للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباديةِ الحمدُ لُلَّه مضمومة الدال واللام، ورواها لي بعض أصحابنا قراءة إبراهيم ابن أبي عبلة الحمد لله مكسورتان، ورواها أيضاً لي قراءة لزيد بن علي، وللحسن البصري.

وكلاهما شاذ في القياس والاستعمال، إلا أن من وراء ذلك ما أذكره لك، وهو أن هذا اللفظ كثر في كلامهم، وشاع استعماله، وهم لما كثر في استعمالهم أشد تغييرا، كما جاء عنهم لذلك لم يَكُ، وَلا أَدْرِ، وَلَمْ أبَلِ، وأيشٍ تقول، وجا يجِي، وسا يَسُوْ، بحذف همزتيهما.

فلما اطرد هذا ونحوه لكثرة استعماله أتبعوا أحد الصوتين الآخر، وشبهوهما بالجزء الواحد وإن كانا جملة من مبتدإ وخبر، فصارت الحمدُ لُله، كَعُنُق وَطُنُبٍ، والحمدِ لِلّهِ كَإِبِل وِإطِل إلا أن الحمد لله بضم الحرفين أسهل من الحمد لله بكسرهما من موضعين:

أحدهما: أنه إذاكان إتباعا فاقيس الإتباع أن يكون الثاني تابعا للأول، وذلك أنه جار مجرى السبب والمسبب، وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب، فتكون ضمة اللام تابعة لضمة الدال كما تقول: مُدُّ وشُدُّ، فتتبع الثاني الأول، فهذا أقيس من إتباعك الأول الثاني في نحو اُقْتُلْ واُدْخُلْ، فكذلك الحَمْدُ لُله أسهل مأخذا من الحمدِ لِلَّه.

والآخر: أن ضمة الدال في الحمد إعراب، وكسرة اللام في لله بناء، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء، فإذا قلت: الحمد لله فقريب أن تغلب الأقوى الأضعف، وإذا قلت: الحمد لله غلبت البناء الأضعف على الإعراب الأقوى، مضافا ذلك إلى حكم تغيير الآخر للأول، وإلى كثرة باب عنق وطنب في قلة باب إبل وإطل، ومثلُ هذا في إتباع الإعرابِ البناء قوله:

وقال: اضْرِبِ السَاقَينِ إِمِّكَ هابِلُ.

كسر الميم لكسرة الهمزة.

ثم من بعد ذلك إنك تفيد من هذا الموضع ما تنتفع به في موضع آخر، وهو أن قولك: " الحمد لله " جملة، وقد شبه جزءاها معا بالجزء الواحد، وهو مُدٌّ، أو عُنُقٌ فيمن أسكن ثم أتبع، أو السُّلُطَان دلَّ ذلك على شدة اتصال المبتدإ بخبره؛ لأنه لو لم يكن الأمر عندهم كذلك لما أجروا هذين الجزئين مجرى الجزء الواحد.

وقد نحوا هذا الموضع في قولهم في تأبط شرا: تأبطي، وفي رجل اسم زيد أخوك: زيدي، فحذفوا الجزء الثاني، كما يحذفونه من المركب في قولهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>