ما يهتدي به في تلك الطريق التي سلكها، لا بنفي وجود الهداية عن شيء نصب فيها للاهتداء به.
وأما قول أبي حيان وغيره: المراد لا شافع لهم فتنفعهم شفاعته، ولا منار فيهتدى يه فليس بشيء؛ لأن النفي إنما يتسلط على المسند لا على المسند إليه، ولكئهم لما رأوا الشفاعة، والمنار غير موجودين توهموا أن ذلك من اللفظ، فزعموا ما زعموا.
وفرق بين قولنا: الكلام صادق مع عدم المسند إليه، وقولنا: إن الكلام اقتضى عدمه.
القاعدة الثانية: إن القضية السالبة المشتملة على مقيد نحو ما جاءني رجل شاعر تحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون نفي المسند باعتبار القيد، فيقتضي المفهوم في المثال المذكور وجود مجيء رجل ما غير شاعر، وهذا هو الاحتمال الراجح المتبادر، ْألا ترى أنه لو كان المراد نفيه عن الرجل مطلقا لكان ذكر الوصف ضائعا، ولكان زيادة في اللفظ، ونقصا في المعنى المراد.
الثاني: أن يكون نفيه باعتبار المقيد، وهو الرجل، وهذا (١) احتمال مرجوح، لا يصار إليه إلا بدليل (٢)، فلا مفهوم حينئذ للقيد؛ لأنه لم يذكر للتقييد، بل ذكر لغرض آخر، كأن يكون المراد مناقضة من أثبت ذلك الوصف، فقال: جاءك رجل شاعر، فأردت التنصيص على نفي ما أثبته، وكان يراد التعريض، كما إذا أردت في المثال المذكور أن تعرّض بمن قال: جاء رجل شاعر، وهذه هي القاعدة التي يتخرّج عليها (لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) فإن الإلحاف قيد في السؤال المنفي.
والمراد من الآية - والله أعلم - نفي السؤال البتة، بدليل (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) والتعفف لا يجامع المسألة، ولكن أريد بذكر الإلحاف - والله أعلم - التعريض بقوم ملحفين، توبيخا لهم على صنيعهم، أو التعريض بجنس الملحفين، وذمهم على الإلحاف؛ لأن النقيض للوصف الممدوح مذموم.