِ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَبِمُضِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُ الصَّبِيِّ مِنْ الْقَطْعِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ فَكَذَلِكَ) أَيْ مَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ تَعْطِيلُ الْجَمَاعَةِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ قَطْعُهَا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا انْحَصَرَ تَعَيَّنَ اهـ بج

(قَوْلُهُ إلَّا فِي الْجِهَادِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) ، وَلَوْ تَأَدَّى الْفَرْضُ بِغَيْرِهِ بِأَنْ صَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ مَنْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا وَإِنْ تَعَدَّدَ الْفَاعِلُونَ وَتَرَتَّبُوا، نَعَمْ إعَادَتُهَا تَقَعُ نَفْلًا وَالظَّاهِرُ جَوَازُ قَطْعِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ بِأَنَّهُ قِيلَ هُنَاكَ: إنَّ الْفَرْضَ الْمُعَادَةُ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ يَحْتَسِبُهَا اللَّهُ مِنْهُمْ وَقِيلَ: أَكْمَلُهُمَا بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا نَفْلًا عَلَى أَنَّ إعَادَتَهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ، وَإِنَّمَا جَازَتْ مَعَ كَوْنِ الْقِيَاسِ عَدَمَ انْعِقَادِهَا، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الدُّعَاءُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ قَطْعِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ قَبْرٍ، اهـ ع ش. (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْجِهَادِ إلَخْ) كَذَلِكَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْيَاءُ وَكَانَ فِي غَيْرِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ اهـ ق ل. (قَوْلُهُ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ) مِثْلُهَا كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْمَيِّتِ إنْ عُدَّ قَطْعُهُ تَهَاوُنًا بِهِ؛ لِأَنَّهُ إزْرَاءٌ بِهِ بِخِلَافِ التَّنَاوُبِ فِي حَفْرِ قَبْرِهِ وَحَمْلِهِ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ تَبَرُّكٍ، وَلَا يَحْرُمُ قَطْعُ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ لِمَنْ شَرَعَ فِيهِ لِاسْتِقْلَالِ مَسَائِلِهِ اهـ بج

(قَوْلُهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) لَك أَنْ تَقُولَ: هَذَا الرَّجُلُ أَيْضًا فَارَقَ بِعُذْرٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْعُذْرِ اهـ. (قَوْلُهُ بَلْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَلَّمَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ اهـ. ثُمَّ إنَّهَا لَا تُوَافِقُ الْمُقَرَّرَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلَاةِ مُمْتَنِعٌ قَالَ ع ش: فَلَعَلَّهُ نَوَى الْخُرُوجَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ لِانْصِرَافِهِ عَنْهُمْ اهـ. وَالْخُرُوجُ مُمْتَنِعٌ أَيْضًا فَإِنْ عُذِرَ بِجَهْلِهِ فَهُوَ آتٍ فِي الْكُلِّ

(قَوْلُهُ عَلَى جَوَازِ الْإِبْطَالِ) هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ مَا هُنَا (قَوْلُهُ وَجَازَ عَكْسُ الْأَمْرِ) لَكِنَّهُ كَقَطْعِ الْقُدْوَةِ بِلَا عُذْرٍ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ حَتَّى مَا أَدْرَكَهُ مَعَ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ فِي الْأَثْنَاءِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْغَيْرِ مَظِنَّةُ مُخَالَفَةِ نَظْمِ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي نَظْمِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ خَالَفَ نَظْمَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ مُسْتَقِلٌّ. (قَوْلُهُ إذْ الْإِمَامُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>