للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَنِسْبَةٍ) أَيْ فَفَاضِلُ بِالنَّسَبِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ يَأْتِي لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ» يَعْنِي الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى فَقِسْنَا عَلَيْهَا الصُّغْرَى، وَعَلَى قُرَيْشٍ كُلَّ مَنْ فِي نَسَبِهِ شَرَفٌ، وَبَيَّنَ النِّسْبَةَ مِنْ زِيَادَتِهِ بِقَوْلِهِ: (وَهِيَ الَّتِي تَأْتِي فِي) كَفَاءَةِ (أَنْكِحَةٍ) كَالِانْتِسَابِ إلَى الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ، فَيُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ، وَالْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ، وَابْنُ الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ عَلَى ابْنِ غَيْرِهِ. (فَمَلْبَسٍ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِمَلْبَسٍ (نَظِيفِ) وَبَدَنٍ كَذَلِكَ لِإِفْضَاءِ النَّظَافَةِ إلَى اسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِنَظِيفِ الثَّوْبِ. (فَحُسْنِ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِحُسْنِ (صَوْتٍ) لِمَيْلِ النَّفْسِ إلَى اسْتِمَاعِ كَلَامِ صَاحِبِهِ، (فَجَمَالٍ) أَيْ فَفَاضِلٌ بِجَمَالٍ (سَابِغِ) بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَامِلٍ، لِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِصَاحِبِهِ.

وَكَذَا رَتَّبَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَنَقَلَهُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ التَّتِمَّةِ، وَجَعَلَ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ حُسْنَ الذِّكْرِ قَبْلَ النَّظَافَةِ، وَجَعَلَ فِيهِ طِيبَ الصَّنْعَةِ وَالصَّوْتِ مَعَ النَّظَافَةِ، وَبَعْدَهَا حُسْنُ الْوَجْهِ وَفِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارِ: تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ صَوْتًا ثُمَّ هَيْئَةً، فَإِنْ تَسَاوَيَا وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِحُسْنِ الْهَيْئَةِ حُسْنُ الْوَجْهِ لِيُوَافِقَ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ النَّظْمِ وَأَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْوَالِي وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ وَالسَّاكِنِ بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِوِلَايَةِ الْمَكَانِ، كَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي (كَالْعَدْلِ وَالْحُرِّ وَشَخْصٍ بَالِغِ) وَلَوْ عُمْيًا، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ تَقْدِيمُهُمْ (عَلَى سِوَاهُمْ) أَيْ عَلَى الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ (وَإِنْ اخْتَصُّوا بِمَا مَرَّ) مِنْ الْفَضَائِلِ أَوْ بِالْبَصَرِ إذْ الْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ لَا يُوثَقُ بِهِمَا وَالْحُرُّ أَفْضَلُ مِنْ الْعَبْدِ، نَعَمْ لَوْ زَادَ الْعَبْدُ بِالْفِقْهِ، فَهُمَا سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ، وَالْحُرُّ بِهِمَا أَلْيَقُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ الْعَدْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ وَالْبَالِغِ الْفَاسِقَيْنِ.

(وَسَوِّ مُبْصِرًا بِذِي عَمَى) لِتَعَارُضِ فَضِيلَتَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ مَا يَشْغَلُهُ فَهُوَ أَخْشَعُ، وَالْبَصِيرُ يَنْظُرُ الْخَبَثَ فَهُوَ أَحْفَظُ لِتَجَنُّبِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ صِحَّةُ إمَامَةِ الْفَاسِقِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْأَعْمَى، فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ كَمَا مَرَّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَكَانَ ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - يَؤُمُّ بِهَا، «وَكَانَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ يَؤُمُّ قَوْمَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ ابْنُ سِتِّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ» ، وَكَانَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ يَؤُمُّ قَوْمَهُ، وَهُوَ أَعْمَى رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ «، وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَؤُمُّ النَّاسَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

(وَسُنَّةٌ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ) إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

ــ

[حاشية العبادي]

اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ ذِمِّيٍّ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ بِنَظِيفِ الثَّوْبِ) ؛ لِأَنَّ الْمَلْبَسَ أَعَمُّ مِنْ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْعَبْدُ الْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الصَّبِيِّ شَرْحُ الرَّوْضِ. (قَوْلُهُ مَوْلَى عَائِشَةَ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْعَتِيقُ وَالْكَلَامُ فِي الْعَبْدِ. (قَوْلُهُ خَلْفًا) مِنْ الْمَقَامِ عُرْفًا

ــ

[حاشية الشربيني]

كَانَ الصَّبِيُّ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ إلَى آخِرِ الصِّفَاتِ الْمُمْكِنَةِ فِيهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر اهـ ق ل، وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي إسْلَامِ مَنْ أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ، هَلْ كَانَ وَقْتُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْآخَرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ وَبَدَنٍ كَذَلِكَ) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ كَمَا فِي عِبَارَةِ م ر. اهـ. بج. (قَوْلُهُ فَحُسْنِ صَوْتٍ) ، وَلَوْ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ لِسَمَاعِهِ فِي نَحْوِ التَّكْبِيرِ اهـ. بج (قَوْلُهُ رَتَّبَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ) أَيْ كُلًّا مِنْهَا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَخَالَفَ فِي التَّحْقِيقِ، فَرَتَّبَ النَّظَافَةَ عَلَى حُسْنِ الذِّكْرِ لَا عَلَى النَّسَبِ. (قَوْلُهُ وَجَعَلَ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَتُهُ بَعْدَ التَّقْدِيمِ بِالنَّسَبِ، فَإِنْ اسْتَوَيَا قُدِّمَ بِحُسْنِ الذِّكْرِ ثُمَّ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَطِيبِ الصَّنْعَةِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ اهـ. فَقَوْلُهُ مَعَ النَّظَافَةِ أَيْ جَعَلَ السَّبَبَ فِي التَّقْدِيمِ جَمِيعَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهَا، أَوْ جَعَلَهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ تَدَبَّرْ اهـ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ تَرْتِيبُهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَيُقَدَّمُ بَعْدَ حُسْنِ السِّيرَةِ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فَطِيبِ الصَّنْعَةِ فَحُسْنِ الصَّوْتِ فَحُسْنِ الْوَجْهِ، وَقَدَّمَ الْأَذْرَعِيُّ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ

(قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا) أَيْ وَجَعَلَ فِيهِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ حُسْنَ الْوَجْهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: ثُمَّ حُسْنُ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ حُسْنُ الْوَجْهِ) أَيْ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهَيْئَةِ الْحَالَةَ الَّتِي يَكُونُ الشَّخْصُ عَلَيْهَا مِنْ التَّأَنِّي وَالْوَقَارِ. (قَوْلُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ الْمُخْتَارُ إلَخْ) نَقَلَهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا فِي التَّحْقِيقِ بِإِفْرَادِ الصَّوْتِ وَلِلتَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْقِيقِ بِتَفْسِيرِ الْهَيْئَةِ بِالْوَجْهِ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ ثُمَّ صَوْتًا) خَالَفَ التَّحْقِيقَ حَيْثُ أَفْرَدَهُ (قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ إلَخْ) وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ، تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى الْفَاسِقِ) وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ كَالصَّبِيِّ اهـ. ع ش (قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ إلَخْ) فَالْإِطْلَاقُ فِي تَقْدِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>