أَيْ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَوْ حَصَلَ الِالْتِبَاسُ بِإِخْبَارِ رَاوٍ وَلَوْ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا كَأَنْ أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِ أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا وَكَذَا إنْ أَخْبَرَهُ بِهِ مُعَيَّنًا ثُمَّ الْتَبَسَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ وَامْتُنِعَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ كَالْمُفْتِي يَجِدُ النَّصَّ وَكَالْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا (لَيْسَ بِالْمُجَازِفِ) فِي إخْبَارِهِ كَأَنْ يُبَيِّنَ فِي النَّجَاسَةِ سَبَبَهَا أَوْ يُعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُ بِوَفْقِ اعْتِقَادِ مَنْ يُخْبِرُهُ بِهَا وَخَرَجَ بِمَا قَالَهُ الْمَجْنُونُ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ وَلَوْ مُمَيِّزًا إذْ لَا يُقْبَلُ
ــ
[حاشية العبادي]
(وَهَلْ لَهُ حِينَئِذٍ أَخْذُ مَا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَوْ مَا فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الظَّفَرِ) ، فِيهِ نَظَرٌ.
(قَوْلُهُ: بِسَبَبِهَا إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ، وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ حَالِهِ مَا ذُكِرَ وَكَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا، لَا يُعَوَّلُ عَلَى خَبَرِهِ، وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا وُجُوبَ اعْتِمَادِ خَبَرِهِ إذَا كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَوْنُهُ إنَّمَا يُخْبِرُ بِوَفْقِ اعْتِقَادِ مَنْ يُخْبِرُهُ لَازِمٌ عَادَةً لِكَوْنِهِ فَقِيهًا مُوَافِقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ كَذَلِكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ إذْ قَدْ يُوجَدُ فِي الْفَقِيهِ الْمُخَالِفِ. وَشُمُولُ كَلَامِ الشَّارِحِ لِهَذَا مُتَّجَهٌ جِدًّا، وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَعَمِّيَّةَ لَا مَحْذُورَ فِيهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُعْلَمَ إلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْمَجْهُولِ الَّذِي لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ وَهُوَ ظَاهِرٌ
ــ
[حاشية الشربيني]
إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِأَخْذِ أَحَدِهِمَا بِالِاجْتِهَادِ بِمَا إذَا لَمْ يُنَازِعْهُ صَاحِبُ الْيَدِ وَالْإِقْدَامِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَصَلَ الِالْتِبَاسُ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ التَّنَجُّسَ بِنَفْسِهِ وَالْتَبَسَ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ رَاوٍ وَإِلَّا اُمْتُنِعَ الِاجْتِهَادُ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ حَتَّى لَوْ الْتَبَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ إعَادَةُ الِاجْتِهَادِ فَهَذَا شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ وَعَبَّرَ بِرَاوٍ لِيُفِيدَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدْلِ الرِّوَايَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ ذُكُورَةٌ وَلَا حُرِّيَّةٌ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ أَوْ تَكْفِي الظَّاهِرَةُ اخْتَارَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ الْأَوَّلَ وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِيَ قَالَ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْإِخْبَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُخْبِرِ وَجُمْلَةُ شُرُوطِ الِاجْتِهَادِ التَّعَدُّدُ فِي الْمُشْتَبَهِ وَأَصْلِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِيهِ أَيْ إمْكَانُ رَدِّهِ إلَى الطَّهَارَةِ بِوَجْهٍ كَمَا فِي الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهَا بِالْمُكَاثَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَالٌ كَانَ فِيهِ طَاهِرًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْبَوْلِ، إذْ أَصْلُهُ الْمَاءُ الطَّاهِرُ وَكَوْنُ الْعَلَامَةِ لَهَا فِيهِ مَجَالٌ وَالسَّلَامَةُ مِنْ التَّعَارُضِ، وَالْحَصْرُ فِي الْمُشْتَبَهِ، وَالْعِلْمُ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ ظَنُّهَا بِمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُهُمْ عَدَّ وُجُودَ الْعَلَامَةِ وَاحِدًا، وَكَوْنَهَا لَهَا فِيهِ مَجَالٌ ثَانِيًا وَقَالَ الْأَخِيرُ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ بِهِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ شَرْطٌ لِوُجُودِهِ وَكَوْنُهُ فِي مَحْصُورٍ شَرْطٌ لِوُجُوبِهِ، وَالْبَقِيَّةُ شُرُوطٌ لِصِحَّتِهِ، وَفِي جَعْلِ وُجُودِ الْعَلَامَةِ شَرْطًا لِوُجُودِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْبَحْثُ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى وُجُودِ الْعَلَامَةِ، فَالصَّوَابُ أَنَّ وُجُودَ الْعَلَامَةِ بِمَعْنَى الظُّهُورِ الَّذِي هُوَ ثَمَرَةُ الِاجْتِهَادِ شَرْطٌ لِلْعَمَلِ، وَكَوْنُهَا لَهَا مَجَالٌ شَرْطٌ لِوُجُودِهِ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) أَيْ إنْ أَخْبَرَهُ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ أَمَّا لَوْ أَخْبَرَهُ بَعْدَهُ وَخَالَفَهُ فِيمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت م ر نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِهِ وَلَوْ فِيمَا مَضَى.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ) لِإِقَامَةِ الشَّارِعِ خَبَرَ الْعَدْلِ مَقَامَ الْيَقِينِ وَالِاجْتِهَادُ يُفِيدُ الظَّنَّ وَلَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِمَّا أَخْبَرَهُ بِتَنَجُّسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَنْجُسْ بِالظَّنِّ لَمَا عَلِمَ أَنَّ خَبَرَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْيَقِينِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِنَجَاسَةِ هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ ذَاكَ وَعَكَسَ آخَرُ، فَإِنْ أَمْكَنَ صِدْقُهُمَا؛ بِأَنْ أَطْلَقَا أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا وَأَطْلَقَ الْآخَرُ عَمِلَ بِهِمَا لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمَا وَإِلَّا بِأَنْ اتَّحَدَ الْوَقْتُ قُدِّمَ الْأَوْثَقُ أَوْ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ الْمُرَجَّحِ فِيهِ بِالْكَثْرَةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَيْ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَ قَوْلُهُمَا لِلتَّعَارُضِ وَحُكِمَ بِطَهَارَةِ الْإِنَاءَيْنِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ لَا بِنَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِمَا كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ أَسْقَطَ قَوْلَهُمَا مِنْ أَصْلِهِ كَذَا فِي الْإِيعَابِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُعْلَمَ إلَخْ) لَوْ شَكَّ فِيهِ فَهُوَ كَالْمَجْهُولِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُخْبِرُ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ أَوْ كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِلْمَخْبَرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَنْ يُعْلَمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ أَيْ الْحُكْمَ وَأَنَّهُ لَا يُخْبِرُ إلَّا بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُخْبَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُوَافِقًا لَهُ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ لَا كَذَا فِي الْإِيعَابِ اهـ.
ثُمَّ أَنَّ كِفَايَةَ الشِّقِّ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ أَوْ يُعْلَمُ إلَخْ، إنَّمَا هِيَ إذَا كَانَ الْمُخْبَرِ بِفَتْحِ الْبَاءِ مُقَلِّدًا أَمَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ الرُّجُوعِ عَنْ مَذْهَبِهِ نَقَلَهُ فِي الْإِيعَابِ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي.
(قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ) نَعَمْ مَنْ أَخْبَرَ مِنْهُمْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ قُبِلَ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ وَكَمَا يُقْبَلُ خَبَرُ الذِّمِّيِّ عَنْ شَاتِهِ؛ بِأَنَّهُ ذَكَّاهَا وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ مِنْ حَيْثُ إفَادَةُ الْعِلْمِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَهُرَ وَبِهِ أَفْتَى الْمُنَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ صَدْرُ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِهِ قَوْلَهُ مُطْلَقًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إخْبَارِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ بِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ خُرُوجٌ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَبِالْمَشَقَّةِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَسَّالِينَ مَعَ فِسْقِهِمْ وَحَيْثُ قُبِلَ إخْبَارُهُ بِالطَّهَارَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ