للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُزْدَلِفَةَ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالطَّبَرِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِلْعِشَاءِ فَإِنْ خَشِيَهُ صَلَّى بِهِمْ فِي الطَّرِيقِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَعَلَّ إطْلَاقَ الْأَكْثَرِينَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلُّوا قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ ثُمَّ يُنِيخَ كُلُّ إنْسَانٍ جَمَلَهُ وَيَعْقِلَهُ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَصَلَّى ثُمَّ حَلُّوا» .

(وَبَاتَ) بِهِمْ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى الْفَجْرِ لِلِاتِّبَاعِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ، وَسَوْقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي نَدْبَ الْبَيَاتِ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ وُجُوبَهُ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِخِلَافِ الْمَعْذُورِ كَالرِّعَاءِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ وَكَمَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ أَوْ أَفَاضَ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَيْلًا كَمَا أَجَابَ بِهِ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ أَوْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ تَلَفَهُ بِالْمَبِيتِ أَوْ مَرِيضٌ يَحْتَاجُ إلَى تَعَهُّدِهِ أَوْ أَمْرٌ يَخَافُ فَوْتَهُ وَلَوْ أُحْدِثَتْ سِقَايَةٌ لِلْحَاجِّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ لِأَهْلِهَا تَرْكُ الْمَبِيتِ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُ لَا وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الْأَوَّلَ وَالْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَ قَالَ لِنَقْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا لَهُ عَنْ النَّصِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ لَفْظُ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْصُلُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ بِحُضُورِهَا لَحْظَةً فِي النِّصْفِ الثَّانِي كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَوْضِعٍ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَهَذَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَهَا حَتَّى يَمْضِيَ نَحْوُ رُبْعِ اللَّيْلِ مَعَ جَوَازِ الدَّفْعِ مِنْهَا بَعْدَ النِّصْفِ (وَلْيَرْحَلْ) مِنْهَا بِغَيْرِ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ (بِفَجْرٍ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِغَلَسٍ إلَى مِنًى لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَتَأَكَّدُ التَّغْلِيسُ هُنَا عَلَى بَاقِي الْأَيَّامِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ أَمَّا النِّسَاءُ وَالضَّعَفَةُ فَيُسَنُّ تَقْدِيمُهُمْ إلَيْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِيَرْمُوا قَبْلَ الزَّحْمَةِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَوْدَةَ أَفَاضَتْ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِإِذْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالدَّمِ وَلَا النَّفَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا» وَفِيهِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ» وَيُسَنُّ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مَا يَرْمُونَ بِهِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَيْلًا وَقَالَ الْبَغَوِيّ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ نَقْلًا وَدَلِيلًا فَقَدْ رَأَيْته مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ الْتَقِطْ لِي حَصًى قَالَ فَلَقَطْت لَهُ حَصَيَاتٍ مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ» وَيَأْخُذُ بَقِيَّةَ مَا يَرْمِي بِهِ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(وَيَقِفْ) أَيْ: الْمُرْتَحِلُ نَدْبًا -.

ــ

[حاشية العبادي]

قَوْلُهُ: أَنْ يُصَلُّوا) أَيْ: الْمَغْرِبَ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلُّوا أَيْ: الْعِشَاءَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُحْتَجِّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَكَمَنْ انْتَهَى إلَى عَرَفَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ) فِي شَرْحِ الرَّوْضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ إلَى مُزْدَلِفَةَ لَيْلًا فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ جَمْعًا بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ اهـ. مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَخَّرَ وُقُوفَهُ إلَى لَيْلَةِ النَّحْرِ لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَفَاضَ مِنْهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذِهِ الْإِفَاضَةِ لَكِنْ يُتَّجَهُ إذَا تَمَكَّنَ بَعْدَ الطَّوَافِ مِنْ الْعَوْدِ إلَى مَبِيتِ مُزْدَلِفَةَ أَنْ يَجِبَ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَى مَكَّةَ لِلطَّوَافِ) بِأَنْ لَمْ يَمُرَّ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مَرَّ بِهَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَإِلَّا فَالْمُرُورُ بِهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مُحَصِّلٌ لِلْوَاجِبِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعَوْدُ إلَخْ) أَفْهَمَ وُجُوبَ الْعَوْدِ إلَيْهَا عِنْدَ الْإِمْكَانِ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَمْرٌ يَخَافُ فَوْتَهُ) شَامِلٌ لِلدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ فَيَدْخُلُ فِيهِ اتِّخَاذُ مَكَان صَالِحٍ لِنَفْسِهِ أَوْ أَمْتِعَتِهِ وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ أَوْ دَوَابِّهِ فَلْيُرَاجَعْ. (قَوْلُهُ: بِحُضُورِهَا لَحْظَةً) هَلْ يَكْفِي حُضُورُهَا مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُقُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ وَلَا وَلِيَّ لَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ الْتِزَامُ الثَّانِي كَالْوُقُوفِ وَعَلَيْهِ فَيُتَّجَهُ أَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِالْإِغْمَاءِ كَالْمَرِيضِ الَّذِي تَرَكَ الْمَبِيتَ لِلْمَرَضِ بَلْ الْإِغْمَاءُ نَوْعٌ مِنْ الْمَرَضِ. (قَوْلُهُ: كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمُرُورِ وَقَدْ صَرَّحَ السُّبْكِيُّ بِإِجْزَائِهِ وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ الصَّرْفُ وَلَا الْجَهْلُ بِكَوْنِهَا مُزْدَلِفَةَ وَلَيْسَ بَعِيدًا وَيَنْبَغِي جَرَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَبِيتِ بِمِنًى وَإِنْ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ بِهَا مُعْظَمَ اللَّيْلِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ بِمَوْضِعٍ) هَذَا إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاللَّيْلَةِ كَوَاللَّهِ لَا أَبِيتُ بِمَوْضِعِ كَذَا أَمَّا لَوْ قَيَّدَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَوْضِعِ كَذَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ مَشَايِخُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ شَيْخِنَا الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ وَمِنْهُمْ كَشَيْخِنَا عَبْدِ الْحَمِيدِ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ بَلْ بِجَمِيعِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا فِي نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ وَيَبْقَى مَا لَوْ قَالَ لَا أَبِيتُ بِمَوْضِعِ كَذَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ مُعْظَمُ اللَّيْلِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ الِاشْتِرَاطُ. (قَوْلُهُ: بِغَلَسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِصَلَاةٍ.

ــ

[حاشية الشربيني]

الْأَوَّلِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ عَدَمَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: بِمُزْدَلِفَةَ) هِيَ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ وَوَادِي مُحَسِّرٍ. اهـ. عب. (قَوْلُهُ: قَبْلَ حَطِّ رِحَالِهِمْ) أَيْ: الْمَغْرِبِ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُصَلُّونَ) أَيْ: الْعِشَاءَ. (قَوْلُهُ: كَالرُّعَا) أَيْ: الْمُحْتَاجِينَ لِحِفْظِ الدَّوَابِّ لَيْلًا أَوْ لِلرَّعْيِ إنْ فُرِضَ لَيْلًا. اهـ. مَدَنِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِحُضُورِهَا) وَلَوْ مَارًّا. اهـ. شَرْحُ عب. (قَوْلُهُ: كَالْوُقُوفِ) أَيْ: وَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهَا مُزْدَلِفَةُ. اهـ. شَرْحُ عب. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحَالِفَ ذَكَرَ الْمَبِيتَ وَلَمْ يَرِدْ هُنَا أَمْرٌ بِالْمَبِيتِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: مَعَ جَوَازِ إلَخْ) أَيْ: اتِّفَاقًا. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ أَيْ: لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الْآتِي عَنْ عَائِشَةَ قَرِيبًا وَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي عَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>