مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ قَالَ تَعَالَى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥]
وَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ لُبْثٌ وَنِيَّةٌ وَمُعْتَكِفٌ وَمُعْتَكَفٌ فِيهِ كَمَا تَعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ مَعَ بَيَانِ الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ: (سُنَّ) الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ (اعْتِكَافُ مُسْلِمٍ ذِي عَقْلِ) وَلَوْ صَبِيًّا وَرَقِيقًا وَزَوْجَةً لَكِنْ يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَالزَّوْجِ فَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْهُ وَكَذَا مِنْ تَطَوُّعٍ أَذِنَا فِيهِ نَعَمْ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَنْفَعَتِهِ كَالْحُرِّ وَكَذَا لِلرَّقِيقِ إذَا اشْتَرَاهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ نَذْرِهِ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ بَائِعِهِ وَقِيَاسُهُ فِي الزَّوْجَةِ كَذَلِكَ، وَالْمُبَعَّضُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَكَالرَّقِيقِ وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ كَالرَّقِيقِ
وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَبِالْعَاقِلِ الْمَجْنُونُ، وَالسَّكْرَانُ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إذْ لَا نِيَّةَ لَهُمْ (بِلُبْثِهِ) وَلَوْ مُتَرَدِّدًا قَدْرًا يُسَمَّى عُكُوفًا لِإِشْعَارِ لَفْظِهِ بِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عُبُورِهِ وَلَا أَقَلُّ مَا يَكْفِي فِي طُمَأْنِينَةِ الصَّلَاةِ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: ذِي عَقْلٍ) أَيْ: تَمْيِيزٍ بِدَلِيلِ مُحْتَرَزِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ: نَعَمْ لِلْمَكَاتِبِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ النَّصِّ قَالَ: وَصَوَّرَهُ أَصْحَابُنَا بِمَا لَا يُخِلُّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِهِ، أَوْ لِإِمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْخِيَاطَةِ
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَهُوَ فِي نَوْبَتِهِ كَالْحُرِّ) اُنْظُرْ لَوْ أَرَادَ اعْتِكَافَ مَنْذُورٍ مُتَتَابِعًا، أَوْ لَا تَسَعُهُ نَوْبَتُهُ وَكَانَ نَذْرُهُ فِي مِلْكِ السَّيِّدِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ، أَوْ بَعْدَهَا فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ، أَوْ فِي نَوْبَةِ نَفْسِهِ وَهِيَ لَا تَسَعُهُ وَيَتَّجِهُ حِينَئِذٍ الْمَنْعُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَتَابِعًا فَلَهُ اعْتِكَافُ قَدْرِ نَوْبَتِهِ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) أَيْ: فِي الِابْتِلَاءِ بِرّ
ــ
[حاشية الشربيني]
{لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه: ٩١] وَأَمَّا كَوْنُهُ بِالْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ، وَالزَّوْجِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ حُكْمُ صَوْمِ الْحَلِيلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا صَوْمُ تَطَوُّعٍ غَيْرِ نَحْوِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ إلَّا إنْ عَلِمَتْ رِضَاهُ وَمَعَ إثْمِهَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَمْنَعُهُ لِأَنَّهُ يَهَابُهُ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ لِقِصَرِ زَمَنِهَا وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ، وَالْعَبْدُ فَإِنْ تَضَرَّرَا بِصَوْمِ التَّطَوُّعِ لِضَعْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ أَذِنَ فِي الصَّوْمِ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ قَالَهُ صَاحِبُ الْوَافِي وَرُدَّ بِتَصْرِيحِهِمْ بِجَوَازِ رُجُوعِهِ عَنْ اعْتِكَافٍ مَنْدُوبٍ أُذِنَ فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الصَّوْمَ، وَالصَّلَاةَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَحْرُمُ إلَخْ) مَحَلُّهُ إذَا فَوَّتَا عَلَيْهِمَا مَنْفَعَةً وَإِلَّا كَأَنْ حَضَرَا الْمَسْجِدَ بِإِذْنِهِمَا فَنَوَيَا الِاعْتِكَافَ جَازَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِتَوَقُّفِ الِاعْتِكَافِ عَلَى الْخُرُوجِ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ هُنَا بَيْنَ حُضُورِ الزَّوْجِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ.
(قَوْلُهُ: فَلَهُمَا إخْرَاجُهَا مِنْهُ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا ذ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَهُمَا إخْرَاجُهُمَا مِنْ تَطَوُّعٍ وَإِنْ أَذِنَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَلَهُمَا مَنْعُهُمَا مِنْ الشُّرُوعِ فِي مَنْذُورٍ الْتَزَمَاهُ بِلَا إذْنٍ أَوْ بِإِذْنٍ، وَالزَّمَنُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا إخْرَاجُهُمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ بِإِذْنٍ فِي الِالْتِزَامِ، وَالشُّرُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِكَافُ مُعَيَّنًا وَلَا مُتَتَابِعًا أَوْ بِإِذْنٍ فِي الِالْتِزَامِ فَقَطْ وَكَانَ زَمَنُ الِاعْتِكَافِ مُعَيَّنًا أَوْ بِإِذْنٍ فِي الشُّرُوعِ فَقَطْ وَكَانَ الِاعْتِكَافُ مُتَتَابِعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَمَنُهُ مُعَيَّنًا وَيَجُوزُ اعْتِكَافُ مُكَاتَبٍ كِتَابَةً صَحِيحَةً بِلَا إذْنٍ إنَّ لَمْ يُخِلَّ بِكَسْبِهِ لِقِلَّةِ زَمَنِ الِاعْتِكَافِ أَوْ إمْكَانِ كَسْبِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا يَجُوزُ اعْتِكَافُ عَبْدٍ نَذَرَ اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، ثُمَّ مَلَكَهُ غَيْرُهُ فَيَجُوزُ بِلَا إذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ الْجَدِيدِ لِسَبْقِ النَّذْرِ عَلَى مِلْكِهِ نَعَمْ يَتَخَيَّرُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْتِزَامِهَا اعْتِكَافَ زَمَنٍ مُعَيَّنٍ فَيَحِلُّ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَالْمُبَعَّضُ كَالْقِنِّ لَا فِي نَوْبَتِهِ حَيْثُ كَانَتْ مُهَايَأَةً فَإِنَّهُ فِيهَا كَالْحُرِّ نَعَمْ لَوْ كَانَ الِاعْتِكَافُ مَنْذُورًا أَوْ النَّوْبَةُ لَا تَسَعُهُ وَكَانَ النَّذْرُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ أَوْ فِي نَوْبَتِهِ وَهِيَ لَا تَسَعُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ اُتُّجِهَ كَمَا قَالَهُ سم الْمَنْعُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِكَافُ مُتَتَابِعًا فَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ السَّيِّدُ الِاعْتِكَافُ فِي نَوْبَتِهِ بِقَدْرِهَا. اهـ. - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَجَرٍ مَعَ عُدُولٍ عَنْ شَيْءٍ فِيهِ يَعْرِفُهُ النَّاظِرُ وَقَوْلُهُ لِإِخْرَاجِهِمَا بَعْدَ الشُّرُوعِ إلَخْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ إذَا شَرَعَ فِيهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّوْمِ. اهـ.
وَاَلَّذِي سَبَقَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ الْإِتْمَامِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُتَرَدِّدًا) لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا إنَّهُ إذَا وَصَلَ لِبَابِهِ الْآخَرِ عَادَ صَحَّتْ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّرَدُّدِ وَقَدْ حَرَّمُوا مِثْلَهُ عَلَى الْجُنُبِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَهُ قَاصِدًا الْخُرُوجَ مِنْ بَابِهِ الْآخَرِ فَلَمَّا وَصَلَهُ عَنَّ لَهُ الْعَوْدُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَوْدِ إذْ لَا يُسَمَّى تَرَدُّدًا كَذَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِحَجَرٍ
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ هَذَا الْعَوْدَ الَّذِي عَنَّ لَهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَاصِدًا مَوْضِعًا مِنْهُ صَحَّتْ نِيَّةُ الِاعْتِكَافِ قَبْلَ وُصُولِهِ لِعَدِّهِمْ هَذَا مِنْ الْجُنُبِ مُكْثًا كَمَا قَالَهُ ع ش وَفِي شَرْحِ عب لِحَجَرٍ