لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ. قَالَ: وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْهَا لَأُمِرَ بِهِ قَاصِدُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمُفَارَقَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ كَمَا أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ لَا يُشْرَعُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ مَكَّةَ وَيَلْزَمُهُمَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِدَمٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ النَّوَوِيِّ بِالْخَبَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النُّسُكُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِقَامَةُ مَعَهُ أَوْ الَّذِي لَيْسَ بِتَابِعٍ عَلَى أَنَّ الْمُهَاجِرَ إذَا طَافَ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا لَا غَيْرُ لِلْخَبَرِ فَلَا يَلْزَمُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ فَإِنْ قُلْت: الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْهَا مَعَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ يَقْتَضِي مَنْعَ الْعُمْرَةِ قَبْلَهُ كَمَا يَمْنَعُهَا بَقَاءُ الرَّمْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ قَبْلَهُ.
قُلْنَا: يَنْدَفِعُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَدَاعُ آخِرَ مَا يَفْعَلُهُ قَاصِدُ الْخُرُوجِ تَعَذَّرَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا فَاحْتُمِلَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهُ نُسُكٌ حَيْثُ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَوَافِ الْقُدُومِ حَيْثُ لَا يَجِبُ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِطَوَافِ الْعُمْرَةِ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ نُسُكٌ لَا يَسْقُطُ بِطَوَافٍ آخَرَ وَاجِبٍ اهـ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوَّلًا وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ أَوَّلًا وَفِي أَنَّهُ يُحَطُّ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ عِنْدَ تَرْكِهِ لَهُ أَوَّلًا ثَالِثُهَا اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَرَكْعَتَيْهِ أَنْ يَقِفَ بِحِذَاءِ الْمُلْتَزَمِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ وَيَقُولَ: اللَّهُمَّ الْبَيْتُ بَيْتُك وَالْعَبْدُ عَبْدُك وَابْنُ أَمَتِك حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك حَتَّى سَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك وَبَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك حَتَّى أَعَنْتنِي عَلَى قَضَاءِ مَنَاسِكِك فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رِضًى وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي هَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك اللَّهُمَّ فَاصْحَبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي وَارْزُقْنِي الْعَمَلَ بِطَاعَتِك مَا أَبْقَيْتنِي قَالُوا وَمَا زَادَ فَحَسَنٌ.
وَقَدْ زِيدَ فِيهِ وَاجْمَعْ لِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّكَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَتَى زَمْزَمَ فَشَرِبَ مِنْهَا مُتَزَوِّدًا ثُمَّ عَادَ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَاسْتَلَمَهُ وَقَبَّلَهُ وَمَضَى قَالَ وَإِذَا فَارَقَ الْبَيْتَ مُوَدِّعًا فَقِيلَ: يَخْرُجُ وَبَصَرُهُ إلَيْهِ وَقِيلَ: يَلْتَفِتُ إلَيْهِ فِي انْصِرَافِهِ كَالْمُتَحَزِّنِ عَلَى فِرَاقِهِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْشِي
ــ
[حاشية العبادي]
قَوْلُهُ: وَفِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَجِيرَ فِعْلُهُ وَيُحَطُّ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهَا م ر وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ مِنْ التَّوَابِعِ أَنَّهُ يُطْلَبُ فِي غَيْرِ النُّسُكِ أَيْضًا وَلَهُ نَظَائِرُ كَالسِّوَاكِ مِنْ تَوَابِعِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ أَيْضًا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[حاشية الشربيني]
قَوْلُهُ: فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّ زَعْمَ الْحَصْرِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمُفَارَقَةِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ بَلْ الدَّلِيلُ صَرِيحٌ فِيمَا قَالَاهُ وَهُوَ خَبَرُ مُسْلِمٍ «لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ» السَّابِقُ وَذِكْرُ الْحَجِّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ بَابِ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا يُخَصَّصُ. (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُهَا الْقَوْلُ إلَخْ) قَالَ حَجَرٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ هَذَا الْإِلْزَامُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ غَيْرُ النُّسُكِ مِمَّا لَهُ أَدْنَى تَعَلُّقٍ بِهِ قَدْ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا فَرَكِبَ أَوْ عَكْسَهُ. (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ) مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالنُّسُكُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَيَتَنَاوَلُ الْإِقَامَةَ قَبْلَ الطَّوَافِ وَبَعْدَهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُنْفَرِدًا بِمَا أَبْدَاهُ فِيهَا شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَلْزَمُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ) فِيهِ أَنَّا لَا نَدَّعِي اللُّزُومَ بَلْ الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ سم عَلَى ع. (قَوْلُهُ: فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِ) عَدَمُ رُؤْيَتِهِ لِذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَعُمُومُ كَلَامِهِ فِي التَّهْذِيبِ يَقْتَضِيهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي ضِمْنِ نُسُكٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَيْهَا وَإِلَّا افْتَقَرَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. اهـ. شَيْخُنَا ذ وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ الْمَسْنُونَ مِنْ طَوَافِ النَّفْلِ فَتَجِبُ نِيَّتُهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ قَالَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الرَّءُوفِ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَقَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ نَظَرًا لِشُمُولِ نِيَّةِ الْحَجِّ لَهُ إذْ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لِمَنْ سُنَّ فِي حَقِّهِ كَمَا أَنَّ سَائِرَ السُّنَنِ سُنَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْقَدِحُ فَتَأَمَّلْ. اهـ. ابْنُ الْجَمَّالِ. اهـ. جَمَلٌ عَلَى الْمَنْهَجِ. (قَوْلُهُ: أَنْ يَقِفَ إلَخْ) أَيْ: وَيَتَعَلَّقُ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ تَعَلُّقَ الْمُذْنِبِ بِذَيْلٍ مَنْ أَذْنَبَ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَصْفَحَ عَنْهُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَمُنَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَعَ فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَجْوَدُ أَوْ كَسْرِهَا وَيَجُوزُ فِي النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى الْأَوَّلِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: إنْ أَذِنْت لِي) أَيْ: بِقَضَاءِ حَاجَتِي وَالْمَغْفِرَةِ لِي أَوْ أَنَّ أَنْ بِمَعْنَى إذْ شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَالْعِصْمَةَ إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ طَلَبِهَا وَعَلَيْهِ إنْ أَرَادَ الْحِفْظَ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ الَّتِي هِيَ اسْتِحَالَةُ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ. (قَوْلُهُ: وَمَا زَادَ فَحَسَنٌ) وَلَا يُؤَثِّرُ الِاشْتِغَالُ بِتِلْكَ الْأَدْعِيَةِ وَإِنْ طَالَتْ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِهِ. اهـ. شَرْحُ عب لِحَجَرٍ.
(قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute